لماذا ارتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي 10.9 مليار دولار؟ خبير يوضح| خاص    جيك سوليفان يلتقى عائلات المحتجزين الأمريكيين في غزة    غضب في الزمالك بسبب تصريحات «سليمان»    غابت للولادة، ضبط خريجة تمتحن بدلًا من ابنة خالتها بجامعة بني سويف    تسع 300 شخص.. تطوير قاعة المؤتمرات بالوحدة المحلية لمدينة طور سيناء    شراكة استراتيجية بين "طلعت مصطفى" و"أبو غالي موتورز" لتقديم خدمات التنقل المتكاملة في مدينتي    فرحات يشهد اجتماع مجلس الجامعات الأهلية بالعاصمة الإدارية الجديدة    إصابة سيّدة بقصف مدفعية الاحتلال على مخيم البريج وسط قطاع غزة    الجامعة العربية: عدم الانتشار النووى يعد عنصرا حاسما فى السلم والأمن الدوليين    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي الإسلامي لمبادرات الاعتراف بفلسطين ومواجهة الخطابات المناوئة    نقص المياه الصالحة للشرب.. رحلة صراع يومية لسكان غزة    ونش نقل أثاث.. محافظة الدقهلية تكشف أسباب انهيار عقار من 5 طوابق    وزيرة التضامن توجه بصرف المساعدات اللازمة لأسر ضحايا حادث انهيار مبنى سكني في الدقهلية    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بالإسماعيلية    التحفظ على المطرب أحمد جمال بعدما صدم شخص بسيارته بطريق الفيوم الصحراوى    المطرب أحمد جمال يصدم شخصا بسيارته والأجهزة الأمنية تتحفظ عليه    المنتج محمد فوزي في ذكرى ميلاد محمود عبد العزيز: لا يعوض فنا وخلقا    جميلة عوض تحتفل بعقد قرانها على المونتير أحمد حافظ | صور    عيد الأضحى 2024| ما الحكمة من مشروعية الأضحية؟    دعاء ليلة عيد الأضحى.. اللهم تقبل منا الطاعات في أيام العيد    ما حكم صلاة عيد الأضحى في البيت؟ ..«الإفتاء» توضح الحكم الشرعي    رئيس جامعة سوهاج يتسلم أرض مستشفى الحروق    طريقة عمل المبكبكة، لغداء شهي سريع التحضير    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    4 يونيو 2024.. البورصة ترتفع اليوم    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    أتلتيكو مدريد يخطط لضم مهاجم السيتي    انهيار عقار بالكامل في ميت غمر بالدقهلية    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    رئيس بعثة الحج: غرفة عمليات القرعة تعمل لتقديم خدمة شاملة لضيوف الرحمن    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    مهاجم الأهلي السابق: الزمالك خارج المنافسة على الدوري    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    رئيس الدوما الروسي: وقف إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه إنهاء الصراع    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    إجلاء نحو 800 شخص في الفلبين بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون"    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجيش والثورة في مصر بين تجربتين

تقتضي الأمانة والمسئولية الأخلاقية والوطنية‏,‏نحن نعايش الوضع شديد التعقيد الذي فرض علي الجيش المصري عندما أسندت إليه مهمة القيادة السياسية للبلاد أن نؤكد علي حقيقتين‏:‏الحقيقة الأولي هي أن الجيش ظل منذ منتصف عقد الخمسينيات من القرن الماضي‏. أي منذ حل مجلس قيادة ثورة‏23‏ يوليو وانخراط أغلب أعضاء هذا المجلس في الحياة المدنية بعيدا كل البعد عن العملية السياسية وتعقيداتها لم يكن ولم يفكر ان يكون طرفا في تعقيدات الصراع علي السلطة وبالذات في السنوات التي أعقبت حرب أكتوبر المجيدة‏.‏
بل نستطيع أن نقول إن الجيش أصبح مستهدفا من قيادة النظام في مصر وبالذات بعد موقفه المسئول والمشرف من انتفاضة يناير‏1977‏ عندما اشترطت قيادة الجيش ممثلة في قائده الرائع المشير محمد عبد الغني الجمسي شرطين علي الرئيس السادات للنزول إلي الشارع وضبط الأوضاع الأمنية بعد ان عجزت قوات الأمن عن ضبطه‏,‏ كان الشرط الأول هو عدم إطلاق الرصاص علي المواطنين‏,‏ وكان الشرط الثاني هو تراجع النظام عن القرارات المجحفة لوزير المالية الدكتور عبدالمنعم القيسوني التي كانت السبب المباشر لتفجير تلك الانتفاضة التي شوهها الرئيس السادات عندما أطلق عليها اسم انتفاضة الحرامية هذا الموقف الوطني المسئول دفع الجيش ثمنه ودفعت مصر كلها أثمانه خصوصا بعد زيارة الرئيس السادات للقدس وانخراطه في المفاوضات مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية السلام عام‏.1979‏
فقد أعلن الرئيس السادات ان حرب أكتوبر هي آخر الحروب ولم يكن هذا الإعلان مجرد موقف سياسي بل انه تحول إلي سياسة استهدفت الدور المصري القيادة لأمتها وانعزالها كلية عن مسئولية هذه القيادة وبالذات قيادة الصراع العربي الإسرئيلي‏,‏ وبسبب ذلك اصبح الجيش مستهدفا عندما بدأ النظام ينظر إليه باعتباره مصدرا للتهديد وتحول الاهتمام إلي بناء قوات أمن شديدة البطش والقوة خصوصا بعد أن دخلت مصر مغبة الحرب ضد التطرف الذي أودي بحياة الرئيس السادات‏,‏ حيث عايشت مصر منذ ذلك الوقت‏,‏ وحتي الآن أسيرة لقانون الطوارئ‏,‏ وجري إفساد الحياة السياسية وتشويهها‏,‏ وتحولت الدولة إلي دولة تسلطية استبدادية أفرطت في استخدام العنف والقهر ضد المواطنين‏,‏ ولم يكن الجيش بعيدا أبدا عن كل ما واجه المواطنين المصريين وما واجه مصر من فساد وإفساد وقهر
أما الحقيقة الثانية فهي أن الجيش المصري كان ومازال عازفا عن التورط في شئون الحكم والسلطة منذ تولي مسئولية القيادة عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك‏,‏ وهي حقيقة باتت مؤكدة بشواهد يعلمها الجميع‏.‏
هاتان الحقيقتان لاتنفيان حقيقة أخري أراها اكثر أهمية‏,‏ وهي أن الجيش‏,‏ ورغم كل ما قام ويقوم به لتسيير أمور الدولة وضبط الأمن وتقديم بعض رموز الفساد إلي المحاكمة ومنع سفر البعض الآخر الي الخارج إلا أنه مازال بعيدا عن مهمته التاريخية التي تفرضها الثورة التي فجرها الشعب بقيادة الشباب وهي تمكين الثورة من السلطة والحكم عبر تحويلها الي مؤسسات وسياسات وهي المهمة التي يريدها العب من الجيش وائتمنه عليها‏.‏
هذه الحقيقة تزيد من مهمة الجيش وواجبه الوطني نحو هذه الثورة التي كان يمكن ان يقوم بها لولا انه تعرض لعمليات إقصاء قاسية لإبعاده عن أن يكون طرفا في العملية السياسية‏,‏ ولولا ذلك لكان الجيش طرفا أساسيا في تفجير هذه الثورة لأن ما كانت تعانيه مصر تحت وطأة حكم نظام الرئيس السابق لا يقل إن لم يكن يزيد كثيرا عن الظروف التي كانت تعيشها مصر وحفزت الضباط الأحرار في الجيش للقيام بالثورة‏,‏ فالاستعمار الخارجي والفساد في الحكم وسيطرة رأس المال عليه ومعاناة الشعب التي دفعت ثوار الضباط الأحرار عام‏1952‏ للقيام بالثورة تفاقمت في مصر في العقود الماضية وعاشت مصر تحت وطأة استعمار داخلي اشد في قسوته وفساده من الاستعمار البريطاني‏,‏ استعمار داخلي جمع بين السلطة والثروة ممثلين في رجال الأعمال والحزب الوطني ولجنة السياسات والأمن وغيب المصريون عن بلدهم أصبحت مصر هبة الرئيس الذي يريد ان يحكم إلي الأبد وأن يورث مصر لابنه وحزبه وحاشيته‏,‏ ومايتكشف علي أيدي الجيش ومسئولي الرقابة الآن من فضائح وإفساد هذا النظام دليل قوي علي ذلك‏,‏ وإذا كان الشعب قد أعفي الجيش من مهمة القيام بالثورة وقام هو بها ضد هذا الاستبداد والفساد واحتكار الثروة والسلطة فالجيش أضحي مطالبا بالانخراط في الثورة وليس فقط الاعتراف بها وتأييدها‏.‏
في عام‏1952‏ قرر الضباط الأحرار القيام بالثورة في ظل وعيهم وإدراكهم لمسئوليتهم التاريخية نحو بلدهم‏,‏ لم يمنعهم ولاء لمن أقسموا له الولاء سواء كان ملكا أو قيادة عسكرية بل إنهم بدأوا بالتخلص من كل هؤلاء لم يترددوا لحظة عن القيام بهذه المهمة‏,‏ لم يحل بينهم وبين هذه المهمة قسم أقسموه يقينا منهم بأنه إذا كان الله سبحانه وتعالي قد شرع لهم ولغيرهم أنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن الوطن يشرع لهم أنه لاطاعة لمخلوق في معصية الوطن فانحازوا للشعب ونداء الوطن وقاموا بحركتهم‏,‏ لذلك احتضن الشعب هذه الحركة وحولها إلي ثورة بعد أن أدرك الشعب أن ولاء هذه الحركة للشعب وللوطن‏.‏
دعوة قيام الجيش بقيادة الثورة الآن لاتعني أن يسيطر الجيش علي الحكم‏,‏ ولكن أن يعترف بالثورة وشرعيتها‏,‏ وأن يتبني أهدافها ويسعي إلي تحقيقها بالتحالف مع الشعب‏,‏ وأن يتولي مسئولية حمايتها من القوي المعادية والمضادة‏,‏ وبالذات بقايا مؤسسات ورجال النظام السابق الذين لم يتخلوا عن سلطانها وفسادهم بسهولة والذين مارسوا الاستبداد في أجهزة الحكم والأمن‏,‏ ومارسوا الفساد المالي والسياسي والذين يتآمرون الآن علي الثورة لاحتوائها تمهيدا لإسقاطها عبر منظومة علاقات وتحالفات فاسدة يعلمها الجيش وأن يبدأ الجيش مع الشعب الجهاد الأكبر أي تحويل الثورة الي مؤسسات حكم لبناء مجتمع العدل والحرية والسيادة الوطنية‏.‏
انخراط الجيش في الثورة سيضع نهاية للمظاهرات وستتجه قوي الثورة إلي مهمة بناء الوطن‏,‏ بعد ان تصل إلي قناعة باليقين أن موقف الجيش من الثورة ليس مجرد الحياد‏,‏ أو التأييد‏,‏ بل الانخراط فيها كي تكتمل دورة الفعل الثوري هذه المرأة بالشعب والجيش علي نحو ما حدثت عام‏1952‏ بالجيش والشعب‏.‏
مهمة قد تبدو صعبة لكنها ستكون حتما ميسرة إذا حدث التحالف في تحمل المسئولية الوطنية بين الجيش والشعب‏,‏ بأن يبدأ الجيش بتشكيل مجلس رئاسي من ثلاث أو خمس شخصيات وطنية بارزة يتولي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة رئاسته وأن يقوم هذا المجلس بدور رئيس الدولة والموجه الأساسي للسياسات‏,‏ وأن يتبع هذه الخطوة بتشكيل حكومة وطنية من كفاءة مشهود لها بالاقتدار والإيمان بالثورة و أهدافها‏,‏ وأن تقوم هذه الحكومة بإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية وبعدها يتم تشكيل مجلس دستوري تكون مهمته وضع مسودة دستور وطني جديد يعبر عن أهداف الثورة وتطلع الشعب وآماله يضع نهاية لتسلط مؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية وأن يحقق التوازن بين السلطات ويعطي البرلمان حق مراقبة ومحاسبة السلطة التنفيذية والقيام بالدور التشريعي‏,‏ وأن يؤمن للقضاء استقلاله التام‏,‏ وانحيازه للوطن‏.‏
هذه المؤسسات الثلاث الجديدة هي التي يمكن أن تقود مصر إلي بر الأمان خلال المرحلة الانتقالية التي يمكن أن تمتد إلي عامين يتم خلالها انجاز الدستور وتحقيق الاستقرار والأمن وإصدار قانون الاحزاب وقانون الانتخابات وإنهاء حالة الطوارئ وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات بعدها تبدأ انتخابات المحليات والانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات التشريعية لتبدأ مصر عهدها الجديد وهي آمنة‏,‏ محروسة بجيشها الذي يجب أن يعود الي مهمته الأساسية وهي حماية الوطن من العدو المتربص والمتحفز الذي فقد توازنه بتفجر الثورة المصرية وتحولها الي ثورة عربية تنبئ بعصر عربي جديد من العزة والكرامة‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.