في حكم هام يكشف منابع الفساد في المحليات ويرسي مبادئ وأصول نظم الإدارة المحلية لإدارة الشعب لشئونه ومصالحه المحلية ودعم استقلالها طبقا للدستور الجديد وتفعيل دورها في الرقابة علي السلطة التنفيذية لتنفيذ خطط التنمية، قضت محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين عبد الحميد أبوسمرة وزكي الدين حسين ووليد الطويل واحمد مكرم نواب رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ قرار محافظ كفر الشيخ السلبي بالامتناع عن تنفيذ قرار وزير التنمية المحلية رقم 257 لسنة 2013 الصادر بتفويض من رئيس مجلس الوزراء بتجديد ندب فادي عبد الفضيل قاسم رئيسا لمدينة مصيف بلطيم لمدة عام اعتبارا من 1 يوليو 2013 وما يترتب علي ذلك من آثار أخصها إلزام المحافظ بتسليم المدعي هذا العمل علي أن تبدأ مدة العام من تاريخ تنفيذ هذا الحكم ودون الاعتداد بقرار محافظ كفر الشيخ رقم 12365 لسنة 2013 فيما تضمنه من ندب المدعي بديوان عام المحافظة وتكليف السعيد عطية عبد الله في ذات وظيفة المدعي الصادر بها قرار من السلطة المفوضة من رئيس مجلس الوزراء بقرار وزير التنمية المحلية المشار اليه وذلك كله علي النحو المبين بالاسباب وألزمت الجهة الادارية بمصروفات الطلب العاجل وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير اعلان وباحالة الدعوي لهيئة مفوضي الدولة لاعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها. وأكدت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي في مبدأ جديد أن المشرع في قانون نظام الادارة المحلية أناط برئيس مجلس الوزراء وحده دون غيره الاختصاص باختيار رؤساء المدن لكل المراكز علي مستوي الجمهورية ولم يمنح المحافظين ثمة سلطة في هذا الاختصاص سوي تعيين نائب لرئيس كل مركز كما انه يجوز لرئيس مجلس الوزراء بمقتضي القانون رقم 42 لسنة 1967 بشان التفويض في الاختصاصات أن يفوض الوزير المختص وهو وزير التنمية المحلية بشان هذا الاختصاص ولا يجوز لهذا الاخير تفويض المحافظين فيما فوض فيه من اختصاص رئيس مجلس الوزراء اذ لا يرد تفويض علي تفويض. وقالت المحكمة ان رئيس مجلس الوزراء فوض الوزير المختص وهو وزير التنمية المحلية باختيار رؤساء المدن وقد اختاروزير التنمية المحلية المدعي فادي عبد الفضيل رئيسا لمجلس مدينة مصيف بلطيم لكفاءته لمدة عام اعتبارا من 1 يوليو 2013 الا ان محافظ كفر الشيخ وضع القرار في الادراج وامتنع عن تنفيذه واصدر قرارا اخر بتعيين شخص اخر و كان يتوجب علي المحافظ اعمالا لفكرة الدولة القانونية ان يبادر الي تمكين المدعي من تسليم عمله الصادر به قرار من السلطة المفوضة من رئيس مجلس الوزراء الا انه امتنع عن وضعه موضع التنفيذ واصدر قرارا اخر بتعيين شخص اخر في ذات الوظيفة متجاهلا السلطة المختصة المفوضة من رئيس مجلس الوزراء ومن ثم يكون محافظ كفر الشيخ قد حجب السلطة المختصة واحل نفسه محلها مما يمثل تعديا صارخا علي سلطة رئيس مجلس الوزراء ومن يفوضه ولهما من الشخصية الاعتبارية المستقلة وبهذه المثابة يكون محافظ كفر الشيخ قد مارس اختصاصا دون سند من القانون يدمغه باغتصاب السلطة لما فيه من افتئات علي سلطة اخري وصدوره ممن لا ولاية له في اصداره مما ينحدر به الي حد العدم والعدم لا تقوم له قائمة ويجرده من صفته الادارية لافتقاده مقومات القرار الاداري ومن ثم فهو لا يعدو ان يكون مجرد فعل مادي منعدم الاثر قانونا ويكون قراره مخالفا لحكم القانون ومشوبا بعيب الانحراف بالسلطة في الدرك الاسفل منها مما يتعين الغائه. واضافت المحكمة ان قيام محافظ كفر الشيخ بتعطيل سلطة رئيس مجلس الوزراء وسلب ولايته او من يفوضه وهو وزير التنمية المحلية يمثل انتهاكا يودي بقانونية الدولة ويعصف بمبدأ سيادة القانون وهو أساس الحكم في الدولة ويمثل انتهاكا باحكام الدستور الجديد ويجعل من القانون اداة للتعبير عن ارادة الحاكم ومشيئته وهو ما ثار عليه الشعب للقضاء علي كل مظاهر الاستبداد وذلك كله كالحريق يتعين اخماده والوقت حرج فيه و يتعين تنفيذ الحكم بالمسودة بغير اعلان. واوضحت المحكمة في حيثيات حكمها ان الدستور الجديد جعل من سيادة القانون أساسا للحكم في الدولة والزم الدولة بالخضوع للقانون وهو اساس مشروعية السلطة وخضوع الدولة للقانون بما يؤدي اليه من حماية حقوق الافراد وحرياتهم يعد مظهرا من مظاهر المدنية الحديثة كما ان خضوع الادارة للقانون ركن ركين لا يتصور قيام الدولة القانونية بدونه ومؤداه انه لا يجوز للادارة ولو في ارفع مستوياتها ان تتخذ من القرارات والاجراءات الا بمقتضي القانون فالادارة كغيرها من سلطات الدولة يتوجب عليها احترام القواعد القانونية المقررة بموجب أحكام الدستور والقانون وان تمارس نشاطها في نطاقها وهو ما يعد تطبيقا لمبدا المشروعية وعنصرا من عناصر الدولة ويترتب عليه سيادة حكم القانون وسيطرته وخضوع الحكام والمحكومين له علي السواء. ذلك ان الذي يفرق بين الدولة القانونية والدولة الاستبدادية هو مدي خضوع الدولة للقانون فالدولة الاستبدادية يختلط فيها القانون بارادة الحاكم ومشيئته بينما الدولة القانونية ترضخ لخضوعها للقانون كأساس من أسس المدنية الديمقراطية الحديثة. واختتمت المحكمة حكمها التاريخي ان رؤساء المدن للمراكز يقسمون اليمين قبل مباشرة أعمالهم أمام المجلس الشعبي المحلي للمركز وليس أمام المحافظ وفي ذلك تعميق للديمقراطية بإدارة الشعب لشؤنه ومصالحه المحلية عن طريق ممثليه المحليين المنتخبين مما يمثل دعامة اساسية لتحقيق الديمقراطية السليمة وبما يكفل اعطاء صلاحيات كبيرة للمحليات لتحقيق اقصي قدر من التجاوب مع الارادة الشعبية علي نحو ما جاء بالمذكرة الايضاحية للقانون ويتفق هذا المفهوم مع احكام الدستور الجديد المعدل الصادر في 18 يناير 2014 في المادة 180 منه من عهد الاختصاص للمجالس المحلية في ممارسة الرقابة علي السلطة التنفيذية في سبيل متابعتها لتنفيذ خطة التنمية ومراقبة اوجه النشاط المختلفة وذلك ابرازا لدور الشعب في ممارسة الحكم بنفسه وهو ما يقتضي غل يد المحافظين بشان هذا الاختصاص والا عد ذلك غصبا للسلطة ينحدر به الي العدم.