لعب المثقفون، والفنانون المصريون.. دورًا مهمًا وبارزًا فى ثورة 30 يونية 2013، التى جاءت تصحيحًا لمسار ثورة 25 يناير 2011 واختطافها من الإخوان لمدة عام 2012.. والشاهد على ذلك شارع شجرة الدر وموقع وزارة الثقافة على الرأس منه.. المطل على نيل مصر الخالد.. الحافظ للذاكرة! وقد تحول المكان إلى خلية نحل.. بل خلية إبداع لكافة الفنون البصرية السمعية.. اشترك فيها سكان الحى الراقى.. ملتحمين بالطبقات الوسطى والشعبية.. فى لُحمة واحدة، تعزف لحن الثورة العارم.. الحرية، العيش، الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.. الجميع يؤكد رفض حكم الإخوان «الفاشى».. وأساليب «الأخونة» التى فرضت عنوة على المجتمع والوزارة من قبل نظام «المرشد»! المشهد السابق، الذى استمر عدة أسابيع.. جاء مقدمة منطقية لثورة يونية.. ولم يكن منبت الصلة بثورة 25 يناير.. بمشهد أوسع وأشمل.. من قبل مثقفى مصر وفنانيها فى المعظم الأعم وبما كان يحدث فى ميدان التحرير طيلة 18 يومًا.. حتى إعلان المخلوع تنحيته عن الحكم فى 11 فبراير.. ولهذا من يحاول أن يخرج الفنون الفاعلة من الصورة أو المشهد على اتساعه.. فهو غافل.. ويحاول أن يقفز على الحقائق المدوية.. ولعل صور «الجرافيتى» التي دخلت جعبة التاريخ.. والتى زينت آنذاك الحوائط.. ستظل شاهدًا على قدرة الفن ووهجه فى عكس رؤية الفنان وتفاعله وانخراطه فى نهر الثورتين.. ولعل الشعارات مرفوعة فى ضمير معظم المصريين إلى الآن.. حتى ولو أخذت سمت ما أطلق عليه عالم الاجتماع الراحل د. سيد عويس «هتاف الصامتين».. نعم لا يزال المصريون يحلمون بالعدل الاجتماعى، بالحرية، وبالكرامة الإنسانية.. ولا أحد يستطيع أن يثنيهم عن هذا الحلم بين الرجاء والأمل. من المؤكد أن المواطن المصرى حُمِّل بأعباء اقتصادية فى الآونة الأخيرة.. أكبر بكثير من طاقته.. الأمر الذى يستدعى فى الذاكرة مسرحية ميخائيل رومان.. «حامل الأثقال» وقد قصد من ورائها منذ الستينيات.. المواطن البسيط..الذى يشبه «الجمل» فى الصبر والتحمل والتجرد لكن عندما يفيض به يتحول إلى وحش كاسر.. وكأنه يحقق القانون العلمى.. «التراكم الكمى يؤدى إلى تغيير نوعى» إن غضبه «رزل» أو «أعمى» كما يقول المثل المصرى الدارج! أو لم ير العالم تلك المشاهد المذهلة.. من واقع يوميات ثورة 25 يناير 2011؟. والتى قال زعماء العالم عنها وفى المقدمة منهم «باراك اوباما» الرئيس السابق لأمريكا بأنها ثورة ملهمة.. ثوارها ألهمونا قيمًا عليا.. مثلهم مثل «مارتن لوثر كينج» محرر الزنوج و«غاندى» زعيم الهند ومهما غالى فلول الأمس القريب أو البعيد.. فى طمس الحقائق ومن النيل من ثورة يناير وثوارها.. وبالتالى وأد تلك الأحلام الكبرى فى أفئدة المصريين.. فإن دم ما يزيد على ال800 شهيد.. والآلاف من المصابين.. سيظل حامى حمى الثورة وهو لن يضيع سدى وتلك التضحيات لن تذهب أدراج الرياح مهما طال الزمن! لقد مضى 6 سنوات على الثورة الكبرى التى مجدها دستور 2014.. ولا يزال الحلم فى سويداء القلب.. ولن يتخلى الشعب عنه.. رغم موجة التكفير والتخوين ومن ينهالون على الثورة والثوار بوابل من الاتهامات التى تكال جزافًا دون دليل أو قانون.. إلا أن هذا الشعب يستطيع الفرز ويستطيع أن يفرق بين الذهب الخالص والصفيح.. فليس كل ما يلمع ذهبًا.. فالمشهد الأخير فى فيلم «نواره» الذى يتحدث عن ثورة يناير بصورة فنية عذبة وعميقة.. ولا يزال ماثلًا حيث الفتاة الفقيرة الخادمة «منة شلبى» تُتَهم زورًا وبهتانًا من الأمن بأنها سرقت سيدتها ابنة الطبقة الراقية «شيرين رضا» رغم كونها هى التى حافظت على المنزل الثرى فى «الكومباوند» فيما هربت تلك السيدة بمجوهراتها وأموالها وأسرتها خارج البلاد خوفًا من ثورة الشعب المصرى بأسرة فى 25 يناير!! أن الذاكرة الفنية والثقافية بخير .. فهى قادرة على الفرز الحقيقى.. والمثقف المصرى ما زال يتمسك بالحلم كالقابض على الجمر.. ولكن للأسف الشديد تراجع الصوت وخفت أمام انخفاض مستوى سقف الحريات ككل فى المجتمع.. إن ذاك السقف مستمر فى الانخفاض.. وهناك شبه موجة أو هوجة.. ممن يشجعون على ذلك الانبطاح أرضًا.. أو من يحاولون تمزيق الوحدة والثوب.. فها هى العصبية تطفو بشدة ومبدأ «من ليس معى فهو ضدى». يفكرنا بمنطق «بوش الابن» فى غزوة العراق ذاك الغزو الذى أدانه العالم اليوم.. ولكن بعد خراب مالطة.. عفوًا بعد خراب العراق.. ومحاولات تمزيقها القائم الآن على قدم وساق!! إن الاستقطاب البادى اليوم على السطح بشدة.. ومحاولات التكفير والتخوين على أشدها ثم لعبة التسريبات فى الإعلام المرئى.. لا ينبغى السكوت عليها لأنها أدران تؤذى الجسد المصرى ككل.. ولأن المثقف هو بمثابة العقل بالنسبة للجسد.. أو بالأحرى ضمير الأمة فينبغى أن ترفع الدولة من سقف الحريات الخانق أو أن تدع بذلك مائة زهرة تتفتح.. ينبغى أن نرى تنوعًا فى الآراء واختلافًا فى الأفكار والرؤى.. لكى نلمس معارضة حقيقية تؤكد صحة المجتمع.. ولا أدل على ذلك من موقف الفنانة الأمريكية الرائعة حاملة الاوسكار ل3 مرات «ميريل ستريب» التى وقفت واختلفت مع الرئيس الأمريكى المنتخب «دونالد ترامب» لانه أولًا: سَخِرَ من صحفى معوق.. ثانيًا: لأنه هاجم المهاجرين والمسلمين والصحافة ونجوم هوليوود.. وهى وقفت لتدافع عن الحريات وعن الكرامة الإنسانية.. وهى تجسد رأى المثقف الفنان الحّر بامتداد العالم بأسره.. أو لسنا فى عصر العولمة؟. التى يريدها «ترامب» حسب رؤيته الخاصة.. تفصيلاً.. وهى آراء اليمين المتطرف الزاحف فى أوربا باتجاه أمريكا.. وللعجب نشاهد من يرتمون فى أحضان «ترامب» ألم يكن أولى بهم أن يرتموا فى أحضان «ميريل».. وهى تمجد الحرية والكرامة والعدل!!