رغم كثرة التحولات التي عرفها المجتمع الجزائري، إلا أنه ما يزال محافظا علي البعض من تقاليده في إحياء سنة النحر بشكل جماعي بمناسبة عيد الأضحي المبارك، وترسيخ صلات الأرحام ومحافظتهم علي زيارة المقابر إلا أن أي كان تسأله في الجزائر إلا ويؤكد أن العيد لم يعد كما كان زمان وطعمه ضاع بالكامل. قبل حلول العيد بأيام تنتشر عبر كل التراب الجزائري الأسواق الفوضوية لتجار سوق المواشي يعرضون سلعهم علي المواطنين لإقتناء كبش العيد في سوق لا تحكمه معايير أو ضوابط بل من يدخل إلي السوق يخيل له أنه في سوق البورصة وليس في سوق المواشي بالنظر إلي الإرتفاع الكبير لأسعارها. هذا الارتفاع لا يمت بصلة بالأزمة المالية التي تعرفها البلاد إثر انخفاض سعر النفط، بل يتصل مباشرة بالمضاربين الذين يستغلون الظرف ليرفعوا من أثمان المواشي لدرجة يصعب فيها علي الموظف أو العامل اقتناء أضحية، بل يكون بين خيارين أحلاهما مر، يا إما التضحية براتبه الشهري وشراء أضحية يا إما بالاكتفاء بشراء بعض اللحم والتخفيف عن أولاده، بينما هناك من يتجه للقرض والدين. ويقول المثل الشعبي الجزائري 'الحدايد للشدايد' 'بمعني المجوهرات والصياغة صنعت خصيصا لوقت الشدة' بهكذا مثال استقبلتنا إحدي النسوة في البنك وهي ترهن صياغتها قصد تغطية مصاريف عيد الأضحي المبارك سواء باقتناء الأضحية أو اللباس الجديد لأبناءها، في صورة تشابه عدد من حالة النسوة والعائلات الجزائرية التي أثقلت كاهلها كثرة المناسبات في الفترة الماضية سواء بعيد الأضحي، مصاريف العطلة الصيفية والدخول المدرسي. السيدة عائشة موظفة في البلدية التقيناها في بنك عمومي وهي بصدد رهن مصوغاتها تقول :'أنا اضطر لرهن مصوغاتي مع اقتراب عيد الأضحي لسبب واحد وهو أن الراتب الذي أتقاضاه و زوجي لا يكفي لشراء كبش العيد وتغطية مصاريف الدخول المدرسي ولباس العيد للأطفال، فقد أرهقت المصاريف كاهلنا كعائلة صغيرة، ما جعلنا نضطر للإستدانة ولكن مع مرور الوقت ازدادت الأمور ما جعل زوجي يرفع راية الإستسلام ويطلب مني رهن ذهبي'. تركنا السيدة عائشة وطرقنا أسواق العاصمة والأماكن التي تكثر فيها بيع المواشي لنتصادف بالغلاء الفاحش لأسعار الأضاحي التي لا تنزل عن 35 ألف دينار '500 دولار' وتصل إلي 85 ألف دينار '1200 دولار' وقد يزيد علي ذلك، وبعملية بسيطة نجد أن ثمن الكيلوغرام الواحد للحم الخروف يفوق 1500 دينار '20 دولار' وهو ثمن ليس ببسيط علي أصحاب الدخل الضعيف الذين تدفعهم الضرورة إلي شراء بعض الكيلوغرامات من أجل معايشة أجواء العيد. ومن بين العادات التي تميز اقتراب عيد الأضحي لدي الجزائريين هو الإقدام علي اقتناء أواني وسكاكين جديدة لتحديث كما يقال منظومتهم المنزلية استعدادا لليوم النحر، فيما ما تزال عادت طلاء الكباش بالحنة التقليدية ليلة العيد رفقة الأطفال، بينما وفي يوم النحر يلتف الجيران ويقومون بذبح أضاحيهم في باحة كبيرة ليشرعوا بعدها في التضحية الجماعية وتناول طعام الغداء في مجالس تعيد بعض الحميمية من أيام زمان، وهي الظاهرة المنتشرة بقوة في المدن الداخلية. وفي منطقة القبائل الكبري هناك تقاليد خاصة في عيد الأضحي تتمثل في 'الوزيعة' حيث ينحر أهل القرية عجول وأبقار ليتم ذبحها وبعدها توزيع لحمها علي المحرومين ومن لم يسعفه الحظ لشراء أضحية العيد، بينما في منطقة بني ميزاب بولاية غرداية، فإن توثيق العلاقات الاجتماعية في مثل هذه المناسبة لا بد منه وذلك من خلال البحث عن فك النزاعات وإقامة الصلح بين المتخاصمين، ما يحوّل العيد إلي محفل يغمر الكبير والصغير بفرحة العيد. أما عن أبرز الأطباق التي تميز الجزائريين في عيد الأضحي وتزين مطابخهم فهناك 'العصبان' يتم إعداده من بطن الخروف بعد غسله وتنظيفه جيدا يقلب ويتم حشوه بالكبد والقلب وقطع من اللحم صغيرة وبعض الحمص بالإضافة إلي التوابل ليطهي بعدها ويكون له طعم لذيذ. ومن الأطعمة هناك أيضا الملفوف والذي هو عبارة عن كبد ملفوف في قطع من الشحم يشوي علي الجمر ويقدم مع الشاي الأخضر. وهناك أيضا لحم رأس الخروف أو ما يسمي محليا ب'البوزلوف' وهناك البكبوكة والكمونية التي تتفنن ربات البيوت في تحضيرها أيام العيد. لا يمكن الحديث عن أيام عيد الأضحي دون إغفال ما يحدث في بعض المدن خاصة في شرق البلاد من مظاهر أفسدت الطابع الديني للمناسبة، حيث يتحول حدث العيد إلي حدث لمعارك و'كرنفالات' تتمثل تناطح ومبارزة بين الكباش تحولت بشكل سريع إلي ما سمي بدوري الكباش، يخسر فيها الهالك كبشه وماله ويفوز صاحب الكبش المنتصر بمبلغ مالي كبير، جعلها تشد لها أنظار العديد من الجزائريين كيف لا وهي من أطلق عليها أسماء مصارعين ورياضيين عالمين ومشاهير الفن والسينماء، كالشنفراء، زيدان، هيلك، ميسي، رونالدو، دونغا، رومبو، وغيرها من الأسماء، والأدهي أن ثمنها يصل في بعض المرات إلي 100 مليون سنتيم 'ما يعادل 80 ألف دولار'. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد وسط الشباب في المبارزة وإنما هناك من ابتدع تصفيفات لصوف الكباش، حلاقات غريبة علي الموضة، كل شيء جرب علي أضحية العيد بل وصار الكبش يهاجم ويمتنع بأمر صاحبه مدرب علي الكلمة الفرنسية الشهيرة 'أطاك' التي تعني الهجوم.