مصالح متبادلة تجمع المغرب وإثيوبيا في المرحلة الراهنة تعزز من فرص التقارب والتعاون بين الجانبين، فمن ناحيتها تسير الرباط نحو تعزيز فرصها للعودة للاتحاد الإفريقي من خلال بوابة أديس أبابا (المقر الرئيسي للاتحاد الإفريقي)، وعلى الجانب الآخر ترغب إثيوبيا في حشد أكبر قوى عربية وإفريقية لدعم مشاريعها التنموية، خاصة مشروع سد النهضة، الأمر الذي يطرح سؤالًا عن مدى تأثير هذا التعاون على المصالح المصرية. وتأتي هذه الزيارة المغربية في وقت تشهد فيه العلاقات المصرية المغربية توترًا مكتومًا على أثر تداول تقارير عن استقبال القاهرة الشهر الماضي لوفد من «البوليساريو» الذي يسعى إلى استقلال «الصحراء الغربية» عن المغرب، الأمر الذي أثار ضجة واسعة داخل الرباط حول الزيارة. وتسير المملكة المغربية بخطى ثابتة نحو إعادة علاقتها الطبيعية مع الاتحاد الإفريقي؛ لعزل جبهة «البوليساريو»، وذلك بالاعتماد على زيارة عدد من الدول المؤثرة في الاتحاد، وبعد نجاح الرباط في جذب الدول الفرانكفونية في كسب تأيتدها للعودة إلى الاتحاد، تتحرك نحو الدول الإنكلوسكسونية (تنزانيا ورواندا وإثيوبيا)، الأكثر تأثيرًا في قرار الاتحاد، خاصة فيما يرتبط بقضية الصحراء، والتي تبتعد عنها المغرب بحكم ارتباطها التاريخي بالدول الفرانكفونية. وتأتي تحركات المغرب خاصة نحو أديس أبابا بعيدًا عن الحساسية المفرطة لدى الجانب المصري، وإن كان توقيت الزيارة جاء بالتزامن مع التوتر الملموس مع القاهرة؛ ليبعث نوعًا من القلق نحو الملف المائي الذي يأخذ الكثير من اهتمامات المصريين في المرحلة الأخيرة، خاصة وأن أديس أبابا من المقرر أن تعلن عن الانتهاء من بناء السد وبدء مراحل تشغيله العام المقبل. يقول محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، عن العلاقات المصرية المغربية وخاصة بعد التوتر الأخير الناتج عن استقبال مصر وفد بوليساريو، إن هناك نية "مصرية في إحراج المغرب"، مقابل "تقوية العلاقات مع الجزائر". وأضاف: تشهد العلاقات المغربية مع دول الخليج في الفترة الأخيرة تحسنًا محلوظًا، إذ بدأت الرياض تخطو وحلفاؤها الخليجين خطوات واضحة نحو دعم الرباط في الملف الصحراوي في مواجهة الجزائر، وأشار إلى أن ما جرى من استقبال مصر لوفد البوليساريو يجب أن يقرأ في سياق مؤشرات متعددة، ودخول علاقة مصر مع السعودية في منعطف مسدود، لافتًا إلى أن "تطور علاقتها بالجزائر واللقاءات الأخرى التي جرت بينها وبين البوليساريو تبين أن النظام المصري يرغب في إحراج نظيره المغربي، ويبتعد عن محوره الخليجي، خاصة في ملفات المنطقة". فيما أكد الجانب المغربي أن زيارات الرباط الكثيرة لإفريقيا تستهدف في الأساس دعم الاقتصاد الإفريقي ومحاولة رد الاعتبار للدبلوماسية المغربية في القارة السمراء التي اهتزت في السنوات الماضية، لكن رغم كل هذا التوضيحات والتأكيدات المغربية، إلا أنه وبحسب مؤشرات ونتائج الزيارة، فإنها ستعود بالفائدة على أديس أبابا، خاصة في معركتها الدبلوماسية مع القاهرة في ملف سد النهضة الحيوي، إذ بهذه التحولات الأخيرة التي تشهدها الدول العربية والإفريقية المحيطة والحليفة لمصر نحو أديس أبابا، تكستب الأخيرة دعمًا واسعًا لمشروعها الذي دائمًا ما كان محل قلق الخبراء المصريين، الذين أكدوا أن لديه تأثيرات واسعة على حصة مصر المائية من نهر النيل. وبخلاف تأثيرات هذا التحرك المغربي على مصالح مصر الإفريقية، يعيب الكثير على القاهرة ابتعادها عن التأثير السياسي والاستراتيجي في الاتحاد الإفريقي وملفاته المهمه، مستدلين على ذلك أنه عندما أردات الرباط العودة إلى الاتحاد، قررت التوجه نحو أديس أبابا، وأعلنت بحسب دبلوماسييها وسياسيوها المرموقون أن تأسيس المغرب للعودة إلى الاتحاد تأتي من البوابة الإثيوبية، فكتب محمد العلوي الصحفي المغربي: "زيارة الملك لإثيوبيا تأتي في خطوات استباقية لتهيئة عودة المملكة للاتحاد الإفريقي لذلك الهدف الأول من الزيارة، وهو إقناع الحكومة الإثيوبية بدعم المغرب في طلب العودة إلى الاتحاد، خاصة وأن إثيوبيا يوجد بها المقر المركزي والرسمي للاتحاد"، وقال الشرقاوي الروداني الخبير المغربي: "مبادرة العاهل المغربي بزيارة إثيوبيا تؤسس لمقاربة استراتيجية بأبعاد جيواقتصادية، من خلال البحث عن تكامل اقتصادات الفضاءات الإفريقية، مع اقتراب عودته إلى الاتحاد الإفريقي". وتوجت زيارة الملك محمد السادس بتوقيع العديد من الاتفاقيات والتفاهمات، حيث وقعت المغرب وإثيوبيا اتفاقًا لإقامة مجمع مهم لإنتاج الأسمدة الزراعية باستثمار قيمته مليارا يورو على خمس سنوات، من شأنه تحقيق الاكتفاء الذاتي لإثيوبيا بحلول 2025، وبموجب الاتفاق يستثمر المجمع 2.4 مليار دولار بين 2017 و2022 لإقامة مجمع لإنتاج الأسمدة الزراعية في مدينة ديري داوا شرق إثيوبيا. وتقول مصادر إثيوبية أن محطة إنتاج الأسمدة التي تشرف عليها شركة الفوسفات المغربية ووزارة المقاولات العامة الإثيوبية تعتبر ثاني أضخم استثمار تقدم عليه حكومة أديس أبابا بعد بناء سد النهضة على نهر النيل. وقال مصطفى التراب رئيس مجلس إدارة المجمع المغربي إن هذا المشروع "هو أكبر استثمار خارج المغرب"، مضيفًا "هدفنا هو تقليص تبعية إثيوبيا إزاء توريد الأسمدة من الخارج"، كما وقع البلدان عشرة بروتوكولات اتفاق في مجالات التجارة والاستثمار والضرائب والزراعة والمياه والري.