كشفت أزمة وفاة الأطفال حديثى الولادة داخل الحضّانات عن كارثة كبيرة تهدد حياة آلاف الأطفال سنويا بسبب نقص الحضانات وإن وجدت فهناك نقص فى الإمكانات وعدد الممرضات ونقص آخر فى الكفاءات، وتبدو المشكلة أكثر تعقيدا خاصة إذا عرفنا أن 10% من الأطفال حديثى الولادة يحتاجون إلى حضّانات وقد تصل النسبة إلى 200 ألف طفل سنويا يحتاجون إلى أياد مدربة للتعامل معهم وبسبب هذا النقص توفى 8 أطفال خلال شهر ونصف الشهر فى مستشفى واحد بالجيزة لعدم وجود طبيب استشارى متخصص فى الحضّانات. تبين أن القائمين على العمل فى هذا القسم أطباء غير مسموح لهم بالعمل فى هذا التخصص وقد سبق هذا الحادث وفاة 6 أطفال فى مستشفى آخر ووفاة 4 أطفال فى مستشفى بالقاهرة. وعندما تحاول التعرف على حجم الكارثة عن قرب فيجب أن تعرفها من أصحابها «الأباء والأمهات» الذين يتجرعون الذل وهم يطوفون على المستشفيات فى محاولة قد تكون أحيانا يائسة قبل موت أطفالهم. معاناة الآباء إحدى الأمهات بمحافظة الإسماعيلية أنجبت أربعة أطفال توائم وكانوا يحتاجون إلى حضّانات ونظرا للعجز الشديد الموجود تم توزيع الأطفال على أربع حضّانات فى 4 محافظات. وتقول أسماء محمد إحدى الأمهات: عندما أنجبت طفلتى «جنا» قالوا لى لابد من وضعها فى حضانة ولا يوجد مكان خال فى المستشفى فبدأ زوجى رحلة البحث الشاقة لإيجاد محضن خال. وفى النهاية دفعنا مبالغ طائلة فى أحد المستشفيات الخاصة حيث إنه كان من المفترض أن تظل الطفلة فى الحضانة لمدة شهر وكان اليوم الواحد يتكلف 1500 جنيه فمن يستطيع أن يدفع مثل هذا المبلغ لذلك استمر زوجى فى البحث وانتظرنا حتى تم إخلاء مكان فى أحد المستشفيات الحكومية. ويقول محمد إسماعيل من السويس: إنه عندما انجبت زوجته ابنته «آية» اكتشف أنها تعانى من مياه زائدة على المخ وكانت تحتاج إلى إجراء عملية جراحية كبيرة وهذا يتطلب أيضا وضعها فى الحضّانة لفترة طويلة قبل وبعد العملية ولأن ابنته خاضعة لنظام التأمين الصحى تم وضع ابنته من مستشفى تابع للتأمين وتم البحث عن مستشفى فى القاهرة يكون قادراً على إجراء مثل هذه العملية الصعبة وبالفعل وجدنا المستشفى ولكن لم نجد حضّانة خالية فى أى مستشفى بالقاهرة واستمر هذا الوضع لمدة شهرين لا نستطيع الحصول على حضّانة حتى توفيت ابنتى آية. وتضيف عائشة إبراهيم التى أنجبت طفلا ونتيجة لإصابتها ببعض مشاكل أثناء الحمل تأثر الطفل ووضعته ببعض العيوب الخلقية والتى تستدعى بقاءه فى الحضّانة لمدة طويلة إلا أنها فوجئت بأن المستشفى الذى أنجبت فيه يطلب منها دفع 1000 جنيه فى اليوم الواحد. لوضع ابنها فى الحضّانة ولأنها غير قادرة على دفع هذا المبلغ حيث إن ابنها يحتاج البقاء لفترة طويلة فى الحضّانة وبالتالى بدأت فى البحث عن طريق الوساطة لكى تستطيع الحصول على حضّانة من مستشفى حكومى ولكنها فشلت واضطررنا لبقاء ابننا فى الحضّانة الخاصة حتى انقفنا مبالغ باهظة وذلك لأن المستشفيات الحكومية تقول إنه لا يوجد لديها حضّانات خالية وعن وجود حضّانة سوف يتم إبلاغهم فهل ينتظر طفل فى هذه الحالة حتى يخلو له مكان فى حضانة وإن لم يقدر أهله على دفع مصاريف المستشفى الخاص نتركه حتى يموت. توعية ومتابعة يقول الدكتور نادر الجناينى أستاذ طب الأطفال حديثى الولادة: إن نسبة الأطفال المبتسرين زادت من الأعوام الماضية وذلك بسبب الأمراض المزمنة والوراثية مثل أمراض القلب والسكر ولأن مريضة السكر الحامل غالبا ما يولد ابنها بسكر سواء بنسبة عالية أو منخفضة بالدم وذلك بسبب سوء التغذية. مشيرا إلى تناول بعض الأدوية المنشطة التى تباع بالصيدليات بدون استشارة الطبيب والتى أدت إلى ولادة التوأم والتى تجعل الطفل عرضة لعدم اكتمال أجهزته كما تؤدى إلى نقص وزن الطفل حديث الولادة وتسبب أيضا إصابة المولود بالضعف العام. لذلك أكد الجناينى على ضرورة توعية الحوامل منذ بداية الحمل وضرورة متابعة الأمهات أثناء الحمل مع الأطباء المتخصصين لأن ذلك يقلل من المخاطر واحتياج الطفل للحضّانة. ويضيف الجناينى أنه مع هذا التزايد يوجد عجز فى الحضّانات هذا بالإضافة إلى نقص التمريض فى المستشفيات الحكومية وذلك بسبب ضعف رواتبهم هذا على عكس المستشفيات الخاصة الاستثمارية التى تجذب فريق التمريض إليها. نقص الحضانات ويضيف الدكتور سامى الشيمى أستاذ الأطفال حديثى الولادة جامعة عين شمس أن 10% أى حوالى 200 ألف طفل سنويا يحتاجون حضّانات مقارنة بعدد الحضّانات الموجودة من مصر والذى يتراوح ما بين 5 إلى 8 آلاف حضّانة فقط. وبالتالى فإن نسبة العجز كبيرة فى عدد الحضّانات. مشيرا إلى أن المستشفى يحتوى على أربعين حضّانة وأنه خلال شهر تقريبا تصل إلى 60 حضّانة إلا أن العدد ما زال غير كاف. وتطرق الشيمى إلى تكلفة الحضانة الواحدة والتى قد تصل إلى نصف مليون جنيه وتلك تكلفة الصندوق الزجاجى بأجهزته التكميلية من أجهزة تنفس صناعى والذى يصل سعر جهاز الصناعى الواحد إلى ربع مليون جنيه هذا بالإضافة إلى أجهزة المحاليل وأجهزة الغازات الطبية التى تستخدم لمساعدة هؤلاء الأطفال فى الحصول على صحة جيدة وتوفير الأمان الكامل ومنع حدوث أى مضاعفات وذلك لأنهم يعانون من ولادة مبكرة أو نقص تكوين بعض الأجهزة فى أجسامهم. وأكد الشيمى أنه فى أغلب الأحيان تملأ كل الحضانات الموجودة بالمستشفى ويتم تحويل بعض الحالات البسيطة التى تعانى من نقص فى النمو أو الصفراء إلى مستشفيات أخرى، أما الحالات المعقدة والتى تحتاج لإجراء عمليات كبيرة فى القلب أو المخ أو الصدر أو البطن نتيجة للعيوب الخلقية التى ولدت بها هذه الحالات تبقى فى المستشفى وتعطى لها الأولوية فى الحجز. وأكد الشيمى أن متوسط الإنفاق على حضانة لطفل واحد يكلف المستشفى ألف جنيه يوميا يتحمل منها التأمين الصحى 100 جنيه فقط والمستشفى أو الدولة تتحمل الباقى وهو يمثل عبئا كبيرا على المستشفى. وأشار الشيمى إلى مشكلة أخرى وهى مشكلة التمريض مؤكدا أن عجز التمريض أكبر من العجز الموجود فى الحضّانات مؤكدا أن التمريض يمثل مشكلة كبيرة فى هذا التخصص الصعب والذى يحتاج لإمكانات وخبرة كبيرة للتعامل مع بعض الأطفال الذين يقل وزنهم عن 400 جرام «أطفال تحت الكيلو» مؤكدا أنه لابد من وجود ممرضة لكل حضّانتين ولكن ما يحدث هو أنه فى أحسن الأماكن توجد ممرضة واحدة لكل خمس حضّانات. وأكد على ضرورة وجود تعاون بين وزارة الصحة والجامعات للتشجيع على الالتحاق بهذه الكليات، وطالب أيضا بوجود تعويض مادى يتم إعطاؤه للممرضات لتعويضهن عن الجهد المبذول والجلوس فى المستشفيات لفترات طويلة. وتطرق الشيمى أيضا إلى مشكلة أخرى وهى أن الأطباء يحتاجون إلى تدريب مستمر وذلك للقدرة على التعامل مع هؤلاء الأطفال. وعن زيادة أعداد وفيات الأطفال حديثى الولادة يقول الشيمى: إن نسبة الوفيات تتوقف على حسب وزن الطفل وعمره الرحمى مؤكدا أنهم لا يهتمون بوفاة الأطفال حديثى الولادة وذلك لأن الوفاة أفضل من أن يحيا بمضاعفات نتيجة الإهمال أو عدم الدقة فى علاجه والتى قد تصيبه بإعاقة حركية أو ذهنية وبالتالى الوفاة تكون أكثر رحمة له ولأسرته مؤكدا أنه توجد نسبة الإعاقة لأطفال الحضّانات وتتوقف على درجة إصابة الطفل فإذا كانت إصابته ضعيفة فنسبة الإعاقة تكون 10% وإذا كانت حالته متوسطة فنسبة الإعاقة تتراوح ما بين 40 إلى 50% ولكن إذا كانت حالته صعبة فإن نسبة إصابته بالإعاقة تتراوح ما بين 70 ل 75% وبالتالى فهو أكثر عرضة للإصابة بالإعاقة. ويؤكد الدكتور ماجد حيدر مدير مستشفى أطفال مصر إنه يوجد عجز كبير فى الحضّانات وذلك لأنه توجد الآن معايير للجودة يشترط وجود تكييف مركزى بالمكان وأيضا ضرورة استخدام أحدث الأجهزة المستخدمة فى هذا المجال. وبالتالى فإن التكلفة تكون عالية جدا ولا يستطيع أحد عليها. وأشار حيدر إلى أنه يتم الآن تجهيز قسم خاص به 40 حضّانة خاصة للأطفال المبتسرين لاستيعاب عدد كبير من الأطفال مؤكدا أن هذا القسم سيتم تشغيله خلال الأشهر القليلة المقبلة. مستشفى الجلاء يؤكد الدكتور عبد العزيز الشويرى مدير مستشفى الجلاء للولادة أن اعداد الحضانات الموجودة أقل من الأعداد المطلوبة وذلك لأن الدولة إمكاناتها المادية بسيطة وتكلفة الحضّانات عالية جدا ويضيف الشويرى أن المستشفى يأتى له تحويلات من جميع أنحاء الجمهورية وبالتالى فالضغوط كبيرة جدا على المستشفى. وعن النسبة التى تم إعلانها من خلال إدارة الجودة بوزارة الصحة يؤكد الشويرى أنها نسبة معقولة وذلك لأن المستشفى يستقبل الحالات الصعبة والمعقدة والتى تكون أقل من كيلو وبالتالى فإن نسبة الوفاة تكون عالية جدا فى هذه الحالات. كما أشار الشويرى إلى ضرورة وجود إمكانات بشرية كافية من تمريض وأطباء مدربين. وينفى الدكتور بهاء أبوزيد مدير معهد ناصر ما نشر عن الإحصاءات الصادرة عن إدارة الجودة والتى تقول إن 37.5% نسبة وفاة الأطفال فى الحضانات مؤكدا أن هذه النسبة غير صحيحة ويؤكد أن المستشفى به 10 حضّانات فقط، وبالتالى تأتى إليها حالات من خارج المستشفى وذلك لأن المستشفى يستقبل الحالات الصعبة والمعقدة والتى تحتاج لعمليات جراحية. ويقول الدكتور عبد الرحمن شاهين المتحدث الرسمى لوزارة الصحة إن الدكتور حاتم الجبلى كلف القائمين على القطاع العلاجى بإعداد دراسة تفصيلية موثقة باحتياجات مصر الفعلية من وحدات الأطفال المبتسرين مؤكدا أن الرعاية المركزية للأطفال المبتسرين صعبة وتحتاج إلى ممرضات متخصصات أصحاب مهارة عالية جدا للتعامل مع هذه الحالات المعقدة. ويؤكد شاهين على عدم وجود تمريض لديه هذه المهارة وعلى أنه لا يوجد أى مؤشر يقول إن نسبة وفاة أطفال الحضّانات فى مصر مرتفعة عن المعدلات العالية أو المتعارف عليها ويقول إن هذه الحالات تكون طبيا معقدة وتحتاج إلى يقظة مستمرة وذلك لأن الطفل غير مكتمل ومن ناحية ممكن أن تحدث له مشكلة وبالتالى يحتاج لرعاية خاصة ومستمرة طوال الوقت.