فاتورة الزحام في مصر مكلفة للغاية فلا تقتصر سلبياته علي تأثيراته النفسية والصحية بفقدان الاعصاب والتوتر والاحساس "بالخنقة " بل تزداد وتتسع الي خسائر مالية واقتصادية فادحة .. وهو ما كشفته دراسةٌ حديثة أجرتها وزارة النقل اكدت أن الاقتصاد المصري يتحمل خسائر سنوية تبلغ 400 مليون دولار لفقد الوقت نتيجة الزحام المروري، وزيادة تكاليف تشغيل المركبات أثناء السير في الشارع المصري. وأكدت الدراسة ضرورة البدء في تنفيذ مشروع الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة الكبري من منطقة (إمبابة) إلي مطار القاهرة شرقًا بطول 2ر34 كيلو متر مارًا بمناطق (الزمالك والعتبة وباب الشعرية والعباسية ومحور العروبة ومصر الجديدة). وشددت الدراسة علي أهمية تنفيذ الخط الثالث بعد أن وصل تعداد سكان العاصمة المصرية وحدها نحو 14 مليون نسمة. ومن المتوقع أن يصل تعداد سكان القاهرة فقط إلي 20 مليون نسمة عام 2022مما يشكل عبئًا كبيرًا علي النُّظم المختلفة للبنية الأساسية بصورة عامة، والنقل الحضري بصورة أساسية. وبنظرة اقتصادية بحتة وبلغة عالم البيزنس نجد ان للزحام تأثيرا شديدا علي الاقتصاد ويتسبب في خسائر فادحة للقطاعين العام والخاص فعلي صعيد القطاع الخاص - أفراداً وشركات - لا يستطيع المواطن أن يذهب إلي أكثر من مكان في النهار؛ لأنه سيواجه صعوبة في التخلص من الازدحام، بل قد يجد نفسه في مأزق التأخير وخصوصا في بعض المناطق التي تعد رئيسية ومهمة وفيها حركة عمل، وهذا يؤثر علي المواطن ودخله وحياته الاقتصادية لاسيما الذين يعملون في السوق وفي البيع والشراء؛ لأن التنقل في الازدحام يحد من حركته ويؤخر انتقاله لبيع المواد ويقلل ساعات عمله مما ينعكس سلبا علي إنتاجيته. إضافة إلي أن أصحاب المحلات أيضا يخسرون بسبب تأخرهم عن الوصول إلي مراكز عملهم مما يؤثر علي حركة البيع والشراء ويقلل من حجم التعاملات بين التجار والزبائن ومندوبي الشركات. كما تؤثر الخسائر التي يتعرض لها أصحاب العمل علي الخطط المستقبلية لتوسع أعمالهم أو إلي تغيير نوعية النشاط الاقتصادي، كما تدفع المستثمرين إلي الإحجام عن تمويل مشروعات اقتصادية في مناطق الازدحام بسبب معرفتهم بإحجام الناس عن الذهاب إلي أماكن تواجد الزحمة كما تؤدي زحمة السير إلي زياد مصاريف الوقود في السيارات والمواصلات العامة بالاضافة الي اهدارها خاصة وانه في اوقات الذروة المسافة التي يمكن للسيارة ان تقطعها في 10 دقائق تقطعها في ساعتين وهو ما يؤدي الي زيادة كلفة استخدام الوقود فضلا عن الاضرار البيئية والصحية . مجدي السعيد الخبير الاقتصادي يؤكد انه إذا لم توجد الحلول الجذرية للحد من استخدام المركبات الخاصة ستتفاقم مشكلة الاختناق المروري مما يؤثر بالسلب علي مستقبل الاستثمار وهدر الوقت بسبب التأخر عن الوصول إلي العمل إضافة إلي تراجع أخلاقيات مستخدمي الطرق وارتفاع معدلات التلوث والإضرار بالبيئة والتأثير علي الحركة السياحية ومعاناة السياح التي يلاقونها اثناء وجودهم في مصر بسبب الزحام مما يخلق صورة ذهنية سيئة علي مصر تؤثر علي الحركة السياحية. ومن أبرز التأثيرات للازدحام علي الاقتصاد تبرز مشكلة تزايد استهلاك الطاقة وما تتسبب به من تلوث بيئي وأثره علي الصعيد الصحي، وبالتالي هناك فاتورة صحية علي المواطن. أما علي صعيد الشركات عموما، تؤدي أزمة السير إلي تأخر الموظفين عن اعمالهم وتقليل ساعات العمل وانخفاض الإنتاجية، وتزداد السلبيات لدي الشركات التي تعمل في مجال صناعة الألبان والأجبان أو المأكولات الطازجة والمبردة التي يجب توصيلها إلي أماكن العرض والمحلات في أوقات معينة. ويشير الخبير الاقتصادي الي ان شركات التأمين هي من أكثر القطاعات تأثرا وتتكبد سنويا خسائر كبيرة من جراء الحوادث اليومية الحاصلة بسبب الاختناقات المرورية وازدياد التكلفة بسبب دفعها تعويضات الحوادث. ويضيف " من أبرز النفقات التي تدفعها الدولة تكلفة صيانة الطرقات وتطوير البني التحتية وإنشاء الجسور والأنفاق والطرقات السريعة الدائرية خصوصا مع التوقعات بأن يزيد عدد السيارات مستقبلا لذا يجب وضع حلول جذرية للازدحام بإنشاء لجنة خاصة خبيرة لتحجيم سلبيات الزحام علي الاقتصاد فشبكة المواصلات في أي دولة تعتبر من العوامل المشجعة للاستثمار بعد القوانين والتشريعات والازدحام المروري سيؤدي إلي مزيد من استنزاف المواطنين علي الصعيدين المادي والمعنوي لذا يجب الانتهاء من المشروعات الحالية بأسرع ما يمكن والانطلاق إلي دراسة مشروعات مستقبلية أخري ملائمة لتوقعات النمو والازدهار؛ لتلافي الوقوع في أزمات سير وازدحام مروري في المرحلة اللاحقة. من جانبه يري الدكتور جهاد صبحي أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن الدولة تخسر يوميًّا ما يفوق 20 مليون جنيه نتيجة عدم حضور الموظفين في أوقاتهم ونتيجة زيادة استهلاك السيارات والبنزين، كما يتكبَّد المواطن من 25٪ إلي 35٪ من راتبه لإنفاقه علي المواصلات من سكنه إلي عمله، حتي إنه يضطر إلي انتظار وسيلة المواصلات لعدم امتلاكه تكلفة أخري لمواصلات أخري غير أتوبيس النقل العام، فضلاً عن ابتزاز السائقين إياه نتيجة غياب الرقابة الحكومية علي السائقين مضيفا ان تكتل الخدمات في القاهرة وتكدس كل المصالح بها وسوء التخطيط في الطرق والكباري؛ يترتب عليه تكلفة اقتصادية باهظة متمثِّلة في الوقت الضائع للمواطن واستهلاك السيارات، وزيادة استهلاك الوقود، وإهدار أوقات العمل في المواصلات. بينما يري د. باهر عتلم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ان القوانين وحدها لا تكفي لحل الازمة المرورية وتخفيف الزحام لأن الشوارع طول الوقت مزدحمة، في ظل عدم وجود مواقف كافية للسيارات، وانخفاض كفاءة البنية الأساسية للطرق والقدرة الاستيعابية لها، وانخفاض حجم التمويل المخصص لصيانة الطرق وإنشائها، فضلا عن انخفاض جودة المواصلات العامة بمختلف أنواعها، وعدم قدرتها علي تلبية احتياجات المواطنين، موضحاً أن التوجه الحكومي بالاعتماد علي وسائل النقل العمومية لا مانع منه، شريطة أن تكون كافية ومريحة ومنتظمة وكثيفة، وهذا غير موجود حتي الآن، مما يفرض حالة من التذمر والزحام المستمر. وأشار الي أن وسائل ترشيد استخدام السيارات في مصر لا تسير في الاتجاه الصحيح، فبدلاً من فرض قانون جديد لن يحل مشاكل الشارع في المستقبل المنظور، كان من الضروري الحد من بيع السيارات بالتقسيط، والحد من استيرادها، لأن الشوارع لا تتحمل هذا الكم المتزايد من السيارات، مع خسائر الزحام الكثيف الذي يكلف خزينة الدولة مليارات الجنيهات سنوياً. ويرصد د.إسماعيل شلبي استاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق عناصر هذه الفاتورة والتي تتضمن تعطيل العامل والموظف عن الوصول الي موقع الانتاج في الوقت المحدد، كما أنه لا يصل بسبب هذا الزحام في لياقة ذهنية وبدنية تسمح له بإنتاج مثال. ومن هذا المستوي الصغير للآثار الاقتصادية لتكلفة الزحام المروري ينتقل د.شلبي الي مستوي أكبر، وهو تسبب الزحام في فشل صفقات اقتصادية. ويشير إلي كثير من الأخبار التي نشرت بالصحف حول تسبب الزحام في ضياع مناقصات من بعض رجال الأعمال. كما ضيع الزحام مناقصات علي رجال الاعمال وضيع - أيضا - علي مصر فرص تنظيم فعاليات عالمية، أقربها كأس العالم 0102، ويقود ذلك د. شلبي الي تأثير الزحام المروري علي السياحة. ويقول: مما لا شك فيه، سيؤثر ذلك علي سمعة السياحة المصرية »لأن السائح جاء ليستمتع لا يعاني. والحل الذي يراه د. شلبي طرح منذ فترة، ولكن لم ينفذ حتي الآن وهو نقل الوزارات خارج القاهرة. الحكومة حسبتها غلط ويتفق د. رشاد عبده استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة مع ما ذهب اليه د. شلبي في رصد لفاتورة التكلفة الاقتصادية للزحام المروري ويقول: للأسف الحكومة حسبتها غلط فمن أجل بضعة جنيهات تدخل مصر فتحت باب استيراد السيارات لتكبد خسائر بالملايين، جراء الزحام الذي حققته هذه السيارات. ووفقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فان عدد السيارات في مصر وصل الي 3 ملايين و023 ألف سيارة، منها مليون و11 ألفا و045 سيارة في القاهرة وحدها، وتتكبد مصر خسائر جراء الزحام المروري الذي تخلفه هذه السيارات تقدر وفق دراسة أجرتها وزارة النقل بالتعاون مع وكالة التعاون الدولي اليابانية »الجايكا«ب 004 مليون دولار سنويا. ورغم هذه الصورة المعتمة التي رسمها د. شلبي وأقرها د. عبده، إلا أن الحل لا يزل ممكنا، ويطرح د. عبده في هذا الاطار ضرورة تفعيل خدمات الحكومة الالكترونية وألا تكون واجهة لمضمون فارغ. ويقول: »أنت تحدثني الآن وأنا أقف في طابور من أجل تجديد رخصة السيارة، وللأسف حاولت استخدام خدمات الحكومة الالكترونية ففوجئت برسالة الموقع مغلق للتحسينات«. ويتساءل د. عبده مبتسما: »ياتري هو محل كشري عشان يغلق للتحسينات«. كما يطالب د. عبده بقرار جرئ يحيل السيارات القديمة التي تسير في شوارع القاهرة الي التقاعد لأنها إحدي الأسباب الرئيسية لأزمة الزحام المروري في مصر. فالكباري الرئيسية في مصر مصممة للأسف - لكي تستوعب سيارتين فقط، ومن ثم فان أي عطل بسيارة قديمة علي احد جانبي الكبري يؤدي الي شلل في حركة المرور. ويقول د. عبده: »ليس هناك دليل أوضح من الكوارث التي تحدث علي كوبري أكتوبر بسبب هذه السيارات«.