صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة كتاب 'حكاية الطليعة الوفدية' للمؤلف إسماعيل زين الدين. وُيعتبر حزب الوفد طليعة الأحزاب التقليدية، التي ظهرت علي الساحة السياسية عقب دستور 1923 حتي قيام ثورة يوليو 1952، وقد لعبت الطليعة الوفدية دوراً هاماً ومؤثراً في أحداث الحركة الوطنية التي شهدتها البلاد، فيما بين عامي 1945، 1946. يركز كتاب 'حكاية الطليعة الوفدية' علي العمق التاريخي، وهذه الصفحة المجهولة في تاريخ حزب الوفد في أربعينيات القرن الماضي، وظهور ما يُعرف باسم 'الطليعة الوفدية' لتجديد الحزب وتطعيمه بالأفكار الاشتراكية، التي كانت المستجد المهم علي الساحة السياسية في مصر في ذلك الوقت. ويذكر الكاتب: إذا أردنا تحديداً زمنياً لظهور هذا التيار التقدمي 'جماعة الطليعة الوفدية'، نستطيع القول إنه في بوابة عام 1944، بعد تدهور الوفد، انتقلت قيادة الطلبة الوفديين كتنظيم يرتبط بتقاليد الوفد في الدفاع عن الدستور والحرية والاستقلال، منذ نشأته عقب ثورة 1919، إلي الطالب مصطفي موسي، وعن الإطار التنظيمي للطليعة الوفدية، يقول الكاتب: طرحنا هذا التساؤل علي الدكتور عبد المحسن حمودة - أحد أعضاء التنظيم البارزين - أجاب علي ذلك بقوله: إنه وُجدت قيادتان للطليعة الوفدية، تولي القيادة الأولي مهام العمل السياسي بين دوائر الجماهير والاتصال بالرأي العام في أوسع صوره وأشكاله، وقد تولي مسؤولية وتنظيم هذا النشاط وتحمل عبئه مصطفي موسي وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا للطلبة والعمال، أما القيادة الثانية للتنظيم، فقد تحملت عبء التنطير الفكري للجماعة، من منطلق إصلاح النظام القائم علي الاستغلال والقهر الطبقي، دون العمل أو الدعوة إلي هدم الأسس التي كان يستند عليها، وتولي هذا العبء الدكتور محمد مندور، وقد استمر هذا العمل السياسي يمثل الإطار الرئيسي لنشاط الجماعة، حتي تم إلقاء القبض علي أغلب أعضاء التنظيم في مايو 1947، بعد أن وجّهت إليهم تهمة الاشتراك في إلقاء القنابل، التي انفجرت بداري هيئة الاستعلامات والأغذية، التي كانت تابعة لسلطات الاحتلال البريطاني. اهتمت الطليعة الوفدية بنضال الطبقة العاملة المصرية ضد الرأسمالية الأجنبية والمصرية، التي كانت تهدف إلي استنزاف موارد البلاد الاقتصادية، وتحقيق أكبر قدر من الرباح علي حساب جهد واستغلال هذه الطبقة الكادحة، دون أن تلقي بمطالبهم المتمثلة في تحسين أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلي توفير الرعاية الصحية لهم أسوة بزملائهم الأجانب من العاملين داخل تلك المؤسسات الصناعية، ويضيف الكاتب: وقد أفسحت الطليعة الوفدية المجال للمطالب العادلة للطبقة العاملة المصرية، وحرصت علي إبراز مشاكل العاملين الخاصة بتحسين أجورهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وهاجمت الأسلوب الذي تنتهجه الشركات الأجنبية لاستغلال هذه الطبقة الكادحة إلي أقصي حدود الاستغلال. ويذكر المؤلف: في يوليو 1949 جيء بحسين سري رئيساً للوزراء في وزارة ائتلافية، اشترك فيها كل من الوفديين والسعديين والأحرار الدستوريين، وكان هدف هذه الوزارة هو الإشراف علي إجراء انتخابات مجلس النواب، مع تهيئة الأوضاع السياسية الداخلية لهذه المعركة الانتخابية، وقد أجريت الانتخابات في 3 يناير 1950، وكانت نتيجتها حصول الوفد علي 228 مقعد من مجموع مقاعد مجلس النواب، وكان من بين الذين نجحوا في هذه الانتخابات من ممثلي حزب الوفد، عدد من أعضاء الطليعة الوفدية، نذكر منهم، وفقاً لمواقفهم التقدمية وإعلانهم الصريح بتبعيتهم وانتحائهم فكرياً لهذا التنظيم، كل من محمد مندور وعزيز فهمي ومصطفي موسي وأحمد أبو الفتح وإبراهيم طلعت ورفيق الطرزي ورياض شمس ومحمد بلال. إن مواقف الطليعة الوفدية داخل مجلس النواب، قد تبلورت في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كتطوير نظام الضرائب علي الأرض الزراعية، والأخذ بمبدأ التصاعد، أو الدعوة إلي توزيع الأراضي المستصلحة وتأجيرها لصغار الملاك والمعدمين أو بيعها لهم بشروط ميسرة، إضافة إلي الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة. ويتناول الكاتب علاقة الطليعة والقضية الوطنية قائلاً: شغلت القضية الوطنية، المتعلقة بجلاء القوات البريطانية عن البلاد، وتحقيق وحدة وادي النيل الجانب الأكبر من برامج الأحزاب المصرية. وفي هذا السياق، يشير إلي حقيقة هامة لها ارتباط وثيق بظاهرة الاعتدال والتطرف في تبني المطالب الوطنية، تجاه السياسة البريطانية، لكل حزب من الأحزاب السياسية المصرية - باستثناء الحزب الوطني - هذه الحقيقة ترتبط بوجود هذا الحزب أو ذاك في السلطة أو خارجها بين صفوف المعارضة، فنجد الوفد، وهو في صفوف المعارضة يشتد هجومه علي مسلك الحكومة القائمة من ناحية، ومع السياسة البريطانية من ناحية أخري، ويطالب بإجراء انتخابات حرة ديمقراطية، تسفر عن وزارة قوية تسندها الأغلبية البرلمانية، لضمان الوصول إلي الحكم، حتي يتمكّن من الدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة البريطانية، لتعديل المعاهدة المصرية البريطانية، ولاستكمال المطالب القومية، وإيجاد الحلول الملائمة للمسائل المعلقة بينها، يتضح هذا بجلاء من خلال مطالعتنا للصحف الوفدية خلال تلك الفترة، والتي كانت تعتمد في الأساس علي حملات التشهير والإثارة الصحفية ضد حكومات الأقلية القائمة آنذاك، كما كان يحدث بالنسبة لكافة الأحزاب المصرية وهي تقف بين صفوف المعارضة. وفي خاتمة الكتاب يقول المؤلف: إن الطليعة الوفدية قد غابت علي الساحة السياسية كتنظيم يتمتع - إلي حد ما - بقدر من الاستقلال الذاتي عن الحزب، عقب إلقاء القبض علي أغلب قيادات التنظيم والزج بهم في أعماق السجون في مايو 1947، ثم إغلاق صحيفتهم التي كانت تعبّر عن أفكارهم ويقومون بالاتفاق عليها وتمويلها ذاتياً.وعلي الرغم من اختلاف التركيب الاجتماعي للطليعة الوفدية عن قيادات الحزب من الجناح اليميني المحافظ، إلا أنها لم تفكر في الانفصال أو الانشقاق عن الوفد، وارتضت لنفسها الارتباط بالتيار الأصيل داخل الحزب والعمل تحت جناحه، علي أن تدفعه إلي سلوك سياسة أكبر تقدمية.