تغيير ..حرية..عدالة إجتماعية..هذا هو أول شعار إنطلق بصورة عفوية وتلقائية من افواه الجماهير القليلة التي بدأت تتجمع علي سلم دار القضاء العالي بداية من الساعة 12 ظهر يوم 25 يناير 2011.. وهو التجمع الذي سرعان ما تحول الي حشود هادرة في المكان وفي أماكن اخري بالقاهرة الكبري قبل أن ينتشر المد الثوري الي عواصم الاقاليم. وفيما بعد ، وربما في نفس اليوم ، تم في مظاهرات اخري بالقاهرة الكبري تعديل شعار الثورة جزئيا حيث استبدلت كلمة عيش أو كرامة بكلمة تغيير ..هذا توضيح جوهري ومهم حرصتُ علي الإنطلاق منه لتأصيل وتحقيق لحظة الميلاد الاولي للزلزال الذي هز الكون ووصفه زعماء عالميون بارزون بأنه الثورة الشعبية الاكبر والاجمل والاروع في تاريخ البشرية..وتعمدتُ التركيز علي ضلع التغيير في مثلث هذا الشعار العبقري لأنني اعتقد ، ربما جازما ، بأن التغيير المنشود الذي حلم به الثوار ، وخاصة شهداء ومصابي الثورة الابرار والاطهار ، لم يحدث بعد ..بل لا أخالُ نفسي مبالغا لو قلتُ إن نظام حسني مبارك لا يزال قائما كما هو ،و"بحطة يده " كما يقولون، وإن كل ما فعله مَن إئتمنهم الشعب علي الثورة أنهم ضحوا بالرأس فقط لكي يعيش النظام ويبقي من دون رأس!!..وهنا يجب أن نؤكد أن الثورة لم تكتمل بعد ، وأن علي الثوار الحقيقيين أن يظلوا علي العهد باقين ومحافظين لأن الثورة التي إنفجرت موجتها الاولي في 25 يناير ، وموجتها الثانية في 19 نوفمبر، ربما تحتاج الي اكثر من موجة اخري ، نتعشم ألا تكون أكثر دموية ، لتحقيق أهدافها كاملة..في التغيير والحرية والعدالة الإجتماعية.. تساءل صديقي مستنكرا عندما علم أنني في طريقي الي ميدان التحرير في الاسبوع الماضي " انتم عايزين إيه ..مش الانتخابات خلاص بدأت والتغيير هيحصل عن طريق الديمقراطية"؟!..فأجبته بأن التغيير الجذري الذي ينبغي أن تحققه ثورة شعبية بحجم وعظمة 25 يناير لم يحدث بعد..بل إن المجزرة البشعة التي وقعت في الميدان يوم 19 نوفمبر وامتدت في الايام التالية الي شارع محمد محمود ،أكدت بما لا يدع مجالا لأدني شك أن جلادي حبيب العادلي وسفاحيه لا يزالون في مواقعهم بمقر وزارة الداخلية في لاظوغلي ، وأنهم أكثر إصرارا من ذي قبل لشن حرب إبادة ضد الثوار وتصفية نور عيونهم بلا رحمة ثم محاولة تشويههم وإغتيالهم مرة اخري بالإدعاء كذبا أنهم مجموعة من "البلطجية" كانوا يستهدفون مهاجمة وزارة الداخلية وأن الضباط " الابرياء" كانوا يدافعون عن أنفسهم ووزارتهم !!..لم يُصدق "عبيد" السُلطة ، الذين ادمنوا الانبطاح تحت أقدام أي حكومة ولعق حذائها وتصديق كل أكاذيبها ، ما حاولنا مرارا شرحه بالقول إن هؤلاء الشباب كانوا يفتدون بأرواحهم البريئة الغضة الميدان ومَن فيه حيث كانوا يزحفون الي مواقع متقدمة في شارع محمد محمود ، الذي اطلق عليه الثوار فيما بعد شارع عيون الحرية تخليدا للموجة الثانية من شهداء الثورة الاحياء الذين فقدوا نور عيونهم من أجل أن يبصر الوطن طريقه الي المستقبل بصورة أفضل وأكثر وضوحا، لكي يقيموا حواجز تمنع رماة قنابل الغاز القاتل من الإقتراب من الميدان ..ولولا هذه التضحية الغالية لشهد الميدان حرب إبادة لم يسبق لها مثيل.. هذا عن التغيير ، وهو الضلع الاول من شعار الثورة ، الذي لم يحدث لا في السياسات ولا في الاشخاص ولا في أجهزة الدولة التي لا يزال يسيطر عليها فلول النظام البائد الذين سمحت لهم لجنة احزاب ما بعد الثورة بالتواجد الشرعي من خلال بضعة أحزاب مستنسخة من الحزب الوطني المنحل ، في أفظع خيانة لدم شهداء الثورة..وحتي قانون العزل السياسي الذي صدر بعد ثمن باهظ من دماء كتيبة جديدة من الشهداء لا يزال حبرا علي ورق حيث يستعد العديد من رجال حزب مبارك لدخول البرلمان والحصول علي الحصانة في خذلان مبين آخر لأرواح الشهداء وتضحيات مصابي الثورة..أما عن الضلع الثاني وهو الحرية فيكفي القول إن العشرات من شباب الثورة محرومون من حريتهم وراء قضبان السجن بعد تقديمهم لمحاكمات عسكرية بينما أركان النظام السابق الذين ارتكبوا من الجرائم في حق هذا الوطن ما يستوجب إدانتهم بتهمة الخيانة العظمي يحاكمون بكل كرم وتسامح أمام القضاء المدني بذريعة تمكننا من إعادة اموالنا المنهوبة التي لن تعود طالما ظل هؤلاء المجرمون ينعمون بمعاملة حنون في سجون الخمسة نجوم!!.. والضلع الثالث من شعار الثورة ، وهو العدالة الاجتماعية، لا يحتاج الي سرد أي دليل علي أنه لا يزال حلما بعيد المنال ، إذ لم يجد مطلب الثورة والثوار بوضع حد اقصي وأدني للاجور ، طريقه الي النور حتي كتابة هذه السطور رغم مرور نحو عام علي قيام الثورة!!.. وطالما أن اهداف الثورة لم تتحقق في الموجة الاولي والثانية ، فضلا عن شعور شباب التحرير بخيانة الثورة من جانب المجلس الاعلي للقوات المسلحة وحكومة عصام شرف وكذلك من النخبة والاحزاب والقوي السياسية ، وخاصة الاخوان والسلفيين الذين يرون أنهم تخلوا عنهم ليتكالبوا علي مقاعد البرلمان ، بل وتورطوا مع حلفائهم السياسيين في جريمة إتهام الشباب المعتصم سلميا في الميدان بالضلوع في مؤامرة لتعطيل الانتخابات ، فما عليكم إلا إنتظار الموجة الثالثة من الثورة في 25 يناير 2012 لأن شباب مصر المسلح بالوعي والجسارة عرف طريقه الي ميدان التحرير وميادين مصر الاخري ولن يهدأ له بال أو يتراجع حتي تستكمل الثورة تحقيق جميع اهدافها في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.