شاءت الظروف أن يكون شاهدا، بل من صانعي ثورة يوليو التي شكلت أول جمهورية في تاريخ مصر بصفته واحدا من الضباط الأحرار، ومنها وعبرها استمد 3 رؤساء حكموا مصر شرعيتهم، وساروا علي مبادئها لما يقرب من 60 عاما. اليوم وفي ظل الأحداث الراهنة والمتلاحقة كان أن جرت مياه كثيرة في الحياة السياسية التي أصبحت أبعد كثيرا عن مبادئ الثورة وشرعية الحكم بها، لندخل منعطفا جديدا لمطالب فئات عمرية لشباب جديد لم يعش الثورة وله أفكار تتجاوزها وتتجاوز شرعيتها لتتحدد معالم شرعية جديدة بدأت بالفعل. أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار يقدم شهادته للتاريخ في هذه اللحظة الفاصلة من عمر مصر والتي لا تقل أهمية عن يوم 23 يوليو 1952 الذي خرج فيه مع زملائه يغيرون وجه المجتمع والتاريخ في مصر. في هذا الحوار يقدم حمروش شهادته وهو يراهن علي بقاء شرعية ثورة يوليو في قادم الأيام وأن أي رئيس سيستند إليها.. فهل تصدق نبوءته؟! • كيف تشكلت شرعية الحكم لثورة يوليو؟ - شرعية ثورة يوليو نبتت من إجماع شعبي علي فساد النظام الملكي وتبعيته للاستعمار البريطاني، وتنفيذه جميع أوامر الاحتلال في مصر وما صاحب ذلك من فساد جعل الشعب المصري يرفع شعار محاربة الجهل والفقر والمرض.. وهذا الإجماع علي مقاومة هذا النظام أدي إلي ثورة يوليو. • لكن مبادئها لم تكن موضوعة سلفا قبل قيامها؟ - الثورة رتبت ونفذت خلال الأيام من 17- 23 يوليو، حيث لم يكن الضباط الأحرار ينوون القيام بحركتهم إلا عندما علموا أن الملك أصدر تعليماته باعتقالهم لما كان يقرأه في منشوراتهم، مما عجل بقيامها وكان الاستقبال الشعبي بهم حافلا، وكانت أهداف ومبادئ الثورة واهتمامها الأول هو إجلاء المستعمر ورد المظالم عن الشعب الكادح، حيث حددت فترة انتقالية مدتها 3 سنوات وخلالها تم الاتفاق علي إجلاء القوات البريطانية وصدور قانون تحديد الملكية وإشراك العمال في مجال الإدارة وتحقيق العدالة الاجتماعية. • تلك كانت أجندة وطنية واجتماعية وليس فيها أي أفكار سياسية ترسخ للديمقراطية التي كانت في عهد الملكية؟ - الشعب هو الذي أعطي الشرعية لعبدالناصر وللثورة ليستمر في حكم مصر، وتتكلمون عن الديمقراطية التي قتلتها الثورة، وأنا بدوري أسأل: هل كانت هناك ديمقراطية حقا قبل الثورة؟! الواقع والتاريخ يؤكدان أن جميع الوزارات التي وصلت إلي الحكم عن طريق الانتخابات سواء كانت وفدية أو غيرها كان الملك يقيلها لأسباب تخصه ولم يكن يأخذ في الاعتبار إرادة الشعب. • بصرف النظر عن ملابسات «التنحي» بعد هزيمة 1967. ألم يفكر عبدالناصر يوما في ترك السلطة؟ - عبدالناصر كان يعتبر نفسه في خدمة الوطن، ولم تكن لديه أي نية لترك الحكم مادام سائرا في تنفيذ مشروعه إلي أن تنحي بعد نكسة .1967 • لكن مؤرخين سياسيين اعتبروها مناورة وتكتيكا سياسيا؟ - لم تكن مناورة تكتيكية علي الإطلاق، والشعب هو الذي أعاده وقرر استمراره. • ألم يكن مطروحا لديكم تسليم السلطة للمدنيين؟ - الجيش المصري ظل الحصن والحائط الذي يستند عليه المصريون، وعندما تولي الضباط الأحرار الحكم لم يكن حكمهم عسكريا ولم يطبق قانون الطوارئ ولاتزال شعبيتهم في السماء ومصدر ثقة واطمئنان وأمان الشعب المصري حتي اليوم، وهي الملاحظة الأبرز في الأحداث الأخيرة. • هل ثورة يوليو امتدت شرعيتها مع السادات؟ - شرعية يوليو وحالة الحزن العامة علي رحيل عبدالناصر وظروف الدولة المصرية من نكسة 1967 كلها مهدت لحكم السادات ولم يكن للشعب قرار في اختياره وتمت الموافقة عليه من مجلس الأمة، ولثقة المصريين في الضباط الأحرار تركوهم يديرون ويختارون فيما بينهم رئيس الجمهورية التالي لعبدالناصر رغم أنه لم يكن من المقربين لفكر عبدالناصر، وكانت له اتجاهات أخري، ورشحته «شلة» علي صبري وشعراوي جمعة وفايق، وربما يكون اختيارهم له لتصورهم أنهم بإمكانهم قيادته والسيطرة عليه. • لكنه انقلب عليهم؟ - ليس ذلك فقط بل أنه سار علي أهداف ومبادئ الثورة «بأستيكة»! • بالنسبة للرئيس مبارك البعض يعتبر أن شرعيته تستند أكثر إلي حرب أكتوبر وليست ثورة يوليو؟ - «مبارك» في الأصل ابن من أبناء ثورة يوليو، وليس شرطًا أن يكون من الضباط الأحرار لكنه تربي علي مبادئها وأهدافها، فكل ضابط بالجيش مؤمن بذلك.. فالثورة ومبادئها عاشت وتعيش في قلوب الضباط والمدنيين واعتبر ذلك أعظم ما حققه. • المبادئ والأهداف التي تتكلم عنها تغيرت تدريجيًا في عهد السادات ثم عهد مبارك؟ - خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي قامت فيها الثورة اختلفت تمامًا في عهدي السادات ومبارك، فالتغيرات العالمية بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الاشتراكي كان له تأثير كبير علي الحركة السياسية المصرية. • لكنها ظلت موجودة في الدساتير والقوانين ولا تطبق علي أرض الواقع؟ - تلك التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جرت علي المستوي العالمي توجب إعادة النظر في أهداف ومبادئ ثورة يوليو وإعادة تنقيحها واستبعاد ما لا يصلح منها كنسبة 50% للعمال والفلاحين في البرلمان، لكن مثلاً مبدأ عدم سيطرة رأس المال علي الحكم عدنا إليه في تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الفريق «أحمد شفيق». • هل كانت هناك منافسة بين شرعية يوليو وشرعية أكتوبر في تولي حكم مصر؟ - مازال عيد مصر القومي هو 23 يوليو ومبادئ الثورة تلقي تقديرًا واحترامًا في نفوس الشعب، وحرب أكتوبر التي نجلها ونفخر بها عسكريًا لم تحقق كل أهدافها سياسيًا ولم ترض طموح المصريين! • الكثيرون بشروا بشرعية أكتوبر وأنها المرجعية لنصف مرحلة حكم السادات ومبارك من بعده؟ - لا تقارن بين الرئيسين مبارك والسادات، فالسادات اتجه تمامًا إلي الأمريكان، أما مبارك فهو يتجه للأمريكان في حدود الحفاظ علي استقرار مصر وعدم تبعيتها لأي قوي خارجية. • معني ذلك أن مبارك أكثر قربًا من ثورة يوليو عن السادات؟ - منذ تولي السادات رسميًا وفعليًا 1971 بدأ يتجه بمصر بعيدًا عن سياسات عبدالناصر ولم يزر في حياته أي بلد من بلاد عدم الانحياز، أما مبارك فهو الذي أعاد مصر إلي ثورة يوليو عندما قرر دعم حركة عدم الانحياز وترأسها لدورتين وأعاد العلاقات المصرية العربية التي قطعها السادات. وظل طوال عهده منحازًا لمحدودي الدخل كاتجاه سياسي، أما التحولات الطارئة في سياساته فأتصور أنه كان مضطرًا لها لتغير الظروف السياسية حاليًا عما كانت عليه في الخمسينيات! • هل نستطيع الآن الحديث عن شرعية جديدة ولدت للحكم في مصر وبدأت من أحداث يناير 2011 وتخص الشباب المصري ويؤرخ لها كجمهورية ثانية بدأت الآن ويسير عليها اختيار الرئيس القادم؟ - من اليوم أقول لك إن رئيس مصر القادم أيًا ما كان اسمه سيلتزم بمكتسبات ثورة يوليو ولن يستطيع مخالفتها، وإن كان تحقيق بعضها في المستقبل سيكون تبعًا للظروف الدولية الموجودة، ولاتزال الجمهورية في مصر وستظل مستمدة شرعيتها من ثورة يوليو وستلتزم بفكر القومية العربية والاستقلال وحماية محدودي الدخل، فمنذ أن بدأت مبادئ 23 يوليو أثمرت فكرًا جديدًا في شباب هذا البلد، ولا أعتقد أن أيًا منهم ينتمي لهذا البلد إلا وهو يؤمن بمبادئ الثورة، ولكم أسوة في الثورة الفرنسية الملتزم بمبادئها كل الرؤساء الفرنسيين. • كيف تقيم وتسمي ما قام به الشباب في يناير؟ - لا أسميها ثورة بل انتفاضة مطالب، وأراها شرعية ومن حق الشباب أن يعبر عن رؤيته وإرادته ومن واجب النظام أن يستمع له. • لكن تيارات وأحزاباً سياسية قفزت علي مكتسبات الشباب؟ - في مصر لا تتوافر قيادات حزبية مقنعة ولا برامج تخاطب الجماهير ولا رؤية سياسية للمستقبل ولا قاعدة شعبية. • كيف تري دور الجيش؟ - أعود بك لاستقبال الناس له بالهتاف، هكذا هو عهدنا بالجيش المصري. • وماذا عن خطاب مبارك بإعلانه عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة؟ - سعدت بخطاب مبارك جدًا لأنه أضاع فرصة الانقضاض علي النظام نتيجة تصرفات شخصية له، وكان مسئولاً عن بعضها. • هل حقاً الشعب المصري لم ينضج لممارسة الديمقراطية كما قال رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف؟ - لا يمكن لي ولا لغيري أن نسئ لهذا الشعب العظيم، صاحب أقدم وأعظم حضارة وكلام نظيف يدل علي عدم نضجه هو! • أخيرًا أستشرف معك مستقبل الإخوان في مصر؟ - لا أري مستقبلاً لهم في الحياة السياسية لأن المصريين سيرفضون فرض أي ولاية أو إرادة دينية عليهم، فالدين لله والوطن للجميع، وإذا أرادوا البقاء علي قيد الحياة عليهم أن ينسوا شعارات الدين ويشكلوا حزبًا سياسيًا صرفًا.