العدالة الاجتماعية هي الناقوس الذي يظل يدق.. ويدق في آذان الأمم لدي كل نهضاتها وثوراتها. وكان الوفد المصري عن صوت زعيمه مصطفي النحاس باشا وسكرتيره العام صبري أبوعلم باشا هو صاحب هذا الناقوس الذي أخذ يرن في منتصف الأربعينيات كما أعلن عنه صبري أبوعلم تحت قبة مجلس الشيوخ أيام كان زعيما للمعارضة. في مثل هذا اليوم (13 أبريل 1947) رحل عن عالمنا فجأة رمز من رموز الوفد الكبار وبطل من أبطال الوطن العظام هو المغفور له محمد صبري أبوعلم باشا، ولقد عاش الفقيد حياة قصيرة، إلا أنها كانت عريضة وعميقة حيث أعطي للوطن الكثير والتي كان ممكنا أن تكون أكثر لولا أن امتدت إليه يد المنون قبل الأوان فقطعت عليه طريق المجد الذي كان يصبوه لوطنه، وطريق الأمل الذي كان يترقبه علي يديه محبوه وعارفو فضله. رحل الرجل دون الخامسة والخمسين من عمره، ملفوفا بعباءة المجد التي ظل طوال حياته ينسج خيوطها، وقد رهن نفسه لعدد من القضايا الوطنية الكبري، كصولاته في ساحة البرلمان حتي أصبح زعيما للمعارضة وفي ساحة حزب الوفد المصري حتي أصبح سكرتيره العام والساعد الأيمن لزعيم الأمة، وفي ساحة القضاء حتي أصبح نقيبا للمحامين، وكفاحه كوزير للعدل حتي يحقق للقضاء استقلاله مساعيه كراعٍ لجناح الطليعة الوفدية حتي يحقق للعدالة الاجتماعية آمالها. ويواصل توفيق أبوعلم دراسته حول الفقيد وناقوس الوفد للعدالة الاجتماعية فيقول: في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي منتصف الأربعينات بدأ تيار الفكر اليساري يهب علي منطقة الشرق الأوسط آتية رياحها من المعسكر الشرقي لتبشر بمبادئ العدالة الاجتماعية والمسلحة بالمعطيات التي ألقت بها الوضعية الجديدة من التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلي كافة المستويات العالمية والمحلية. ولم يكن لجناح الطليعة الوفدية بد من أن يتحمل بشرف مسئولية تلك الاتجاهات التقدمية لأجل التقريب العادل بين طبقات الأمة. وقد بارك زعيم الأمة مصطفي النحاس باشا اتجاهات الطليعة الوفدية، كما بارك رغبة أعضاء الطليعة بأن يتولي ساعده الأيمن صبري أبوعلم باشا رعاية أهداف الطليعة وآمالها سيما أنه الذي كثيرا ما بارك دور الشباب في الكفاح الوطني. وكانت الطليعة الوفدية قد تأسست برئاسة مصطفي مرسي والدكتور عبدالمحسن حمودة وكان من أبرز أعضائها الدكتور عزيز فهمي والدكتور محمد مندور المهندس حنفي الشريف ورفيق الطرزي والدكتور عبدالرؤوف أبوعلم وأمين الكاشف وغيرهم والتفوا جميعا حول راعي الجناح صبري أبوعلم ومضوا يدا بيد لتحقيق آمال الوطن المنشودة في العدالة الاجتماعية. ويؤسس صبري أبوعلم جريدة صوت الأمة «الإصدار الأول» ويكون صاحب امتيازها وتصير في خدمة مبادئ الطليعة الوفدية، ولم لا وقد جعلت الجريدة أهدافها الثلاثة: استقلال الوادي، الديمقراطية السياسية، العدالة الاجتماعية واستمرت الجريدة في الحفاظ علي التراث الليبرالي للوفد وعلي النضال من أجل الاستقلال والديمقراطية والعدل الاجتماعي. ونشطت أقلام الكتاب من الاتجاهات المختلفة مع صحف الوفد لتؤيد بأن الوفد «جبهة» تلتقي فيها القوي السياسية المناضلة من أجل الاستقلال والديمقراطية والعدل الاجتماعي. ونشط شباب الوفد داخل هذه الجبهة ووجدت اللجنة الوطنية للطلبة والعمال دعما من الوفد بكل أجهزته وعلي كافة مستوياته بداية من زعيم الأمة مصطفي النحاس وساعده الأيمن سكرتير عام الوفد صبري أبوعلم. واستمد شباب الوفد من المعطيات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة ومن استنارة مصطفي النحاس وصبري أبوعلم زادا ودافعا لحركتهم داخل الوفد وبين صفوف المناضلين. وداخل إطار الحفاظ علي تقاليد الوفد صدرت «رابطة الشباب» لتعبر عن لسان حال الطليعة الوفدية، ويكتب صبري أبوعلم في عددها الأول كلمة ليرغب فيها يتولي الشباب تحرير رابطة الشباب وقد أشار في الكلمة بواجب الشباب النضالي. وفي هذه الأثناء كان عضو مجلس النواب «عن الهيئة السعدية» المرحوم محمد بك خطاب أصدر مشروعه الخاص بقضية العدالة الاجتماعية وذلك في شكل بحث كبير شامل، والذي يقضي بضرورة إصدار قانون يحدد الملكية الزراعية بحيث لا تزيد علي خمسين فدانا، فأبدي صبري أبوعلم استعداده لتبني هذه القضية وقام بدراسة البحث دراسة دقيقة وقام بعرضه بإحدي جلسات مجلس الشيوخ في مواجهة الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس المجلس، حيث وقف يقول: «إن مواجهة الظروف الاجتماعية هي التي حدت بمقدم المشروع الي تقديمه، وفي الحق إنه بذل جهدا مشكورا في دراسة موضوعه وإعداده وقد اطلعت علي بعض محاضر اللجنة، وفهمت أنه قد أعد له كثيرا من الوثائق وكثيرا مما يبرره». وقامت حركة يوليو 1952، وجاءت بسلطة يوليو الي الحكم وأصدر اللواء محمد نجيب قائد الحركة ورئيس الوزراء آنذاك في سبتمبر 1952، قانون تجديد الملكية بثلاثمائة فدان وتطورت حتي وصلت الي مائة فدان للعائلة وخمسين فدنا للفرد في عهد عبدالناصر. ولدي منعرج آخر عرفت البلاد فسادا لثلاثين عاما الأخيرة والتي أظهرت لونا رديئا من الرأسمالية الاستهلاكية، مع الخصخصة وظهور طبقة المليارديرات يقابلها من الجانب الآخر طبقة الجوعي والمعدمين بما أدي الي ثورة 25 يناير التي رفعت أهدافها في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية. وها هو قد مضي أكثر من ثلاث سنوات علي قيام ثورة 25 يناير النبيلة دونما تحقيق أمل ثوارها من الشباب في تحقيق العدالة التي رفع الوفد المصري لواءها وبما يحق للعدالة الاجتماعية اليوم أن تبكي مصطفي النحاس وصاحب الذكري صبري أبوعلم. ثم وجدتني أشعر قائلا: يا مصر المحروسة أين أنت .. في يوم كري الأولينا للعود بالقيم والتراث .. الي ما قبل عهد الغرغرينا فقد أخلوا الساحة حتي .. لا يظهر فيها غير الموالينا اللهم ارزق مصر بقادة .. من هامة ذكر الأقدمينا وصبري عن سعد والنحاس .. هم حماة وطن من الماردينا قد أسعدوه بجليل الأعمال .. التي نالت دهش المبدعينا