ثمة حقيقة مستقرة ولا يمكن أن نتجاهلها وهي: أن الثورة.. لم تكن ثورة شعب وحسب.. وإنما ثورة شعب وجيش.. الجيش كان شريكا أساسيا في الثورة ولولاه ما نجحت ولا كنا اليوم نتنسم نسائم الحرية التي حُرمنا منها منذ عقود طويلة. الجيش احتضن الثورة وحمى الثوار وحقن دماء الشعب، وهو وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها الذي أجبر مبارك على التنحي والتخلي عن السلطة.. المسألة في هذا الإطار كانت جلية بلاشك.. منذ خطاب التنحي الذي القاه عمر سليمان بالوكالة عن مبارك.. فالمشهد في ذلك الوقت كان كاشفا بأن الجيش حسم أمره وعزل الطاغية في شرم الشيخ. هذه الحقيقة، ينبغي أن تكون حاضرة في وعي الثوار.. ليعلموا أن هناك "شريكا" مهما بل وحاسما في صناعة النصر يوم 11 فبراير.. وما يترتب على هذا "الوعي" من استحقاقات، تجعل المسئولية مشتركة، ولا تبيح لأحد التعاطي مع الجيش باعتباره معطى لاحقا على الثورة.. أو أنه يحكم "مرحليا" بالوكالة عنها وإنما هو استحقاق يستقي مسوغاته من شرعية الثورة التي شارك الجيش مع الشعب في صنعها باقتدار. الجيش منذ اللحظة الأولى قطع على نفسه عهدا بأن لا يطلق الرصاص على المتظاهرين.. ولعلنا سمعنا من ضباط أثناء الاعتصام بميدان التحرير بأن الجيش رفض آوامر من القيادة السياسية باطلاق النار، وظل على عهده إلى أن انتصرت إرادة الجماهير وخرج مبارك من السلطة.. ولاحقا جدد الجيش تعهده بأنه سيسلم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة، وشرع في تعديل الدستور وحدد جدولا زمنيا لانتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية.. وأنه سيعود إلى ثكناته فور استكمال التحول الديمقراطي المدني خلال الشهور القليلة الماضية..وما انفكك يقدم رموز النظام تباعا إلى المحاكمات.. ولا ننسى أن رجل النظام السابق القوي حبيب العادلي يقبع الآن في السجن.. والتحقت به أسماء كبيرة كانت تمثل وتدا في خيمة النظام البائد مثل أنس الفقي.. ولايزال الحبل على الجرار.. فيما تعامل الجيش برقي وبتحضر وباحتراف وعلى نحو يعكس تقاليد العسكرية المصرية في أكثر صورها أصالة ونبلا مع الشعب.. واستنادا إلى هذه التجربة التي لم تُكمل شهرها الأول بعد.. فإن الأمر يقتضي الانتباه إلى خطورة منحى البعض نحو استخدام خطاب استفزازي واتهامات متعجلة تعوزها الحكمة والحصافة، تحاول التقليل من الانجازات التي حققها الجيش فيما يتعلق بسقف المطالب خلال أقل من شهر منذ تنحية مبارك، وفي بيئة تحاول فلول الأخير إثارة الاضطرابات فيها لاحراج المؤسسة العسكرية، وحمل الناس حملا على "الترحم" على نظام النهب العام والفساد والقمع الأمني في عهد الرئيس المخلوع. المتظاهرون في جميع أنحاء مصر رفعوا أيام الثورة شعار "الجيش والشعب .. أيد واحدة".. ولعل هذا الشعار نحتاج إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، للتصدي لكل محاولات "أيتام مبارك" للوقيعة بين الشريكين في صنع ثورة 25 يناير العظيمة: الشعب والجيش. [email protected]