رحلة عذاب كبيرة يعيشها المواطنون في البحث عن حضانة فالطفل مع مولده تعم الفرحة وتسود السعادة ولكن مع احتياجه الي حضانة تنقلب الاوضاع وتتبدل الظروف ليدخل الاب والام في " دوامة "البحث عن حضانة بسعر مناسب، وقد تنتهي رحلتهم بوفاة المولود او اصابته بأمراض تلازمه مدي الحياة فكثيرا ما نسمع عن وفاة عدد من المواليد المبتسرين داخل احدي الحضانات اثر انقطاع التيار الكهربائي او نتيجة اهمال لعدم دراية اطقم التمريض بأساسيات التعامل مع تلك الاجهزة.. وبلغة الأرقام يوجد في مصر 190 ألف طفل يحتاجون سنويا الي حضانات ولا يوجد سوي 2261 حضانة علي مستوي الجمهورية .. وهذه الاعداد غير كافية.. والنتيجة طول قوائم الانتظار وانتقال العدوي بين الاطفال وأحيانا الموت .. " الاخبار" من خلال هذا التحقيق تفتح ملف ازمة نقص الحضانات في مصر . حذرت لجنة الصحة بمجلس الشعب في احد اجتماعاتها من خطورة النقص الشديد، وعدم عدالة التوزيع في المستشفيات لحضَّانات الأطفال، وارتفاع تكلفة حجز الأطفال حديثي الولادة. وتكررت خلال السنوات الماضية حوادث ذهب ضحيتها اطفال حديثو الولادة في الحضانات فالحوادث الكثيرة والمتكررة تفتح هذا الملف الخطير من جديد وكان اخرها حريق وحدة الأطفال المبتسرين بمستشفي الشاطبي بالاسكندرية، الذي راح ضحيته 10 أطفال، وقبلها وفاة 9 أطفال في وحدة الإفاقة يوم 30 نوفمبر العام الماضي، وقبل ذلك سقوط طفل من فوق جهاز الإفاقة ، وقبلهما سقوط 3 أطفال آخرين من فوق الجهاز ذاته يوم 21 مارس 2005، وثم العثور علي طفل ملقي علي الأرض مصادفة داخل غرفة الملاحظة. وفي الاسكندرية حذر تقرير رقابي للمحافظة من خطورة النقص الشديد في أعداد حضَّانات الأطفال حديثي الولادة وارتفاع تكلفة حجز الأطفال المبتسرين داخل المستشفيات؛ نتيجة عدم كفاية الحضَّانات بالمحافظة وأكد التقرير أن المحافظة لا تستطيع مواجهة الطلب المتزايد علي إدخال الأطفال حديثي الولادة الحضَّانات؛ حيث يوجد 250 حضَّانة فقط تخدم مواليد مطروح والبحيرة وكفر الشيخ، إضافةً إلي أعباء الإسكندرية وأشار إلي أن نسبةً من 5٪الي 12٪ من المواليد تحتاج إلي حضانات، وأن تكلفة تشغيل الحضَّانة في اليوم يصل إلي 700 جنيه، وأن نسبة الوفيات بالنسبة للأطفال المصريين الذين يدخلون الحضَّانات ما زالت مرتفعةً عن النسب العالمية. وقد صرح مصدر مسئول بوازرة الصحة نحترم رغبته في عدم نشر اسمه ان هناك 190 ألف طفل يحتاجون تلك الحضانات سنويًّا، وقال لدينا 2261 حضانة علي مستوي الجمهورية بأجهزتها المساعدة التي تصل إلي 6114 جهازًا، موضحا ان الوازرة في حاجة إلي حضانات جديدة بتكلفة تصل إلي أكثر من 150 مليون جنيه، مشيرًا إلي أن الحضانة الواحدة تستوعب سنويًّا ما بين 40 إلي 45 طفلاً وان الوزارة لا تستطيع وحدها مواجهة الاعداد المتزايدة من الاطفال الذين تحتاج حالتهم الي دخول الحضانة ويتطلب ذلك تعاون من جانب رجال الاعمال ومؤسسات المجتمع المدني. والجدير بالذكر ان الحضانات دخلت إلي مصر عام 1995 وقد استقبلت في هذه المدة الزمنية 11 ألفًا و27 طفلاً، في حين استقبلت الحضانات عام 2006م نحو 78 ألفًا و37 طفلاً وان نسبة الوفيات بالنسبة للأطفال المصريين الذين يدخلون الحضانات ما زالت مرتفعةً عن النسب العالمية. قوائم الانتظار في البداية يقول الدكتور حاتم الخشن استشاري امراض النساء والتوليد والمدير الاسبق لمستشفي الجلاء للولادة ان هناك ازمة كبيرة في الحضانات في مصر فأعدادها قليلة وتعاني من الاهمال في المستشفيات الحكومية واسعارها مرتفعة في المستشفيات الخاصة حيث تصل تكلفة الحضانة في اليوم الواحد ما بين 1000 و2000 جنيه اما الحكومية فإنها تتراوح من 150 حتي 600 جنيها في اليوم الواحد بخلاف العلاج وهذه تكلفة مرتفعة لا يقدر عليها اغلب المواطنين كما ان هناك عدم ثقة من جانب الموطنين في الحضانات الحكومية وذلك بسبب الحوادث الكثيرة التي تحدث بها وعادة ما تكون بسبب الاعداد الكثيرة التي ترغب في دخول الحضانة وطول قوائم الانتظار فتكون النتيجة انتشار العدوي بين الاطفال فالحضانة الواحدة تحتاج الي تعقيم شامل للارضيات والاجهزة والغرف بالكامل كل 24 ساعة واذا كان هناك طفل يظل داخل الحضانة اكثر من يوم فلابد من تعقيم مكانه كل يوم ولتفادي الحوادث المتكررة داخل الحضانات من انقطاع الكهرباء وغيرها فلابد ان يكون هناك مولد كهربائي داخل كل حضانة حتي لايتعرض الاطفال للموت في حالة انقطاع التيار الكهربائي. وعن الاطفال الذين يحتاجون الدخول الي الحضانة يشير دكتور الخشن إلي ان هناك حالات متوقع دخولها قبل الولادة مثل التوائم الثلاثة واحيانا الاثنان وفي حالة الولادة المبكرة وفي حالة الاطفال ناقصي الوزن ويتم متابعة ذلك اثناء الحمل بالموجات الصوتية وهناك اطفال يكونون مصابين بعيوب خلقية او تكون الام مصابة ببعض الامراض المزمنة. ويشير الدكتور عمرو اسعد استشاري الاطفال المبتسرين إلي ان تكلفة الحضانة في اليوم مرتفعة لانها قليلة وتتطلب اموالا كثيرة فالحضانة الواحدة تكون تكلفتها كحد ادني 3 ملايين جنيه وتكون شاملة 7 حضانات وجهاز تنفس صناعي واجهزة " مونيتور " لمراقبة حالات الطفل ومتابعة عمل اجهزته المختلفة كما ان الاعداد الكبيرة التي تحتاج الي الحضانة تحول دون عمليات التعقيم المستمرة وكذلك تعوق عمليات الصيانة فينتج عن ذلك الحوادث فمن المفترض ان تكون الكهرباء داخل الحضانة من خلال مصدرين مختلفين تجنبا لانقطاع الكهرباء عن الحضانة فالاسعار في المستشفيات الحكومية تتراوح من 200 حتي 300 جنيه في اليوم الواحد اما الخاصة فيكون اليوم الواحد من 1500 حتي 2000 جنيه وذلك لان الحضانة تحتاج الي جهد كبير من جانب الاطباء وتتطلب مستلزمات كثيرة فاستهلاك الاطفال داخل الحضانة يفوق الكبار وشدد علي ضرورة الالتزام بعوامل الامان اثناء تصميم غرف الحضانات سواء من الناحية الهندسية او من حيث تأمين خطوط الكهرباء وغيرها ويجب ضرورة متابعة عوامل مكافحة العدوي لمنع انتقال الامراض المعدية بين الاطفال ويوضح ان في كل مستشفي يوجد 10 حالات يوميا تحتاج الي الحضانة. مشاركة مجتمعية من ناحيةٍ أخري يؤكد الدكتور ممدوح مندور كبير اطباء مستشفيات جامعة القاهرة ان تلك الخدمة اصبحت اساسية ولا يستطيع ان يستغني عنها المواطنون ولن تستطيع المستشفيات الحكومية بمفردها ان تلبي جميع متطلبات تلك الاعداد الغفيرة التي تتوافد يوميا علي الحضانات لذلك يجب ان تتضافر جهوم المجتمع المدني ورجال الاعمال مع المستشفيات لتوفير تلك الحضانات لان ذلك يعتبر نوعا من المسئولية الاجتماعبة من جانب رجال الاعمال تجاه المجتمع ومساندة وزارة الصحة ومستشفياتها وإمدادها بالحضانات. ويطالب بضرورة تعاون المستشفيات والتنسيق بين جميع الجهات الصحية ودراسة خريطة للحضَّانات وعدد المواليد علي مستوي الجمهورية وضرورة تحفيز المشاركة المجتمعية بتوفير الحضَّانات وأجهزتها المعاونة لاستكمال العجز في العدد الكلي، ودعم برامج التدريب والدراسات العليا في مجال الأطفال المبتسرين وزيادة حوافز المشتركين بها حتي تكون هذه الخدمة مجانيةً، مثل خدمة طوارئ، أو العناية المركزة، والحروق؛ نظرًا لأهميتها لحياة الأطفال، وأن أي تأخير يعرِّضهم لمشاكل طبية جسيمة، خاصةً مع عدم تقديم الرعاية الطبية اللازمة، وينتهي الأمر عادةً بحدوث مضاعفات جسيمة أو بالوفاة. مشكلة الكفاءات وتطرق الي أن القضية ليست توفير الحضانات فقط ولكن في ندرة الكفاءات البشرية وتوفير الأطباء وهيئة التمريض المتدرِّبين؛ فأحيانًا لا يتم تشغيل حضَّانات بسبب عدم وجود العمالة المدرَّبة علي هذا التخصص؛ فهناك مستشفيات ذات كثافة مرتفعة في الولادة مما ينتج منه نسبة كبيرة من الأطفال المحتاجين إلي حضَّانات يكون مصيرهم هو نفس مصير عشرات الأطفال الرضَّع الذين يتعرضون للوفاة بعد الولادة بساعات قليلة. ويشدد علي غياب بنود الصيانة الدورية لتلك الحضانات مما يؤثر علي عمرها الافتراضي فالجهاز الواحد عمره الافتراضي يتجاوز 10 سنوات والاهتمام بتدريب العمالة من الاطباء والتمريض لكي يكونوا مؤهلين للعمل علي الاجهزة وتوفير المستلزمات الخاصة بالاستهلاك وهذه هي اهم مبادئ واولي قواعد الجودة الشاملة مما يقلل من نسبة الحوادث وان لم يتحقق ذلك في المستشفيات الحكومية تكون النتيجة مغالاة القطاع الخاص في الاسعار وهروب المواطنين من الحضانات الحكومية والواقع الان يؤكد ذلك فالاهمال وعدم التعقيم والنظافة جعل انتقال العدوي بين الاطفال امرا واردا وزاد من الحوادث وزاد ايضا من عدم ثقة المواطنبن في المستشفييات الحكومية. ويوضح الدكتور اسامة صلاح الدين استاذ طب الاطفال ان الطفل يعيش في بطن امه 9 شهور بما يعادل 40 اسبوعا فإذا خرج قبل 30 اسبوعا فإنه يحتاج الي دخول الحضانة فتكون مناعته غير مكتملة ويحتاج الي غذاء معين وادويه خاصة وجو الحضانة يكون معقما ولا توجد ايادي تلمس الطفل إلا بالتعقيم والجو يكون دافئا وهذا ما يحتاجه الطفل ناقص التكوين كما ان الطفل في هذه المرحلة اثناء وجوده داخل الحضانة يحتاج الي متابعة جميع اعضاء جسمه للتاكد من انها تعمل حتي لا يتعرض لأي اختناقات او غيره وذلك من خلال اجهزة كثيرة منها جهاز رسم قلب وجهاز لقياس نبضات القلب والتنفس ونتيجة للاعداد الكثيرة التي تتوافد يوميا علي المستشفيات فتكون الحضانات غير نظيفة وتتسبب في نقل العدوي بين الاطفال فجهاز الحضانة الواحد يبلغ سعره اكثر من 60 الف جنيه. ولكي تتحقق عوامل الامان في الحضانة يقول الدكتور صلاح الدين انه لابد من توفير مولدات كهرباء في كل حضانة لتجنب الضرر في حالة انقطاع الكهرباء وكذلك الاهتمام بعمليات التعقيم وغسل الحضانة كل يوم وتنظيفها بين كل طفل وطفل وكل يوم لمنع تكاثر ميكروبات المستشفيات والتي هي اخطر انواع الميكروبات لانها لاتموت بالمضادات الحيوية العادية وكذلك لابد من الاهتمام بعدم دخول اي شخص بدون تعقيم كامل الي الحضانة وتنظيف الارضيات وتعقيمها وتعقيم كل الاشياء التي تدخل الي الحضانة وجميع المستلزمات لانه قد يتعرض الأطفال بالحضانات بحكم عدم اكتمال جهازهم المناعي لخطر العدوي وبالتالي إلي انتقال العدوي إليهم ممن يعملون علي رعايتهم أو من جو الحضانة نفسه او من عدم نظافة الحضانة خاصة في المستشفيات الحكومية التي تعاني من طول قوائم الانتظار وكثرة الاعداد الغفيرة الموجودة في انتظار ادخال اطفالهم بالحضانة فتكون النتيجة عدم مراعاة الاجراءات الاحترازية والوقائية من التعقيم وغيره فتنتقل العدوي بين الاطفال وينبغي أن تعتمد خطط مكافحة العدوي علي المبدأ الذي يعتبر الطفل حديث الولادة مصدراً محتملاً للميكروبات ومستقبلاً لها في آن واحد وعادة ما يتعرض الأطفال حديثو الولادة للعدوي بالأمراض التي تتم الإصابة بها خلال مرحلة الرعاية الصحية وتكون أغلب أنواع العدوي المنقولة عن طريق الدم في وحدة العناية المركزة للأطفال وقد كشفت دراسة حديثة أن أكثر من نصف الحالات المصابة بالعدوي المصاحبة للرعاية الصحية داخل الحضانات فيما تم فحصه من وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة كانت من نوع العدوي الميكروبية للدم التي تنتقل عبر (القساطر) الوريدية تليها حالات الإصابة بالعدوي عن طريق المجري التنفسي السفلي بنسبة (12.9٪) ثم حالات عدوي الأنف والأذن والحنجرة بنسبة (8.6٪) وحالات عدوي الجهاز البولي بنسبة (8.6٪) أيضاً وان هناك عاملين أساسيين يؤثران في معدل الإصابة بالعدوي المصاحبة للرعاية الصحية في وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة وهما نسبة الأطفال الذين تقل أوزانهم كثيراً عن الوزن الطبيعي و معدل استخدام الأدوات التي تخترق الجسم. رحلة عذاب أما من جانب المواطنين وتجاربهم فتقول سامية عبد السلام موظفة انها تعرضت لمأساة انسانية اثناء ولادتها حيث ان مولودها كان يعاني من نقص ملحوظ في الوزن الامر الذي كان يتطلب دخوله الحضانة ولكنها عانت اشد المعاناة في ان تجد حضانة تضع فيها الطفل خاصة وان المستشفي الذي وضعت فيه لم يكن به مكان خال داخل الحضانة فاضطرت الي البحث عن حضانة بأحد المستشفيات الاخري ولكن بلا فائدة ورغم ان ظروفها الاقتصادية صعبة الا انها هرولت الي مستشفي خاص لتنقذ حياة طفلها وبالفعل مكث الطفل داخل الحضانة 7 ايام وتم وضعه علي جهاز تنفس صناعي وكانت التكلفة مرتفعة جدا حيث تم دفع 1500 جنيه عن كل يوم داخل الحضانة. ويشير عادل علي مدرس ان طفله الأول توفي بسبب عدم قدرته علي دفع مبلغ 3 الاف جنيه كتأمين دخوله الحضانة بأحد المستشفيات الاستثمارية خاصة وان المستشفي الذي تمت فيه الولادة لم يكن بها حضانة خالية كما لم يكن به ممرضات لديهن خبرة في التعامل مع الأطفال ناقصي النمو، فتوفي المولود ، قبل أن يتمكن من توفير المبلغ المطلوب خاصة وان الطفل كان يحتاج ان يظل بالحضانة 15 يوما وطلبت ادراة المستشفي منه ان يدفع هذا المبلغ قبل دخول الطفل الي المستشفي. ويستطرد محمد سعيد محاسب قائلا ان مصير الاطفال الرضع صار شبحا يواجه آلاف الآباء، بعد أن تحول بحث الاب عن حضانة خالية في مستشفي إلي هدف يومي، قبل أن يتسبب عدم إيجاد حضانة في مضاعفات واختلالات صحية تؤدي إلي الوفاة بعد الولادة بعد ساعات، بعد أن رفعت المستشفيات لافتة " لا توجد حضانات خالية " واصبحت المستشفيات تعاني نقص الإمكانيات وندرة الكفاءة البشرية من الأطباء وهيئة التمريض الذين يجيدون التعامل مع الاطفال المبتسرين فالحضانات الحكومية »غير مضمونة« والخاصة مرتفعة التكاليف فنسبة كبيرة من الأطفال حديثي الولادة يكونون ناقصي النمو لحظة ولادتهم من نقص الوزن والأكسجين، وعدم توفير المكان المناسب للرعاية يؤدي إلي وفاتهم.