بعد ما يقارب ثمانية وخمسين عاما، أعادت رواية "فيوليت والبكباشي"، فتح باب الجدل مرة أخري، حول ذكريات ثورة 1952 والأحداث التي تبعتها. حول أحداث الرواية الصادرة عن دار هفن لعمرو كمال حمودة، وكواليس سياسة ثورة يوليو، من خلال الأحداث التي مرت بالصف الثاني من الضباط الأحرار، يدور الحوار التالي مع الكاتب كمال حمودة: هل لجوؤك لكتابة الرواية في هذه السن بحثا عن فرصة لقول شيء ما لا تستطيع قوله في المقالات؟ - رغم حبي لقراءة الأدب وتأثيره علي، فإنني انشغلت فترة كبيرة من حياتي بقضايا ومجالات كثيرة في الحياة، حيث عملت في مهن مختلفة وكنت شغوفا بدراسة الواقع اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، وانهمكت في البحوث والدراسات مما جعلني أؤجل باستمرار إقدامي علي الكتابة الأدبية والرواية بالذات، وقد ظل حلم الكتابة يراودني، إلي أن وجدت الفرصة منذ عامين ونصف العام بدعم وتشجيع من بعض الأصدقاء، ولا شك أن رحابة الكتابة الأدبية تتيح لي فرصة التعبير عن أفكار ورؤي ومشاعر وأحاسيس لا تستوعبهم المقالات أو الدراسات. لماذا اخترت الكتابة عن ثورة يوليو بالتحديد؟ لم يكن لدي نية مبيتة للكتابة عن ثورة يوليو، ولكن بصفتي من أبناء الثورة واقتربت من بعض أحداثها وشخوصها، كنت أفكر دائما في بداية ومسيرة ونهاية هذه الفترة، التي امتلأت بالأحداث الكبيرة وبالانتصارات والهزائم والتحولات من نظام سياسي إلي نظام ثان ثم إلي نظام ثالث خلال نصف قرن، انقلب فيه الهرم الاجتماعي من أعلي إلي أسفل بشكل قوي، يضاف إلي ذلك أنني عشت بوعي كبير هزيمة 1967 التي مازلنا ندفع ثمنها حتي الآن، ثم شاهدت مظاهرات الطلبة والعمال عام 1968 التي طالبت جمال عبد الناصر بالديمقراطية والتغيير وهي أول مظاهرات شعبية جماهيرية منذ عام 1954. هذا يدفع للتساؤل حول مساحة الواقعي والمتخيل داخل الرواية؟ - أثق دائما في أن للنص الأدبي قراءات متعددة، كل قارئ يري النص من زاوية تمسه أو جانب يراه متماهيا معه، ورواية "فيوليت والبكباشي" تتشكل من عناصر متعددة، منها الظروف التاريخية والحياة الشخصية للأبطال، ولكن ما يلفت النظر في حياتنا كمصريين، بعكس الدول التي نمت ونضجت ديمقراطيا واستقر فيها التوازن بين الطبقات، طغيان السياسة علي حياتنا، ولذلك كلنا نتحدث عن تأثير الأحداث ومجريات السياسة علي تفاصيل حياتنا اليومية، بعكس ما يحدث في الغرب مثلا، حيث ينتخب المواطن من يمثلونه في طموحاته واحتياجاته، ليتفرغ هو لمشروعه الفردي في الحياة. هناك الكثير من الأعمال الأدبية التي تناولت ثورة يوليو وانتقدت آثارها السلبية علي الطبقة المتوسطة، فما الجديد الذي تقدمه الآن؟ - ربما يكون الجديد في هذه الرواية هي الكتابة عن شخصية من شريحة الصف الثاني من الضباط الأحرار ، وتتبع ما تحت الجلد من أحاسيس وأفكار ورغبات وصراعات، وهي الشريحة التي كان لي داخلها أقارب والمعارف، اقتربت منهم. فكرة "التواطؤ" تسيطر علي أحداث الرواية، ماذا قصدت منها وما علاقتها بثورة يوليو؟ - في رأيي لم يكن التواطؤ فقط سبب فشل ثورة يوليو في بعض أهدافها، ولكن الطريقة الأبوية التي تعاملت بها قيادة الثورة مع فئات الشعب، واحتكار كل أدوات التعبير والمشاركة، وفي نفس الوقت القبضة التي صممت باستمرار علي وضع جميع الفئات "تحت السيطرة". هل يمكن القول لأنك تحاول إحداث نوع من المحاكمة لثورة يوليو داخل الرواية، وتتهمها بتراجع الديمقراطية في مصر؟ - ليس مهمة الكاتب في تقديري أن يحاكم التاريخ، إنما أن يضيء مناطق قد تكون معتمة أو مظلمة أو مسكوت عنها، وأيضا يطرح الرؤي المختلفة التي كانت موجودة أثناء الحدث الروائي وأثرت علي أبطاله، وفي الرواية طرحت الاتجاهين المتعارضين داخل مجلس قيادة الثورة حول قضية الديمقراطية، والانقسام الذي حدث بين أسلحة الجيش وبالتحديد سلاحي "الفرسان" و"المدفعية" حول مسألة الديمقراطية، وقد انتصر الاتجاه الذي تبني فكرة الشرعية الثورية بديلا عن الشرعية الدستورية أي حكم الشعب بواسطة ممثليه، وأذكر أن الرئيس السادات في أول حكمه قال إن نظام عبد الناصر حقق خمسة مبادئ من المبادئ الستة للثورة، ما عدا المبدأ السادس وهو تطبيق الحياة الديمقراطية، وهذا المبدأ هو ما سيقوم بتنفيذه في فترة ولايته. ترصد الرواية الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية في مصر في تلك الفترة، في رأيك كيف اختلفت هذه المظاهر الآن؟ - لقد اختلفت هذه المظاهر بشكل كبير، فهناك مبانٍ اختفت ومحال كانت شهيرة وقت الرواية ضاعت معالمها الآن، بالإضافة إلي تغير الإيقاع والسلوك وأنماط الحياة في حياة الناس، بالإضافة للتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع حاليا، وانتشار ثقافة العشوائية وقهر الجمال وإشاعة القبح.