بدعة مستحدثة طرأت علي حياتنا اليومية، فحيثما وجهت وجهك تجدها أمامك، ألا وهي تلك اللافتة التي كتب عليها 'هل صليت علي النبي اليوم؟'. ويبدو أن إنكار بعض العلماء والمثقفين لهذه اللافتة زاد القائمين علي تعليقها عنادا وإصرارا، فازدادت اللافتة زيادة ملحوظة، فما من حائط أو مبني أو تاكسي إلا وتم تعليق اللافتة عليه، ظنا منهم وتوهما أن هذا يعد كبتا للمشاعر الدينية. وإن كان معلقو هذه اللافتات يحتجون بأنها للتذكرة، استنادا الي قوله تعالي 'وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين'، فإن علماء الأزهر يؤكدون أن الله الذي حرص علي توحيده بالألوهية والربوبية ونفي عنه أي شريك، قد ذكر في عبادة خاصة به وحده اثنين من أنبيائه، آمرا كل مسلم بالصلاة والسلام علي محمد وإبراهيم في التشهد، وهو ركن أصيل من أركان الصلاة لا تجوز إلا به، فهل نحن بعد في حاجة إلي التذكير بالصلاة والسلام علي رسول الله، وهو ركن لا تقبل الصلاة من دونه. وأن الله عز وجل قد كرم نبينا محمدا في قرآنه الخالد، قائلا في محكم آياته: 'إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما'؟! فهل هذا الملصق أولي من آيات الله التي تتلي آناء الليل وأطراف النهار. ويؤكد علماء الأزهر أن الله عز وجل كرم نبيه وحبيبه ومصطفاه بأن جعل الصلاة عليه أمرا واجبا علي كل مسلم، منزها هذه الصلاة عن الأماكن التي يوضع فيها الملصق، وأن محبته تتطلب العمل بما أمرنا به الله ورسوله، وليس من المعقول أن نحرص علي الصلاة علي النبي، ونخالف ما تضمنته الشريعة الإسلامية. فلماذا هذا الجدل الذي يشهده الشارع المصري، والاتهامات المتبادلة بين بعض القوي السياسية والحركات الإسلامية بمعاداة الدين؟! يري الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن انتشار ملصق 'هل صليت علي النبي اليوم'؟ يدعو إلي الريبة والشك، وقال: إنه رغم أهمية الصلاة علي النبي محمد صلي الله عليه وسلم، فإن لكل شيء مكانه ومقامه، والعبادة لها مكانها في المساجد، ومع التسليم بأهمية الصلاة علي النبي وفضل كثرة الصلاة علي النبي، لا أري ذلك مبررا ولا استحسنه، فهذا الملصق انتشر بالشوارع بشكل غير طبيعي ومثير للدهشة والريبة، من أناس غير معروفين يغلب علي الظن أنهم يهدفون لأهداف ليست في مصلحة الوطن علي أقل تقدير. وأكد الدكتور مختار جمعة، أن الوزارة تعتزم حالياً منع وجود أي ملصقات دينية أو غيرها في المساجد، سواءً كانت بالإيجاب أو بالسلب، وذلك لأننا نريد أن نبرئ ساحة المسجد، من كل هذه الملصقات، وستمنع الوزارة أي عمل سياسي داخل المسجد، وأيضاً سيتم استبعاد أي خطيب يتحدث في السياسة، وتغريمه حسب القانون الجديد، ولا مجال علي الإطلاق لمحاولة توظيف المساجد سياسيًا، أو جعلها مقارًا لبعض الأحزاب أو الفصائل أو الجماعات، كما كان يحدث في السابق، أو استغلالها لتوزيع المنشورات، أو إلصاقها بها، أو تعليقها عليها، أو الإعداد للبرامج الانتخابية بها، فزمن هذا الاستغلال قد ولّي، ولن تسمح به الوزارة. وأكد الدكتور سعيد عامر أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، أنه لا يجوز إقحام بيوت الله عز وجل في معترك أغراض سياسية، ويقول الله تعالي في أمر منه للمسلمين: 'إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً'، ولكن المشكلة إذا كتبت ورقة بها 'اسم الله أو اسم النبي' صلي الله عليه وسلم وسقطت هذه الورقة علي الأرض، ولتدوسها الناس بالأقدام، فهذا الأمر لا يقبله الإسلام، ويجب أن يكون هناك حذر من إساءة استخدام هذه الأوراق، ولكن لكل مقام مقالا. وفي سياق متصل، أكد الدكتور عبد الفتاح إدريس الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الصلاة علي النبي الكريم صلي الله عليه وسلم، أمرنا بها الله عز وجل، وقال سبحانه: 'إن الله وملائكته يصلون علي النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما'، والذين وضعوا هذا الملصق في أماكن متعددة، مثل زجاج السيارات والأبواب المختلفة وعلي الشوارع وعلي حوائط الطرقات، إنما يجعلون للصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم معني مبتذلا. ويكفي أن نعلم أن هذا الملصق أصبح يوضع علي أماكن غير لائقة، خاصة أنه يحمل لفظ الجلالة، واسم النبي الكريم، صلي الله عليه وسلم، وهذا أمر غير لائق، وبدلا من البحث عن الذين يروجون لهذا الأمر، ويتولون وضع هذا الملصق والهدف من ورائه، ينبغي أن يتم القبض علي الذين يضعون هذه الملصقات، وتأديبهم لاعتبارهم أنهم يهينون الله ورسوله، لأنه لا يليق أن يوضع اسم الله تعالي واسم رسوله الكريم في موضع غير لائق أو بجوار شعار من الشعارات السوقية التي لم تعد خافية علي أحد، كالتي توضع علي زجاج السيارات وعلي مؤخرتها، وعلي الحوائط التي يبول عليها الناس، ونحو ذلك، لذا يقتضي تأديب فاعله، وقد كان المسلمون ولا يزالون تلهج ألسنتهم بذكر الله تعالي، والصلاة والسلام علي رسوله، صلي الله عليه وسلم، وهم ليسوا في غفلة حتي يذكرهم بعض الماجنين بالصلاة والسلام علي رسول الله، صلي الله عليه وسلم، فهو أمر في جينات المسلمين، ولا يحتاج لأن يذكرهم أحد به، والإيمان لا يكتمل إلا بحب النبي صلي الله عليه وسلم، وهذه اللافتات داخلة علي شبكات التواصل الاجتماعي وهذا الشعار وراءه أمر، حيث يطلب من الناس أن يطبعوا هذا الملصق، ليوضع علي الأماكن المتعددة مثل الأماكن السوقية. من جانبه، يؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن تلك الملصقات ليست هي التي ستذكر الناس أو تنسيهم الصلاة علي النبي، والنبي يجب أن يكون في قلوب المسلمين، أما عمل لوحات دعائية أو إرشادية أو تعليمية تحض علي طاعات وقربات، فيجب وضعها علي لوحة الإعلانات بالمساجد أو في مؤسسات تعليمية كالمدارس أو المعاهد أو الكليات، وماعدا ذلك فممنوع ومحظور، كالطرقات والشوارع والأسواق وما أشبه، فهذه المرافق الحياتية للإرشاد علي مواقع وعناوين، هكذا في الدول المتحضرة، ولم يعهد في صدر الأمة من السابقين أنهم كتبوا أو علقوا لوحات في الطرق والشوارع والميادين لأنهم فقهوا أن لكل مقام مقالا، وعرفوا أن الدعوة إلي مكارم الأخلاق إنما في المساجد ودور التعليم. وأكد أن ما يشاهد يدل علي تدين يفرغ الدين من جوهره، ومن مضمونه، ويدل علي فراغ فكري وروحي معا، لذلك يجب منع هذه الملصقات حماية لها من الابتذال، وكذلك عدم تعريض الدين للمتاجرة به، فوسائل المواصلات ليست مواطن لترديد أذكار وأدعية جماعية، ولا حلقات ذكر، ولا حلقات تلاوة للقرآن الكريم، وإن البلد الذي أشرق فيه الإسلام، وهو السعودية، لا يوجد به في مكة أو المدينة وهي حاضنة الإسلام مثل هذه الأعمال التي تدل علي العشوائية وعلي مردود سلبي، لاستخدام ألفاظ وعبارات ليست في مجالها أو محلها. وأشار إلي أن المسلمين كلهم يعرفون مشروعية الأذكار والأدعية، ومن بينها الصلاة علي النبي، صلي الله عليه وسلم، وليسوا بحاجة إلي أن تقذف في وجوههم أوراق من نوافذ السيارات، فيها مثل هذه الأعمال، والطاعات تستلزم مراعاة حق الطريق، وآداب المرور وحماية البيئة وعدم إيذاء الآخرين، وعدم الغش والتدليس، وهي الأحق بالتذكرة، وهذه المظاهر تدل علي عدم العمق الإيماني، وهي ظاهرة صوتية أكثر منها كمنهاج عملي، ويجب إزالة هذه الملصقات من الشوارع والحوائط والطرقات والميادين والأسواق احتراماً لها وصيانة لها من الامتهان والابتذال. ونفي كريمة أن يكون وراء هذه الشعارات أي استغلال سياسي، لأنها ليست صادرة من أي أحزاب سياسية، وبالتالي هي بعيدة كل البعد عن أن تكون شعارات سياسية، أو أن يستغلها طرف بعينه، لإقحامها في العمل السياسي. ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء: جميل أن تكون جملة 'هل صليت علي النبي؟'، صلي الله عليه وسلم، أمام الأفراد والجماعات، لكن يجب أن نلاحظ أن المحبة ليست وحدها هي المطلوبة من المسلم، وإنما المطلوب مع حب رسول الله، صلي الله عليه وسلم، أن نعمل بشريعته التي أرسله الله عز وجل بها، وليس من المقبول شرعا ولا عقلا أن نحرص علي الصلاة والسلام علي رسول الله، ونخالف ما تضمنته شريعة الإسلام من دعوة الناس إلي أداء الواجبات التي كلفوا بها سواء في ذلك حقوق الله عز وجل من العبادات أو حقوق الأفراد من التعامل اليومي الموجه بالصدق في المعاملة وإتقان العمل، والأمانة في أدائه، والتيسير علي الناس في أمور حياتهم، أو حقوق مصر البلد الذي نشأنا علي خيره، والذي يجب أن نعمل علي رفعة شأنه في جميع مجالات الحياة العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، وكل الآفاق التي تجعل مصر بلدا عظيما، لأن عزة الوطن وعظمته لا تقاس بمجرد موقعه الجغرافي، إنما تقاس بتقدم شعبه وتحضره ومنافسته لدول العالم في العلوم والثقافة، والقوة مما يطلبه الإسلام ممن ينتمي إليه. وأضاف: إذا كنا نحب رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلنتبع ما جاء به، تجاه الأفراد والأسرة والجماعات، والدولة نفسها، والمحبة وحدها لا تكفي، قال تعالي: 'قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ'، وأري عدم التصادم مع رغبات الناس في هذه اللافتة، لأنه سيعطي نتيجة عكسية، ويمكن ان يعد كبتا للتعبير الديني، وما الذي يضير الدولة من رفع لافتة تطلب الصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولا أري أنها تؤدي إلي فتنة إطلاقاً بين المسلمين والمسيحيين، وإننا كما نصلي علي رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم، نصلي علي رسول الله عيسي صلي الله عليه وسلم. وقال الله تعالي: 'آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير' وهو ليس شعارا سياسيا حتي يظن البعض أنه يعمل لمصلحة فصيل سياسي معين.