الإتجار بالبشر جريمة قاسية وجدت من قرون عديدة ، وتقوم على استغلال الملايين من النساء والفتيات والأطفال والرجال الضعفاء في جميع أنحاء العالم دون رحمة ، وحتى يومنا هذا يصعب تقييم حجم المشكلة بسبب طبيعتها السرية. وعندما حذر الرئيس عبد الفتاح السيسى من خطورة وتداعيات ظاهرة الإتجار بالبشر كجريمة منظمة عابرة للحدود متنامية فى العالم ، كان ذلك إدراكا منه للثمن الإنسانى الفادح الذى يدفعه ضحايا الشكل الحديث للرق والعبودية..وإيمانا منه بأهمية مناهضة تلك الظاهرة التى باتت تشكل تهديدا حقيقيا لأمن المجتمع الدولى، فقد دعم وساند الجهود المصرية والعالمية التى تحجمها ، حيث يبلغ عدد ضحاياها على مستوى العالم حوالى 27 مليون نسمة . تقدير خاص فى تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الصادر الشهر الماضى عن جهود الدول بشأن مكافحة ظاهرة الإتجار فى البشر، لإهتمام الرئيس البالغ بهذا الملف وأهمية تنمية الوعى تجاهها ، وتحذيراته وتوجهاته المتكررة فى المحافل الدولية ومقابلاته المحلية مع المعنيين الدوليين ، وتركيزه على أهمية تعزيز العمل على مكافحة جريمة الإتجار بالبشر ، وتوفير وتعزيز الحماية لضحاياها. وأشار التقرير إلى توافر الإرادة السياسية الجادة فى مصر ، والجهود الحكومية التي ساندت وجود قوانين رادعة تجرم هذه الجريمة النكراء فى حق بشر مستضعفين ، وثمن تلك الجهود التى يوجه إليها ويدعمها سياسيا وإجتماعيا الرئيس السيسى. أفرد التقرير الكثير من الحقائق الإيجابية عن مصر ، ومنها رفع كفاءة آلية الإحالة الوطنية لتسهيل وتسريع الوسائل الخاصة للتعرف على الضحايا ، وتوفير وضمان الحماية لهم ، والأهتمام بإقامة أول دار إيواء متخصص فى تأهيل الضحايا نفسيا ، متناولا فقرات مطولة عن نشاط اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر التابعة لمجلس الوزراء ، ودعم تعاونها مع الإتحاد الإفريقى خاصة بعد تولى مصر رئاسته. وأشار التقرير إلى إضافة صلاحيات لهيئة الرقابة الإدارية فى مجال مناهضة الاتجار بالبشر، حيث تقوم الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد التى تعد جزءا لا يتجزأ من الهيئة ، بتتبع أشكال جريمة الاتجار بالبشر فى المجتمع المصرى والقبض على مرتكبيها ، وهو ما نجحت فيه بجداره خلال مهمتها القتالية فى معركتها الأخطر ضد الفساد. أسباب عدة دفعت مصر للإهتمام بمناهضة جريمة الإتجار فى البشر، أولها أن كل بلد في العالم يتأثر بتلك الظاهرة ، سواء كان ذلك البلد هو المنشأ أو نقطة العبور أو المقصد للضحايا ، ولأن مصر جزء من العالم تتأثر به وتؤثر فيه فهى عرضه لهذه الجريمة. وثاني هذه الأسباب أن الإتجار بالبشر تجارة مربحة وتقع ارباحها فى المرتبة الثانية بعد تجارة السلاح ، ويساعد فى انتشارها التقدم التكنولوجى فى وسائل التواصل الإجتماعى ، حيث يقوم بإدارتها جماعات منظمة داخل البلد ( الإتجار الداخلى)، أو عبر الحدود (الإتجار الدولى). أما ثالث الأسباب فيكمن في أن حشد الرأى العام وتنميته ورفع الوعى ضد ممارسات جريمة الإتجار بالبشر، التى تتداخل بشكل كبير مع الجرائم الجنائية العادية الأخرى من شأنه إيصال رسالة قوية بحتمية المشاركة المجتمعة فى مكافحة أى صورة من صور تلك الجريمة. ما تقوم به اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر ، هو مسئولية واستراتيجية ومهمة وطنية يشارك فيها 26 وزارة وهيئة منها الرقابة الإدارية ومنظمات الاممالمتحدة تحت مظلة استراتيجية وطنية محددة الملامح. وقالت السفيرة نائلة جبر رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية ، إن الإتجار بالبشر جريمة خطيرة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، يمس الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ممن يقعون فريسة في أيدي المتاجرين سواء داخل دولهم أو خارجها ، ورغم ما تحمله تلك الجريمة من إسم صادم إلا أنها تمس وتهدد جميع أفراد المجتمع فقد يصبحون أحد ضحاياها. وأوضحت أنها جريمة تتنوع فى شكلها إلى خمس صور ، هي الإتجار بالأعضاء البشرية، الاستغلال الجنسى، زواج الصفقة ، العمل القسرى ، واستغلال الاطفال بلا مأوى (أطفال الشوارع)، وتبدأ أغلب تلك الجرائم بإستغلال يأس وعوز وفقر الضحية وظروفه الإقتصادية، ويكون الجانى فى أحيان كثيرة من المقربين من الضحية ، حيث يتم الإغراء بالمال والكثير من المزايا والوعد بحياة أفضل ، أو التهديد واستخدام القوة والعنف مع الضحية. وأشارت ، إلى جهود اللجنة التى أفضت إلى جعل الاتجار بالبشر جريمة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات ، وذلك بموجب ما ورد من مواد فى قانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر 0 وقد بدأت مواد القانون بتعريف الجريمة والمجنى عليه وحماية الضحايا ، والتعريف بالعقوبات الرادعة التى نص عليها بحق مرتكبيها ، والتى تصل إلى السجن المشدد وغرامة مساوية لما عاد على الجانى من أرباح ، وكذلك يعاقب كل من علم بالجريمة ولم يبلغ عنها بالحبس 6 أشهر وغرامة لاتقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز 20 الف جنية 0 ولعدم معرفة الكثيريين أنهم معرضون للوقوع فى براثن تلك الجريمة ، أو أنهم قد يقعون تحت وطأة أحكام القانون الخاص بمكافحة الإتجار بالبشر ، فقد قامت اللجنة بنشاط مكثف لإيقاظ وحشد الوعى الجمعى فى المجتمع تجاهها ، وتحطيم الدائرة المغلقة التى تشكل الركيزة الأساسية للجريمة من خلال تعبئة الرأى العام ضد كافة الممارسات المندرجة ضمن صور الإتجار بالبشر. وقامت اللجنة التى تأسست رسميا فى عام 2017 ، بتنطيم سلسلة من اللقاءات والدورات التدريبية ، والحملات والمنصات الإعلامية المختلفة التى القت الضوء على كيفية حدوث الجريمة ، وكيف يمكن أن تتخفى فى صورة عمل قانونى أو شرعى ، وسبل العمل على إزالة الأسباب المؤدية لها بصورة جذرية ، وتمكين الطبقات المهمشة فى المجتمع لتلافى وقوعهم كضحايا 0 وتأتي تلك الحملات تنفيذا للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر ، حيث تعتزم اللجنة الوطنية وأعضائها من الوزارات والهيئات والمجالس القومية وهيئة الرقابة الإدارية ، تكثيف كافة الجهود الخاصة بالتصدي لهذه الجريمة وتعزيز أنشطة الحماية لضحاياها 0 وتستهدف تلك الجهود حشد الرأى العام من خلال التوعية ، وكسب مؤيدين جدد ضد ممارسات الإتجار بالبشر، الأمر الذى من شانه إيصال رسالة قوية بأهمية المشاركة المجتمعية فى مكافحة الجريمة ، وحفز المسئولية المجتمعية عبر تسليط الضوء على العقوبات القانونية وقنوات الإبلاغ عن الجرائم وخدمة الرعاية والمساعدة لضحايا الجريمة وسريتها 0 وعلى الصعيد العالمى ، يحيي العالم يوم 30 يوليو من كل عام "اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر" ، وهو اليوم الذى حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الصادر برقم A/RES/68/192 ، وقد وفرت اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها، المساعدة للدول في جهودها الرامية إلى تنفيذ بروتوكول منع الاتجار بالبشر ومعاقبة المتاجرين بالأشخاص. من جانبها ، تعمل المنظمة الدولية للهجرة على مكافحة الإتجار بالبشر منذ عام 1994 ، ومنذ ذلك الوقت ساعدت 90 ألف شخص على مستوى العالم من المتاجرة بهم ، ويعتقد أن عدد الضحايا الذين تم تحديدهم فى كل عام يمثل أقل من 1 فى المائة من إجمالى عدد ضحايا العبودية فى العصر الحديث ، وهناك ملايين لا تحصى من الذين لم يتم التعرف عليهم. وقالت يومى اهتسوكى ، ممثلة المنظمة الدولية للهجرة فى القاهرة ، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إنه كان ينظر إلى الإتجار بالبشر تاريخيا على أنه جريمة تؤثر فى الغالب على النساء والفتيات ، ومع مرور الوقت وزيادة النسبة المئوية للذكور الذين يتم التعرف عليهم ، أدى ذلك إلى الإعتراف بأن الرجال والأولاد هم أيضا عرضة للجريمة. وأوضحت أن النساء والفتيات يمثلن أكبر نسبة من الضحايا المتاجر بهم لأغراض الاستغلال الجنسى، فى حين يشكل الرجال أكبر نسبة من ضحايا الإستغلال لأغراض العمل ، ومع ذلك يتم الاتجار بالنساء فى أغراض العمل القسرى ، لاسيما فى قطاعات مثل العمل فى المصانع والأعمال المنزلية، وهناك نسبة أعلى من الأطفال الذين يتم الإتجار بهم فى أعمال التسول. وتابعت ،أن المساعدة التى تقدمها المنظمة تشمل الإقامة فى أماكن السلامة والدعم الطبى والنفسى الإجتماعى وتنمية المهارات والتدريب المهنى والمساعدة فى إعادة الدمج وخيارات العودة الطوعية والآمنة والكريمة للدول الأصلية أو الدمج فى بلد المقصد أو إعادة التوطين فى دولة ثالثة عند الحاجة.