لاشك أن الشباب هو الفئة الوحيدة في هذا المجتمع الذي يتحرك لصالح الوطن دون حسابات ضيقة او شخصية أو مصلحية أو سياسية أو غيرها، ولذلك فان التجمع الشبابي في ميدان التحرير دعما للمعتصمين بعد استخدام "القوة المفرطة" من جانب رجال الداخلية "ضباط أمن مركزي بلطجية" هو الذي وضع النهاية لحكومة عصام شرف، وكذلك نهاية الانتخابات الوهمية التي يحاول المجلس العسكري ادماج القوى السياسية لمدة خمسة شهور كاملة وهو أمر لم ولايحدث في اي مكان في العالم وخصوصا أنها تتم في مصر في ظروف أمنية غير مواتية وجملة حوادث اكتوبر ونوفمبر تؤكد ذلك. فقد دعت قوى سياسية على خلفية رفض وثيقة مبادىء الدستور لمظاهرات احتجاجية يوم الجمعة 18/11/2011، ولكنهم لم يطالبوا بوضع نهاية لعصام شرف وحكومته ولانهاية للمجلس العسكري، واستهدفوا د. علي السلمي وكأن الوثيقة من صنعه ولم يقتربوا من القابعين خلف الحكومة تحرك أعضاءها مثل العرائس. ولم نسمع لهم صوتا لإسقاط المجلس العسكري، بل كانوا يدافعون عن استمراره!! ولم نسمع لهم صوتا يطالب باستمرار التطهير السياسي والتنفيذي!! فقط هم يراهنون على الانتخابات، باعتبارها الوسيلة الوحيدة التي قد تمكنهم من أغلبية يسيطرون من خلالها على السلطة وفقا ليد الحكم في البلاد، وذلك دون وعي حقيقي بمخاطر الانتخابات، ودون وعي بأن البرلمان القادم يأتي على قواعد حكم نظام مبارك المخلوع منزوع الاختصاصات، ودون وعي باحتمالات وقوع حرب اهلية خصوصا بعد حكم الادارية العليا بالغاء حكم محكمة القضاء الاداري بالمنصورة الذي تضمن العزل السياسي لاعضاء الحزب الوطني، ثم تم ايقافه!! فالمشهد السياسي في ميدان التحرير ابتداء من منتصف الاسبوع الماضي، كان يتركز في قيام عدد من اسر الجرحى إبان فترة الثورة بالاعتصام في ميدان التحرير وحاول الامن فض الاعتصام قبل مظاهرات الجمعة 18/11، إلا أنه فشل في ذلك واصر المعتصمون على ربط أنفسهم بحبال الخيام التي نصبوها، الامر الذي اجبر قوات الامن على التراجع باستخدام العنف المباشر ضد هؤلاء فتركهم. وبانتهاء مظاهرات الجمعة، حاول الأمن فض الاعتصام ظهر اليوم التالي السبت "19/11" بالقوة واستخدام كل ادوات العنف بصورة غير مسبوقة منذ سقوط حسني مبارك في 11 فبراير الماضي، وتجمعت قوات الامن المركزي والشرطة العسكرية على اجبار المعتصمين على ترك الميدان واخراجهم منه الا أن هؤلاء المعتصمين عادوا مع حشود شبابية جاءت للتضامن مع الشباب، واعلان الغضب ضد الداخلية. فما كان من قوات الامن الا استخدام العنف بشكل مكثف وشهد شارع محمد محمود المؤدي الى "صحن الميدان" معارك دامية، أدت الى سقوط شهداء جدد وجرحى كثيرين. وتصور البعض ان الأمر سينتهي عند هذا الحد كما كان في السابق. الا أن تجمع الشباب الغاضب على خلفية محاولات المجلس العسكري وحكومة شرف اجهاض الثورة بصورة غير مسبوقة، في الميدان، واستمرار ذلك عدة ايام واعلان مليونية الثلاثاء 22/11/2011. هو حصاد لسوء الاوضاع. وقد راح من الشباب نحو "35" شهيدا خلال اربعة أيام، وما يقرب من ألف جريح، بصورة غير مسبوقة، أعادت لأذهان الشعب مرة أخرى اجواء الغضب في ثورة 25 يناير 2011. كما لوحظ وحسبما اذاعته وكالات الانباء، فان قناصة الداخلية قد مارست عملها في ضرب الشباب بالرصاص الحي والرصاص المطاطي واستهدفت منطقة الرأس وخصوصا العين، الامر الذي كان قد نفاه وزير الداخلية في تصريحات له، بأنه لا يوجد قناصة في وزارة الداخلية!! وازاء ما حدث، ومع استمرار حشود الشباب في ميدان التحرير ومليونية الشباب في يوم الثلاثاء، يؤكد على عدد من الحقائق والمطالب: أولا : اقالة حكومة شرف فورا والاتيان بحكومة انقاذ وطني لها جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وسلطاتها نهائية. ثانيا: خروج المجلس العسكري من السلطة المدنية، ويصبح "حارسا وليس حاكما" وتصبح الحكومة هي المسئولة عن ادارة شئون البلاد. ثالثا: محاكمة عاجلة ليس على اسلوب لجان تقصي الحقائق، والنائب العام الذي يجهض ما يحدث، دون محاكمات فعلية لمرتكبي الحوادث السابقة، لكل من ارتكبوا من قوات الامن جرائم القتل وضرب المتظاهرين في ميدان التحرير، والا فانتظروا الحرب الاهلية حيث كل شخص يثأر لنفسه وبيده!! رابعا: تطهير وزارة الداخلية فورا، وما حدث يؤكد ان التقاعس عن ذلك وفي اجهزة الدولة سهل لمحاولات اجهاض الثورة، ومازلنا نؤكد على ضرورة التطهير السياسي والتنفيذي حماية للثورة وتأكيدا للتضامن مع متطلباتها. خامسا: عدم الاكتفاء باصدار قانون افساد الحياة السياسية، كبديل لقانون الغدر السياسي، بل اصدار قانون للعزل السياسي فورا والفرق كبير بين الاثنين، حيث ان الاول ينطبق على كل فرد فقط، بينما الثاني ينطبق على فئات جماعية بعينها وسبق القول بذلك. سادسا: اجبار وزارة الداخلية وبالتعاون مع الشرطة العسكرية، بملاحقة البلطجية والقبض عليهم اعتقالا، وايداعهم في سجون خاصة وحدهم لوقف المهازل الحادثة في داخل المجتمع. سابعا: وقف محاكمات المدنيين امام المحاكم العسكرية فورا، والافراج عن الشباب المحتجز في سجون الشرطة العسكرية بلا مبرر، الا انهم من الثوار، ووصل عددهم الى نحو "20" الفا حسبما توافر لي من معلومات، مع احالة اي مخطىء الى قاضيه الطبيعي. ثامنا: وقف مهزلة محاكمة مبارك ورجال حكمه الفاسدين، وذلك بتكوين محكمة ثورة من قضاة محل ثقة المجتمع، لاننا اصبحنا اضحوكة العالم الذي انبهر مؤقتا بالثورة المصرية والآن "يتنتكتون" علينا!! تاسعا: فرض الاقامة الجبرية على رموز الحكم السابق ورجال الاعمال الفاسدين، وفي مقدمة هؤلاء عمر سليمان واحمد شفيق، ومحمد ابو العينين، وغيرهم، لانهم دعاة الثورة المضادة ولا يجوز تركهم يعبثون بمقدرات الوطن ويقودون الى اجهاض الثورة. وطالما فان هؤلاء وغيرهم طلقاء احرار يتحركون كما يريدون، فقولوا على الثورة السلامة!! عاشرا: وقف مهزلة "الانتخابات الوهمية" فورا، وتجاوز الفترة الماضية، والمضي قدما في خيار " الدستور الجديد" بأي طريقة يرتضيها الجميع ان الوضع الحالي لايستطيع ان يتحمل اكثر من ذلك، فلا الحرية تحققت ولا التغيير والتطهير قد تحقق، ولا العدالة الاجتماعية قد تحققت، ومن ثم فان الشعب في حالة غليان واكتئاب، وفي المقدمة شباب الامة، فهل يعقل ان يحصل كل وزير في حكومة شرف على "50" الف جنيه شهريا، ويقولون الاقتصاد منهار؟! أي أن كل وزير تقاضى نحو نصف مليون جنيه في عشرة اشهر هي عمر الثورة!! فالذين يقبضون بالملايين كما هم من عهد مبارك، والفقراء يتراجعون للخلف اكثر!! هل هذا معقول بعد ثورة الشعب المصري ايها السادة؟! أبشر يا شعب مصر، فقد هلت الموجة الثانية للثورة بقيادة الشباب ايضا قبل موعدها في 25 يناير القادم، فهنيئا للشهداء من شباب الامة الذين يدفعون الثمن وحدهم الآن، فهم ثمن التغيير لهذا الوطن الى الافضل وهنيئا لشعبنا بهذه الموجة الجديدة التي توقعتها اكثر من مرة، ومازلنا نحذر من ان عدم استيعاب ما يحدث، سيدخلنا في كارثة اكبر بل وحرب اهلية قادمة فالشباب مرة اخرى وضع نهاية لحكومة عصام شرف، ووضع مهلة للمجلس العسكري، ووضع نهاية للانتخابات الوهمية، وبدأ الموجة الثانية للثورة فهل يفهم الجميع، ام سيتغافلون من اجل مصالحهم السياسية؟! اتمنى ان يفهموا ومازال الحوار مستمرا ومتصلا. نقلا عن جريدة الأخبار