بعد نجاح ثورة 52 يناير، اجتاحت المصريين حالة من البهجة في اطار رؤية يمكن وصفها بأنها ثلاثية الطيب والشرس والقبيح. الطيب، هو الجيش المصري الذي حمي الثورة ورفض قمع الثوار وأبدي احتراما علنيا للشهداء مما دفع الجماهير إلي الترحيب بنزول الدبابات إلي الشوارع وترديد شعار الجيش والشعب ايد واحدة. وتزايد رضاء الشعب بعد أن أعلن المجلس العسكري أنه سيسلم السلطة للمدنيين خلال 6 شهور. أما الشرس، الذي استقطب غضب كل المصريين فكان هو جهاز الأمن أو الشرطة الذي ارتبطت به كل الشرور وتحمل مسئولية كل المهام والجرائم القذرة بما في ذلك قتل المتظاهرين واطلاق الرصاص علي عيونهم وأيضا الانفلات الامني. وجاء احراق الاقسام ومراكز الشرطة ومقار مباحث أمن الدولة لكي يرتاح المصريون إلي فكرة أنهم كسروا أنياب ومخالب هذا الكيان الأمني الشرس. أما الضلع الثالث فكان هو القبيح أو مبارك ونظامه الذي اعتقد المصريون أنهم أسقطوه وتخلصوا من طغيانه الذي جثم علي أنفاسهم قرابة الثلاثين عاما. وتزايد هذا الاعتقاد بعد تقديم مبارك وولديه للمحاكمة وظهورهم امام العالم داخل قفص الاتهام. ومع مرور الوقت، اكتشف المصريون أن هذه الثلاثية لابد وأن تكون مؤقتة ، وبمعني آخر، ألا يصبح هذا الوضع هو النتيجة النهائية لثورة 52 يناير! هذا التغير في الشعور المصري جاءنتيجة تجارب مؤلمة مع أطراف هذه الثلاثية. فالطيب، وهو المجلس العسكري، لم يسلم السلطة رغم مرور 10 شهور علي الثورة.. ووقعت أحداث مثل مصادمات البالون والعباسية وماسبيرو تشير إلي تشابه كبير بين العسكر والشرطة في قمع المظاهرات. خاصة بعد المحاكمات العسكرية للمدنيين . أما الشرس، وهو النظام الأمني القمعي، فقد ظهر أنه استعاد عنفوانه وتأكد ذلك بوضوح خلال أحداث التحرير الأخيرة حيث سقط عشرات القتلي وآلاف المصابين بالرصاص الحي والمطاطي والخرطوش وقنابل الغاز التي أطلقتها قوات الشرطة . وعاد جهاز أمن الدولة إلي أنشطته الاجرامية السابقة رغم تغيير اسمه إلي الأمن الوطني ورغم الاطاحة بوزير الداخلية السفاح حبيب العادلي. وبالنسبة للقبيح، وهو نظام المخلوع حسني مبارك فقد ظهر أيضاً أنه يستعيد مواقعه بالتدريج من خلال أنشطة الفلول و المندسين التخريبية والمحاكمات التي بدت شكلية واستمرار رموز هذا النظام وانتشارهم في جميع مواقع السلطة والنفوذ رغم أنف الثورة والثوار!! هكذا، أدرك المصريون أنهم بحاجة لثلاثية أخري دائمة . ولم يكن العثور علي الصيغة الجديدة صعبا علي الشعب المصري لسبب بسيط هو أنها لا تتطلب أكثر من العودة للثلاثية الاساسية التي رفعتها ثورة 25 يناير منذ بدايتها وهي الشعار الذي ردده الثوار في جميع انحاء مصر..الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية.