لا شك أن دماء الشهداء في ثورة 52 يناير، والمستمرة حتي الآن تسيل في الشوارع، وآخرها دماء 34 شهيداً راحوا ضحية الاعتداء الغاشم من قوي الظلام والاستبداد في وزارة الداخلية وحراس نظام مبارك في جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون الدولي قبل القانون الداخلي، لن تضيع هدراً، ففي الفترة من 91 نوفمبر وحتي 32 نوفمبر 1102، وقعت جريمة إنسانية كبري في ميدان التحرير، راح ضحيتها 34 شهيداً ونحو ألف جريح بفعل فاعل، لم تتخذ الإجراءات الرادعة ولا التحقيقات الفعالة، ولا القصاص العادل، والتباطؤ والتواطؤ مستمران حتي الآن.. ويكاد يؤكد ذلك. الأمن الذي وفرته أجهزة الجيش والشرطة لحماية الانتخابات في تسع محافظات من بينها القاهرة العاصمة، في ذات الوقت تراخت إلي حد التعمد في حماية معتصمي التحرير من الشباب، من جبروت وزارة الداخلية، ولم نجد مسئولاً واحداً يصدر التعليمات الصريحة لقوات الداخلية بإيقاف استخدام العنف غير المبرر ضد شباب التحرير، وكأن جميع سلطات الدولة الآن أصبحوا ضد شباب الثورة، إلي حد أنهم لم يعد أحد فيهم يتحمل هؤلاء، وأصبحوا يضيقون ذرعاً منهم، بعد أن وُضع برنامج مكتوب أو غير مكتوب لتفتيت هذه القوي الثورية!! وفي تاريخ الثورات، فإن الشهداء هم مصابيح المجتمع تنير الظلام الذي كان الشعب يعيش فيه بفعل حاكم فاسد ومستبد وظالم، الأمر الذي جعل هذا الشعب يثور عليه، وهم البوصلة التي ترشد المجتمع إلي الطريق الصحيح إذا ما ضللنا الطريق لأي سبب وبفعل أية جماعة مهما كان وزنها، كما أن الشهداء هم الزمرد والآلئ المرصعة في كل مكان نعيش فيه علي ذكراهم، فلولا هؤلاء الشهداء الأبطال الشجعان الذين واجهوا الموت دون خوف من بطش الحاكم وعصابته، ما كان الشعب كله يستطيع الحياة الأفضل، ولا شهد هذا الشعب تغييراً حقيقياً في حياته، ولا حدث التقدم والنهضة في حاضر ومستقبل الأمة، هؤلاء هم الشهداء أصحاب الدماء الذكية الشريفة التي تدفقت في الشوارع بأيدي »الأنجاس« من زبانية النظام السابق وعصاباته المستمرة حتي الآن، لهم الفضل فيما تصير إليه مصر في الحاصر والمستقبل.. ولذلك فإن تجاهل هذا العدد الضخم من الشهداء والذي لم تدفعه مصر في تاريخها الحديث، والذي وصل إلي ما يزيد علي الألف شهيد في الموجة الأولي، ونحو 05 شهيداً في الموجة الثانية في نوفمبر 1102، هو خيانة للثورة، ومن يخون الثورة فإن مصيره هو مصير السابقين في النظام السابق، فليس هناك من ثورة في تاريخ العالم، إلا واعتبر الشهداء ودماؤهم الذكية، مرجعية الشرفاء والأوفياء للثورة، وإلا ضاعت البوصلة. وفي مصرنا العزيزة الأبية، فإن الشعب المصري الذي ثار ثورته الكبيرة في 52 يناير، وضحي من أجلها من خيرة شباب مصر، عليه أن يبذل جهداً إضافياً، ولا يقف في منتصف الطريق، فلابد أن يستمر في ثورته يدافع عنها ويحميها ولا يدخر وسعاً في سبيل تقديم المزيد من الشهداء كما حدث في موقعة »الغاز والرصاص« في نوفمبر الماضي، حتي يتم تنفيذ جميع مطالب الثورة في الحرية والتطهير والعدالة الاجتماعية والكرامة.. وتقع المسئولية الكبري علي شباب مصر في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الثورة، فهم مفجرو الثورة، ووقودها، وحماتها، ولا ينافسهم في ذلك أحد مهما كان ادعاؤه بالثورية. والصحيح ان »الفتنة السياسية« قد دبت في صفوف شباب الثوار، فتفرقوا شيعاً وأحزاباً بفعل فاعل أجرم في حقهم لإجهاض الثورة. في نفس الوقت يفتقد هؤلاء الشباب الأنقياء خبرة الكبار الذين مع الأسف تلاعبوا بهؤلاء الملائكة الأطهار وغرسوا فيهم الفتنة ودفعوا ببعضهم إلي الدخول في العملية السياسية »الانتخابات«، وحاولوا إبعادهم من المشهد، وهم متأكدون أن نجاح واحد فقط من هؤلاء الشباب درب من الخيال بحكم خبرتي السياسية وقراءاتي في تاريخ الثورات وباعتباري شريكاً مع هؤلاء الشباب في الثورة »قبل وأثناء وبعد وحتي الآن« والصحيح أيضاً أن هناك من سعي لتكوين »ائتلافات شبابية« والتلاعب بها وتوظيفها سياسياً، بحيث يتم إضعاف التجمعات الشبابية الأصلية ومن ثم إجهاض الثورة بسهولة، كما أنه من الصحيح والثابت أن المجلس العسكري تورط في توجيه اتهامات مباشرة لجماعة 6 أبريل بالعمالة والتدريب في الخارج وتلقي أموالاً، وهي من أهم الجماعات التي حركت شباب مصر منذ عام 8002 في نفس الوقت الذي سكت هؤلاء عن »الأموال السياسية« التي تدفقت من دول الخليج لدعم التيارات الإسلامية، وهي مشاركة ضمنية في إجهاض الثورة والدفع بالإسلاميين وأغلبهم تيارات محافظة غير ثورية تتسم بالرجعية والتحالف مع قوي الرجعية والغرب والحفاظ علي الأوضاع القائمة ومنها نظام حسني مبارك الفاسد والمستبد، إلي صدارة المشهد!! وأصبح من الواضح أن تفتيت القوي الثورية الشبابية، هو هدف أساسي علي طريق تبريد الثورة ثم الالتفاف حولها، ثم إجهاضها، وإدخال الشعب في عملية سياسية مشبوهة، لنسيان الثورة تماماً، والتعايش مع الأمر الواقع، وهو الأمر الذي أرفضه ويرفضه الثوار، ولذلك أيدت جماعة 6 أبريل ووقفت بجوارهم في أول مؤتمر صحفي عقد بنقابة الصحفيين يوم 42 يوليو 1102، رافضاً توجيه الاتهامات لهؤلاء الشباب المحترم ومن رفضي للأمر الواقع، شاركت الشباب اعتصامهم في التحرير، وعشت معهم لحظات الاستشهاد والإصابة في موقعة »الغاز والرصاص« التي لم تسمح القوي الثورية بأن تمر مرور الكرام، مثل موقعة الجمل وبدايات الثورة وفي جمعة الغضب، وغيرها ممن لن يرحم التاريخ مرتكبوها. ومازال الحوار متصلاً ومستمراً.