تسونامي يضرب جزر الكوريل الروسية وهوكايدو اليابانية بعد زلزال قوته 8ر8 درجة    سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 30-7-2025 مع بداية التعاملات    ترامب: يتم إرسال العديد من الأموال إلى قطاع غزة وحماس تقوم بسرقتها    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    عمر فاروق: وعي الشعب المصري خط الدفاع الأول ضد مؤامرات «الإرهابية»    الغمري: «الإخوان الإرهابية» تزور التاريخ.. وتحاول تشويه موقف مصر الداعم لفلسطين    الحكومة تواصل إنقاذ نهر النيل: إزالة 87 ألف حالة تعدٍ منذ 2015 وحتى الآن    مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية    غرق طفل بترعة في مركز سوهاج.. والإنقاذ النهري ينتشل الجثة    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الإعلامى حسام الغمرى: جماعة الإخوان تحاول تشويه موقف مصر الشريف تجاه فلسطين.. فيديو    محمد محسن يحتفل بعيد ميلاد زوجته هبة مجدي برسالة رومانسية (صور)    لهذا السبب... لطفي لبيب يتصدر تريند جوجل    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    ترامب يهدد بفرض عقوبات ثانوية ويمنح روسيا 10 أيام للتوصل لاتفاق مع أوكرانيا    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول ضد يوكوهاما والموعد والمعلق.. موقف محمد صلاح    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    «التموين»: لا صحة لعدم صرف الخبز المدعم لأصحاب معاش تكافل وكرامة    بكابلات جديدة.. قرب الانتهاء من تغذية محطة جزيرة الذهب أسفل كوبري العمرانية    من المهم توخي الحذر في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 30 يوليو    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    مطران دشنا يترأس صلوات رفع بخور عشية بكنيسة الشهيد العظيم أبو سيفين (صور)    وكيله ل في الجول: أحمد ربيع لم يفقد الأمل بانتقاله للزمالك.. وجون إدوارد أصر عليه منذ يومه الأول    الخارجية الأردنية ترحب بعزم بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية    وزير الخارجية يتوجه إلى واشنطن في زيارة ثنائية    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    استعدادًا للموسم الجديد.. نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. موعد الانطلاق والمؤشرات الأولية المتوقعة للقبول    رسميًا بعد الانخفاض الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    بدأت بصداع وتحولت إلى شلل كامل.. سكتة دماغية تصيب رجلًا ب«متلازمة الحبس»    طريقة عمل سلطة الطحينة للمشاوي، وصفة سريعة ولذيذة في دقائق    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
شجون ليبية
نشر في الأخبار يوم 10 - 01 - 2012

بعد سنوات طويلة في أهم المواقع السياسية، بعد بداية الثورة بأيام اتخذ قراره، وألقي عبدالرحمن شلقم خطابه المؤثر في مجلس الامن، وانضم الي الثوار، الي جيل جديد لا يعرف الخوف..
علي مقربة من مبني الأمم المتحدة أحد معالم مدينة نيويورك يقع بناء مرتفع، يتجاوز عدد أدواره الثلاثين، إنه مقر البعثة الدائمة للشقيقة ليبيا، الآن يرفرف فوقه علم الثورة، تغير الوضع، المبني قائم بجميع عناصره، غير أن المضمون تبدل، هذه المرة يتم لقائي بالصديق القديم الشاعر الدبلوماسي رجل الدولة عبدالرحمن شلقم في مكتبه أصبح من معالم الثورة، وأحد الوجوه المرتبطة بها، ومن أهم الذين قاموا ومازالوا بأدوار حاسمة.
فوجئ العالم به بعد نشوب الثورة في بني غازي بأيام يلقي خطابا مؤثرا امام مجلس الامن قطعة أدبية رفيعة تفيض بالألم والمعاناة، كنت اتابع الخطاب عبر التليفزيون مباشرة، رأيت دموعه تنسال فوق أخاديد وجهه الطيب، أصغيت بعمق إلي قوله: »من أسف أن أكون في هذا الموقف، أول مرة سمعت فيها معمر القذافي يخطب كانت في مدرسة ثانوية، في الجنوب سنة9591، كان يقول: أريد الحرية للكونغو، وسمعته سنة 1691 يتكلم احتجاجا علي تجارب القنابل الذرية الفرنسية في الجزائر، وفي سنة 1691 ضد الانفصال بين سوريا ومصر، وها أنا أسمعه اليوم يقول لشعبه، إما أن أحكمكم أو أقتلكم وأدمركم«.
أنهي خطابه باعلانه التخلي عن منصبه كسفير لبلاده الي الامم المتحدة، وفارق المنصة دامعا بين دهشة المحيطين به وقد أدركتهم المفاجأة، إلا أنني لم أفاجأ، أشهد أنني خلال لقاءاتي به، خاصة في مكتبه. كان يتطرق إلي الحديث عن الاوضاع في ليبيا، وينتقدها بشدة وقبل الثورة بعام تحدث عن علاقته بالقذافي. وصفه بالمجنون، المختل، وأنه انعزل تماما عن الواقع، أفاض في النقد حتي أنني أشفقت عليه تحسبا لما قد يلحقه من أذي جسيم، معروف أن مقار البعثات الدبلوماسية تكون مزودة بأجهزة تسجيل، إن لم يكن من الدولة صاحبة المقر فربما من جهات أخري، أخشي عليه هو، خاصة أنه روي لي ما ودعه به القذافي عند صدور قرار تعيينه سفيرا في الامم المتحدة »أخشي أن تهرب«.
مسيرة شلقم
منذ ان عرفته في مصر لم يتغير ذلك التعبير الهادئ علي وجهه، ايضا مشاعره تجاه البلد الذي تعلم فيه، تخرج من قسم الصحافة، كلية آداب القاهرة، عام واحد وسبعين، الا أنه كان معروفاً، مألوفاً في الأوساط الثقافية، الندوات الشعرية، المقاهي التي يلتقي فيها المثقفون خاصة مقهي »ريش« الذي كانت تعقد فيه ندوة نجيب محفوظ وفيه تعرفت به، كان المقهي نقطة لقاء لكل من يجييء إلي القاهرة، ليس من العالم العربي، إنما من بلدان أجنبية، كثيرون عبروا، بعضهم أصبح مسئولاً كبيراً في بلده، منهم الذي أصبح رئيساً ثم قتل أو أعدم، ومنهم من ذهب إلي النسيان، تخرج عبدالرحمن في آداب القاهرة، وعاد إلي بلاده ليعمل محرراً في جريدة الفجر الجديد، ثم تدرج في المواقع الإعلامية، أصبح مقرباً من القذافي لتمكنه من حفظ الشعر العربي القديم، كان القذافي يفضل شعر الفخر، يحفظ بعضاً من أبيات معلقة عمرو بن كلثوم التي يقول فيها:
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً
تخر الجبابر ساجدينا
تقلبت به الأحوال حتي أصبح سفيراً في إيطاليا وقضي في منصبه عشر سنوات ونصف السنة.. وفي مارس 9991 أصبح وزيراً للخارجية، وخلال تردده علي القاهرة كان حريصاً علي لقاء معارفه القدامي، خاصة من المثقفين، وخلال هذه الفترة لم أره إلا في جمع، في عام 9002 أصبح سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة حتي إعلانه موقفه من النظام وإلقاء خطابه الذي أبكي كل من شاهده.
الانحياز إلي الثورة
سألته عن الظروف التي اتخذ فيها موقفه بالانحياز إلي الثورة، خاصة أنها كانت ماتزال في بدايتها، واحتمال نجاحها كان ضعيفاً، كان ابنه محمد أحد ثلاثة في ليبيا، كذلك بيته الذي يطل علي البحر في طرابلس وفيه ثروته الحقيقية، مكتبته تضم ثلاثة وعشرين ألفاً وثمانمائة وثمانية عشر كتاباً ومخطوطاً نادراً، إضافة إلي تسجيلات موسيقية نادرة، يعتز بامتلاكه عود الموسيقار رياض السنباطي، والعود الذي عزف عليه سيد درويش عند زيارته إلي حلب، عبدالرحمن عازف عود قدير.
قال لي إن محمد ابنه كان همه، اختفي في الجنوب عند قبيلة والده، انقطع الاتصال بينهما .و قد رصد القذافي مكافأة قدرها مليون دولار لمن يأتي بمحمد حيا أو ميتا، ثم اقتحام البيت في طرابلس، ونهب المكتبة، والمقتنيات، حتي النوافذ خلعت، اما الكلب الذي كان مقيما مع خادم فقتلوه، أتوا ببعض أقاربه، ظهروا في التليفزيون وأدانوه، يتحدث مطولا عن علاقته بمكتبته، يقول إنه يشعر براحة لتخلصه من شيء عزيز جدا عليه كان يعول همه دائما.
إنني أعرف معني الارتباط بالمكتبة، خاصة اذا كانت متكونة عبر عمر كامل، المكتبة ومكوناتها جزء من تكويني النفسي واستقراري الوجداني، بل إنني لا أستطيع كتابة أعمالي الادبية بعيدا عنها. وجود كل كتاب في مكانه يثير عندي الطمأنينة، والأمان، في كتاب لتراجم الصوفية يذكر الشيخ ابن الملقن سطورا عن حياة احد كبار الصوفية، كان لديه مكتبة يعتز بها كثيرا وحدث أنها احترقت، فقد الرجل عقله، وصار يهيم علي وجهه بعد ان كان من أعقل القوم، أفهم قول شلقم أنه تخلص من حمل كان يوثقه ويجعله خائفا عليه دائما، لكنني أعتقد أنه قال ذلك كعزاء لنفسه، الآن يعثر بعض صحبه علي نسخ من الكتب عند باعة الكتب المستعملة، يأتون بها إليه.
لم يكن نهب المكتبة وتخريب منزله هو ما لحق به فقط من انتقام القذافي، جرت ثلاث محاولات لقتله في تونس، وايطاليا وفي نيويورك، ثم دفع نصف مليون دولار لاثنين روس من آسيا الوسطي لكنهما أفضيا بمهمتهما الي المباحث الامريكية.
لم يفارق عبدالرحمن شلقم مبني البعثة، أعتبره مع رفاقه ارضا محررة وتم رفع علم الثورة الليبية عليه، لم يستطع المندوب الذي عينه القذافي السفر الي نيويورك لعدم حصوله علي تأشيرة، وتفرغ شلقم لدعم الثورة متنقلا بين الاقطار المختلفة، وخلال هذه المرحلة كنت علي اتصال به، تماما كما كنت علي اتصال به أيام الثورة المصرية في يناير، وأذكر آخر مكالمة يوم الخميس الليلة التي ألقي فيها مبارك خطابه الاخيرة، هاتفني من نيويورك وقال انه يتوقع خروج مبارك من السلطة خلال اربع وعشرين ساعة، حدثني عن نهاية القذافي البشعة، هناك تفاصيل لم تتم اذاعتها، لقد تم التمثيل به حياً وميتا، لكن هذا أزعج شلقم وأذكر تصريحه في اليوم التالي الذي ناشد فيه الثوار ألا يلجأوا الي الانتقام لان هذا يجرد الانسان من انسانيته.
ليبيا البعيدة
سألته عن ليبيا الآن، ولماذا تبدو بعيدة عن مصر؟
قال إن الاوضاع في ليبيا ما تزال تحتاج الي وقت لضبط حالة السيولة، غير أنه يري امكانيات هائلة للتعاون، وأكد لي أنه تم تحرير حوالي مائة مليار دولار من أرصدة ليبيا المجمدة في الخارج، وهناك سعي الآن لاسترداد مائتي مليار أخري، أصغيت الي تلك المعلومات بحسرة، حتي الآن لم نسمع عن جهد حقيقي قامت به الحكومات المصرية المتعاقبة من الفريق شفيق الي الجنزوري مرورا بالحكومة الضعيفة التي كانت نكبة علي مصر والمصريين، حكومة عصام شرف، لمدة سنة لم يتضح موقف الاموال المهربة، أو الجهات التي تم تهريبها اليها، وحجم ثروات أسرة الرئيس السابق، خاصة ان كلا من الابنين كانت لهما أعمال ضخمة، في البلاد العربية ليبيا والامارات اما عن العمولات الهائلة في السلاح والمواد الاستراتيجية والمواد الغذائية، خاصة القمح. فما تزال سرا خفيا حتي الآن، استطاعت ليبيا تحرير مائة مليار في أقل من شهرين، ولم نستطع حتي معرفة الارقام التي خرجت من مصر رغم مرور عام، والمسئول عن خروجها، والجهات التي استقرت بها.
الملك إدريس
لاحظت أن عبدالرحمن شلقم يذكر الملك ادريس السنوسي ويتحدث عن بساطته وزهده، جري ذلك خلال لقاءاتنا في السنوات الماضية عندما كان سفيرا للقذافي، وخلال لقائي به بعد تبدل الاحوال عنه ايضا، قال ان النظام التعليمي في عهده كان افضل، كانت جامعة بني غازي من افضل معاهد العلم العربية، درس فيها كبار المفكرين، كان ترتيبها الثاني، الآن السبعة وستين بعد المائة، تدهور التعليم وتدهور كل شيء، كان عنده أمل في إصلاح الاحوال ولكن عبثا.
عندما عزل الملك ادريس السنوسي لجأ الي مصر، في الليلة الاولي لوصوله الي احد قصور الضيافة التي خصصها له الرئيس جمال عبدالناصر لم يكن العشاء جاهزا، وفي اللحظة المناسبة علم عبدالناصر فأرسل العشاء من بيته، صباح اليوم التالي قام الملك بتسليم السفارة الليبية سيارة مرسيدس لانها ملك الدولة، ومبلغ خمسة وعشرين ألف دولار كانت مصروف جيب لديه من أموال الدولة، وعاش في مصر علي الكفاف، في عهده لم يعدم الا شخص واحد وكان ابن عم الملك أعدم قصاصا لانه قتل رئيس الديوان، يقارن شلقم بما جري في سنوات القذافي والتي فقد فيها عشرات الآلاف حيواتهم، خلال ايام الثورة قامت كتائب القذافي باغتصاب اكثر من ستين الف فتاة معظمهن في التاسعة من العمر وحتي الرابعة عشرة، كما اغتصب الاف الرجال وقتل اكثر من مائة ألف، انه الجنون نفسه، ربما يبرر ذلك استعانة الثوار بقوات حلف الناتو التي أوقفت زحف كتائب القذافي التي ارتكبت من الجرائم ما لا يتقبله عقل.
قلت لعبد الرحمن شلقم ان السنوات الطويلة التي امضاها بالقرب من القذافي ما تزال تحتاج الي شرح، الي تفصيل، قال إنه انتهي من ثلاثة كتب، الاول مذكراته حول تسع وثلاثين شخصية من نظام القذافي، عملوا معه وأحاطوا به، اما الاربعين فهو شخصيا ويتحدث فيه بصراحة مطلقة.
الكتاب الثاني يضم يوميات عمله كوزير خارجية والثالث عن شخصية القذافي كما عرفها منذ ان كانا طفلين في الجنوب تربطهما صداقة وانتهت بعد عمر طويل وتحولات جسيمة الي ما انتهت اليه، بعد ثلاث ساعات من الحوار، خرجت الي الشارع الثاني القريب من مبني الامم المتحدة، البرد قارس، استعيد كلماته.. شلقم:
»كان جيلنا يلمؤه الخوف واليأس، ولكن جاء بعده جيل كسر حاجز الخوف ولن يسمح بعودة الدكتاتورية والجنون..«.
السابع من يناير
عندما قلت للشاعر وليم باسيلي، المهاجر إلي أمريكا منذ حوالي أربعين عاما، أننا ذهبنا معا الي المقر البابوي بنيوجرسي للتهنئة بعيد الميلاد منذ عامين، قال مصححا لي: بل منذ ثلاثة أعوام، عندما دققت الذاكرة وجدت أنه علي حق، قلت إنني حريص علي الزيارة وتقديم التهنئة خلال هذا العام، لأول مرة في تاريخ مصر تطلق دعوة علنية من تيار ينتمي إلي الاسلام يطلق فتوي بعدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، هنا في الولايات المتحدة رأيت علي قناة الحياة حوارا في البرنامج الذي يقدمه شريف عامر بين فضيلة المفتي نصر فريد واصل الذي كان يفتي بجواز تهنئة الأخوة في الوطن، وبين المتحدث باسم الحزب السلفي وهو كثير الظهور الآن وشديد الدأب في الاتصال بأجهزة الاعلام مدافعا عن حزبه الذي يطلق علي نفسه ويا للعجب اسم »النور«، مناقشة أفكار هذا الحزب الذي سيكون ممثلا في البرلمان بنسبة لا بأس بها، وتغلغله في الواقع المصري يحتاج إلي مناقشة أطول، ولكن فتواه بعدم جواز تهنئة المسيحيين لم أعرف لها مثيلاً حتي في عصور الانحطاط خلال فترات الضعف بالعصر العثماني أو المملوكي، خلال الطريق الطويل إلي المقر البابوي في مرتفعات نيوجرسي كنت أفكر في أحوال مصر وما يجري لتغيير هوية طبيعة شعبها الآن، وايضا متناقضاتها العجيبة، ثورة تعد فتحاً في التاريخ الانساني يأتي بعدها بشهور حكم ديني يصعد إلي البرلمان بأغلبية ساحقة نتيجة انتخابات لا يمكن التشكيك فيها، نفس الشعب الذي خرج وضحي من أجل التحرر. يختار ممثلين من التيار الديني، وينتخب ممثل الوهابية في مصر، في كتب التاريخ فصول بعنوان »عجائب مصر« وما يجري الآن من متناقضات يدخل في ذلك، في الكنيسة كان الانبا ديفيد يلقي عظة دينية باللغتين العربية والانجليزية، كان بليغا في كل منهما. قادرا علي توصيل الافكار المعقدة بأسلوب بسيط، وفي الصفحة الاولي كان السفير يوسف زاده القنصل المصري ممثلا الدولة مصحوبا بعدد من العاملين في القنصلية وكان عدد من زعماء الجالية الاسلامية في نيويورك في مقدمة المهنئين، الكنيسة المصرية في المهجر مؤسسة وطنية تحفظ هوية المصريين الاقباط وتربطهم بالوطن، وهذا احد الاعمدة الرئيسية للحضور المصري في العالم، لسنا في حاجة الي التذكير بالوحدة الوطنية وضرورة المواطنة المصرية لكل انسان يحمل الجينات المصرية، ولكن ما أشد المسافة بين ما يجب ان يكون وما هو كائن في ظل الصعود الوهابي الذي يهدد الوجود المصري نفسه، لقد علمني والدي وتعلمنا من شيوخنا العظام ان نحب البشر ونحترم عقائدهم. وان نهنئهم في أعيادهم، ولكم تبدو غريبة علينا هذه الدعوة السلفية السافرة بالكره للآخر، وهذا يسيء للدين الاسلامي نفسه ويضع المسلمين في مأزق مع البشرية والعصر، من هنا كان حرصي علي قطع المسافة الطويلة ليلا الي المقر البابوي لتقديم التهنئة الي المصريين الاقباط، إظهارا لمشاعر الاخوة في الوطن .
عزاء أكمل
الاثنين :
منذ الأمس يطالعني ابراهيم اصلان من كل صوب، منذ أن سمعت خبر رحيله أمس من أخي اسماعيل الذي أبلغني به علي الفور، ربما بعد رحيله، بدقائق، منذ الأمس استعيده متمهلا بكل ما يمثله، واسترجع أوقاتنا معا خاصة خلال السفر.
صباح اليوم اتصل بي أكمل الدين احسان أوغلو أمين منظمة المؤتمر الاسلامي من عمان، قال إنه لم يتعرف بعد الي وزير الثقافة الجديد، وإنه يريد أبلاغ مشاعره الحزينة الي المثقفين المصريين بفقد ابراهيم اصلان، قال إنه يتصل بي للإعراب عن حزنه، خاصة أنه التقي بنا الشهر الماضي في استانبول خلال معرض الكتاب الذي شاركت فيه مصر لأول مرة، سألني عما جري، عن الازمة الصحية التي تعرض لها ابراهيم، كان حريصا علي الالمام بالتفاصيل، قال إنه يعرف ابراهيم كاتبا متميزا منذ الستينيات، أثناء تردده علي يحيي حقي في مقر تحرير مجلة »المجلة« بشارع عبدالخالق ثروت، وايضا في جريدة المساء التي كان يتردد علي الاديب الفنان عبدالفتاح الجمل محررها الثقافي، وفي الملحق الذي قدم كل أدباء الستينيات نشر أكمل أول قصصه وتعرف علي الادباء المصريين وقد كان واحدا منهم، كان والده أحد أعمدة دار الكتب، توفي ودفن في مصر، وأتم أكمل تعليمه في مصر قبل سفره الي تركيا ليتولي مسئوليات عديدة أهمها مركز الدراسات الاسلامية للعلوم والفنون »آرسكا« وقد خصصت له الدولة التركية قصرا شهيرا من قصور السلاطين العثمانيين »دولما باشا« المطل علي البوسفور، صحبنا الدكتور أكمل ليلا في زيارة خاصة الي المركز بصحبة الوزير السابق بدر الدين ابوغازي، وابراهيم اصلان أطلعنا علي المكتبة الجديدة التي أقيمت في المخزن الذي كان مخصصا للسلاح (السلاحليك) وكان ابراهيم يعبر بطريقته عن إعجابه بما يري وما يعرف.
شوف يا أخي..
أمضينا ليلة بصحبة الدكتور أكمل، والدكتور صالح السعداوي، وكبار العاملين في المركز قال لي الصديق العزيز، القديم أكمل عبر الهاتف إنه قارئ محب لاعمال ابراهيم، وأنه كان سعيدا بلقائه ودعوته الي المركز، لم يكن يعرف ان النهاية قريبة، كان ابراهيم يبدو في حيوية، متألقا بحضوره وتعليقاته الثاقبة.
قلت للدكتور أكمل، هكذا كان دائما..
قال حزينا من فضلك أبلغ للكل عزائي..
قلت إنني سأبلغ المثقفين وقراء الأخبار ومن قبل ومن بعد أسرة الفقيد.
من متون الاهرام
يا من تصعدون بين النجوم غير الفانية
لن تفنوا أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.