«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاءت ثورة الشباب خارج السياق من جيل
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 02 - 2011

كنا ننظر له نحن الكبار باستخفاف كبير وبانه جيل تافه ضحل في ثقافته غريب في انتماءة كسول في أحلامه وكنا دائما نسخر منه ومن أذواقه وملابسه وأفكاره‏.. واكتشفنا فجأة وبلا مقدمات أن هذا الجيل أعطانا درسا في الوطنية والوعي والانتماء والشجاعة والإصرار‏..‏ هذا الجيل الذي جمع كل متناقضات عصره ووطنه ما بين الفقر الشديد والثراء الفاحش وما بين ثقافة ضحلة قدمناها له طوال سنوات عمره وانفتاح رهيب علي العالم من خلال تكنولوجيا العصر التي سعي إليها باقتدار‏..‏ واكتشفنا أيضا أنه كبر خارج هذا المناخ الثقافي الضحل الذي قدمته مواكب الأدعياء والمهرجين والنخب الكاذبة‏..‏ لابد أن نعترف بأن هذا الجيل كان أكبر المفاجآت لنا يوم‏25‏ يناير ويبدو أن الحدث أصابتا بحالة ارتباك شديدة ترتبت عليها نتائج كثيرة‏..‏
‏‏ حاول البعض أن يسرق ثورة الشباب وسرعان ما اعتلي المشهد وقدم نفسه ليتحدث بأسمائهم أو بالنيابة عنهم أمام أجهزة الدولة والرأي العام والدليل علي ذلك أننا لم نشاهد شابا واحدا منهم يتحدث في وسائل الإعلام إلا بعد عشرة أيام من قيام هذه الثورة‏,‏ وجوه كثيرة تسابقت علي الشاشات المحلية والعالمية تتحدث باسم هؤلاء الشباب في بجاحة غريبة‏..‏ هؤلاء الذين صمتوا عشرات السنين ورقصوا علي كل الحبال ونافقوا كل العصور وحملوا كل أنواع المباخر أصبحوا فجأة يتحدثون باسم الثوار الشباب ويعرضون أنفسهم وقد باعوها من قبل ملايين المرات‏..‏ كان المشهد غريبا ونحن نري هذه الوجوه التي اعتدنا علي نفاقها وبجاحتها وهي تتصدر المشهد وتحاول القفز عليه وسرقة ثورة هؤلاء الشباب الأبرياء الانقياء‏..‏
‏‏ سرعان ما التقت المصالح بين أجهزة الدولة التي وجدت نفسها في حالة ارتباك وفراغ غير مسبوقة مع أحلام القيادات الحزبية المترهلة وكلاهما يحاول انقاذ الآخر من ثورة شباب مصر‏..‏ كان الهدف من الجبهتين أن تحافظ السلطة علي مواقعها وأن تحافظ الأحزاب علي مكاسبها وكانت الصفقات بين السلطة والأحزاب علي حساب هؤلاء الشباب‏..‏ سرعان ما اندفعت فلول الأحزاب لأن السلطة أبدت لهم شيئا من القبول والرضا‏..‏ وسارعت السلطة لاحتواء الموقف واستعادة صفوفها لمواجهة الموقف وللأسف الشديد أن هذه الصورة لم تقتصر علي الاحزاب التقليدية ولكن جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة التقطت الطعم وألقت بنفسها في هذا المشهد الغريب ونسيت كل ثوابتها القديمة وترك قادتها من شارك من شبابها في ميدان التحرير لتحاول تمرير صفقة للاعتراف بها من السلطة‏..‏ كان هذا المشهد تعرية كاملة للواقع السياسي القبيح في المجتمع المصري بكل رموزه‏..‏ أحزاب هرولت أمام أول إشارة للحوار‏..‏ وجماعة محظورة هرولت بحثا عن صك هزيل بالاعتراف أو الشرعية بينما وقف شباب الثورة في ميدان الحرية بكل شموخه يشاهد الكبار وهم يتسابقون نحو وليمة مسمومة‏..‏
‏‏ لم يتوقف المشهد عند هذا الحد من السقوط ولكن لجان الحكماء التي تسابقت إلي المشهد تقدم المقترحات والحلول أعطت لنفسها حقا أن تتحدث نيابة عن هؤلاء الشباب وهي لا تحمل تفويضا بذلك‏..‏ ودخلت الساحة مواكب الإعلاميين وأصبحنا جميعا فقهاء في الثورات والدساتير والقوانين واختفت خلف هذا كله ثورة الشباب‏..‏
نحن أمام مسرحية هزلية غريبة ومريبة‏..‏
نحن أمام جيل من الشباب الثائر ضد واقع يرفضه ونظام فشل في أن يوفر له حياة كريمة وأجيال بخلت عليه بكل شيء بل انها أعطت نفسها حق الوصاية ابتداء بالقرار وانتهاء بالحديث باسمه‏..‏ حدث هذا رغم أن هذا الجيل يملك شرعية المستقبل الذي هو حق له‏..‏ ويملك شرعية القدرات لأنه الأقدر في التعامل مع عصره‏..‏ ويملك شرعية الثورة التي حملها إلي الشوارع دون خوف أو حسابات أو صفقات أو مصالح ليقف أسبوعين كاملين ما بين الجوع والصقيع وقبل هذا رصاص الأمن وجمال وخيول وبلطجية الحزب الوطني‏..‏
نحن أمام جيل كل ما كان حوله أصابته أمراض التلوث ابتداء بالفكر وانتهاء بالهواء والطعام والسلوك‏..‏ نحن أمام جيل العشوائيات والصفقات وأصحاب الملايين من اللصوص وأصحاب العشش من الغلابة‏..‏ ورغم هذا التناقض الشديد في الواقع الاجتماعي والإمكانيات المتعارضة توحد في حب شيء واحد هو الوطن وخرج من أجل شيء واحد هو الحرية‏..‏ ومات من أجل شيء واحد هو العدالة‏..‏ جمعت العدالة بين هؤلاء الشباب رغم أن بينهم الغني الأكثر ثراء والفقير الأكثر حاجة‏..‏
إن أغرب ما في هذه القضية الآن أننا أمام أجيال في السلطة لا تريد أن تترك مواقعها‏..‏ وأمام أجيال في الأحزاب سواء كانت مشروعة أم محظورة لا تريد أن تترك الساحة لأجيال أحق منها وأمام أجيال تصورت أنها احتكرت الحكمة وصادرت المعرفة حتي ولو كان ذلك علي حساب المستقبل‏..‏
إن محاولة سرقة هذه الثورة خيانة لمستقبل هذا البلد‏..‏ ومحاولة إجهاضها كارثة سوف ندفع ثمنها مهما طال بنا الزمن‏..‏ ومحاولة تشويهها خطيئة سوف نحاسب عليها أمام الله يوم لا ظل إلا ظله‏..‏
وللأسف الشديد أننا ارتكبنا كل هذه الجرائم مرة واحدة‏..‏
من البداية حاول البعض إلقاء التهم والعمالة والخيانة والتآمر علي ثورة هؤلاء الشباب البريء النقي‏..‏ وعلي طريقة المؤسسات الأمنية الراحلة في إلقاء التهم وترتيب الجرائم ابتداء بالسياسة وانتهاء بحيازة المخدرات تبرع الكثيرون لتشويه ثورة هؤلاء الشباب‏..‏ قدمت البرامج التليفزيونية سواء في القنوات الخاصة أو الإعلام الحكومي قصصا وحكايات عن شبكات للتجسس وأموال للعمالة ومؤسسات خارجية تدير المعركة في ميدان التحرير وقدم التليفزيون المصري بكل مظاهر الفشل والتجني والارتباك فيه برامج مشبوهة لتشويه صورة أجمل الأجيال التي أنجبتها مصر وكأننا نقتل أبناءنا بأيدينا‏..‏ حتي الأحزاب السياسية حاولت تقديم صور مشوهة عن هؤلاء الشباب‏..‏ ربما كانت هذه الأحزاب تخفي فشلها العتيق لأنها لم تكن يوما قادرة علي تحريك جزء ضئيل من هؤلاء الشباب أو لأن هؤلاء الشباب كبروا خارج أرحام موبوءة في هذا المناخ الفكري والثقافي والاجتماعي المريض‏..‏
من البداية كانت نظرة المسئولين في الدولة لهؤلاء الشباب فيها الكثير من الغرور والتعالي والاستخفاف لأنهم مجموعة من الأولاد المارقين الخارجين علي المجتمع والشرعية ولهذا صدرت لهم الدولة من البداية قوات الأمن لتلحق بها أكبر هزيمة يشهدها الأمن المصري أمام هؤلاء الأولاد الذين استخف بهم المسئولون عندنا‏..‏ كنت أشاهد أحاديث المسئولين في الدولة والحزب الوطني ومجلس الشعب وقوات الأمن وأتعجب من هذا الأسلوب المريض في طريقة التعامل وهذا التعالي الذي يعكس فراغا نفسيا وفكريا وإنسانيا لا حدود له‏..‏ وأفاق المسئولون علي كارثة لأن فشل الأمن في المواجهة أصابه بحالة جنون غير مسبوقة فأطلق الرصاص علي شباب مصر المسالمين وأطلق عليهم مدافع المياه وهم يؤدون الصلاة ثم ترك عرباته المصفحة تهرس الأجساد وتحطم الجماجم وكانت هذه هي البداية الحقيقية لهذه الثورة‏..‏ الأغرب من ذلك أننا بخلنا علي هؤلاء الشباب بلقب الثوار وأن ما حدث يوم‏25‏ يناير ولمدة‏17‏ يوما لم يكن ثورة رغم أنه بالفعل ثورة حقيقية في كل قواميس الدنيا وأكبر شاهد علي ذلك أن أحداث ميدان الحرية التحرير سابقا كان الخبر الأول في كل فضائيات العالم ونشرات الأخبار ومانشيتات الصحف أسبوعين كاملين‏..‏
عندي كلمة أخيرة أوجزها في ثلاث نقاط‏..‏
‏‏ نحن أمام جيل يحق لنا أن نفخر به وواجبنا أن نسلم له الراية لأنه صاحب المستقبل الحقيقي وان نأخذ مواقعنا خلف هذا الجيل سواء كنا في مواقع السلطة أو كنا أحزابا أو حكماء أو مدعي حكمة لان اغتيال هذا الجيل وإجهاض هذه الثورة جريمة سوف ندفع ثمنها أمام الله وأمام التاريخ‏..‏
‏‏ لا ينبغي أن نقف أمام ميدان التحرير ونتصور أننا نري الصورة كاملة حيث يتجمع حكماء القاهرة ورؤساء أحزابها النائمة وشيوخ الزفة الباحثون عن دور وسط هذا المشهد المهيب‏..‏ في كل محافظات مصر الآن شباب ثائر يبحث عن حقه في حياة كريمة وهو بالفعل صاحب الحق الأصيل‏..‏
‏‏ منذ سنوات بعيدة ونحن نبحث عن تمثال يتوسط ميدان التحرير سابقا الحرية الآن‏..‏ وعندي اقتراح بسيط أن نقيم في وسط الميدان نصبا تذكاريا لشهداء ثورة‏25‏ مايو نضع عليه أسماء هؤلاء الشهداء وأنا علي يقين أنهم أكثر عدد من‏350‏ شهيدا ذكرهم تقرير الأمم المتحدة ليت أحد رجال الأعمال يكفر عن سيئاتهم ويتولي هذه المسئولية‏..‏
من الأفضل لنا كجيل يحب هذا الوطن ويؤمن بمستقبله أن نسلم الراية راضين بدلا من أن نسلمها رافضين ساخطين‏..‏ وجيل ثورة يناير هو الأحق الآن بأن يتصدر المشهد ونحن خلفه بالحب والعرفان والنصيحة‏..‏
نحن أجيال شبعت من المناصب والكراسي والصفقات والأموال والهزائم والخسائر والمكاسب والأضواء والحكمة الزائفة وجاء الوقت لكي يتقدم الصفوف جيل أكثر علما بروح عصره‏..‏ وأكثر طهرا ونقاء بحكم عمره‏..‏ وأكثر استعدادا لبناء مصر المستقبل التي نحلم بها لا تجهضوا أحلام هذا الجيل كما أجهضهم أجيالا كثيرة قبله‏..‏
ألا قد بلغت اللهم فاشهد‏..‏
ثمن الرصاصة يشتري خبزا لنا
إلي شهداء ثورة‏25‏ يناير
وحدي أنام علي ترابك
كفني عيني
بضوء من رحيق الفجر
من سعف النخيل
فلكم ظمئت علي ضفافك
رغم أن النيل يجري
في ربوعك ألف ميل
ولكم حملت الناي
في حضن الغروب‏..‏
ودندنت أوتار قلبي
رغم أن العمر منكسر ذليل
لا تعجبي
إن صار وجه الشمس
خفاشا بعرض الكون
أو صارت دماء الصبح
أنهارا تسيل
فزماننا زمن بخيل
لا تسألي القناص عن عيني‏..‏
ولا قلبي‏..‏ ولا الوجه النحيل
ولتنظري في الأفق
إن النهر يبكي
والخيول السمر
عاندها الصهيل
لا تسأليني
عن شباب ضاع مني
واسألي القناص‏..‏
كيف شدوت أغنية الرحيل ؟
إني تعلمت الحنان علي يديك‏..‏
وعشت أحمل وردة بيضاء
كالعمر الجميل
الناي أصبح في الضلوع رصاصة
والوردة البيضاء‏..‏
في عيني قتيل
مدي يديك إلي‏..‏ إني خائف
ولترحمي ضعفي
جنوني‏..‏
وارحمي الجسد الهزيل
‏‏
وجهي ينام علي ترابك كفنيه
لا تتركيه لنشوة القناص‏..‏
حين يطارد العصفور في سفه‏..‏ وتيه
لا تتركي الابن القتيل‏..‏
يموت موجوعا بنشوة قاتليه
ولترحمي وجهي
فكم صلي علي أعتابك
جناتك الخضراء تلفظه
وينكره ترابك
لا تنكريه فإن هذا الوجه
يحمل لون طينك‏..‏
حينما كانت خيول المجد
تركض في رحابك
لا تتركي عيني لشمس الصيف تأكلها
فكم حملت بشائر أمنياتك
ولتستري جسدي
فكم نبتت علي أعشابه الخضراء
أحلي أغنياتك
لا تتركيني في العراء
أصارع الغربان وحدي‏..‏
بعدما أكلوا رفاتك
‏‏
إني حلمت ككل أطفال المدينة‏..‏
في ليالي العيد
وحلمت باللعب الصغيرة‏..‏ والحذاء‏..‏
وقطعة الحلوي
وبالثوب الجديد
وحلمت يوما‏..‏
أن أكون الفارس المغوار
يغرس في ربوعك
كل أحلام الوليد
زمن سعيد
وطن مجيد
أمل عنيد
لكنني أصبحت في عينيك‏..‏
كالطير الشريد
يساقط الزغب الصغير علي التراب
جناحي المكسور
ترصده البنادق من بعيد
لم تسألي العصفور
كيف يموت في فمه الغناء ؟
لم تسأليني كيف أهجر ثدي أمي
ثم تغرقني الدماء ؟
لم تسأليني
ما الذي جعل العصافير الصغيرة‏..‏
تكره الأشجار تأوي للعراء ؟
الجوع‏..‏ والحرمان‏..‏ والأمل اللقيط‏..‏
صقيع أيامي‏..‏ وأحزان الشتاء
فأنا غريب فيك‏..‏
لا أمل لديك‏..‏ ولا رجاء
الآن صدرك في عيوني
أضيق الأشياء
الآن وجهك في عيوني
أصغر الأشياء
الآن قلبك عن عيوني
أبعد الأشياء
حتي الدعاء نسيته
حتي الدعاء
‏‏
يا أيها القناص
ثمن الرصاصة يشتري خبزا لنا
وشبابنا قد سال نهرا من دماء بيننا
لم لا يكون سياج أمن حولنا
هذا الوطن ؟
لم لا تكون ثماره ملكا لنا ؟
لم لا يكون ترابه حقا لنا ؟
يا أيها القناص‏..‏ أنظر نحونا
ستري بطونا خاويه
وتري قلوبا واهيه
وتري جراحا داميه
فالأرض ضاقت‏..‏
ليس لي فيها سند
والناس حولي
لا أري منهم أحد
حتي الجسد
قد ضاق بي هذا الجسد
‏‏
لم تسأليني قبل أن أمضي
لماذا غاب ضوء الشمس عن عيني
وأغرقني ظلامي ؟
لم تسألي جسدا هزيلا مات جوعا
كيف تأكلني عظامي ؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الفراشات الجميلة
في جبين الفجر تبدو كالجراد ؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الصباح
الأبيض المفتون يكسوه السواد ؟
لم تسأليني
كيف تنبت في بلاد الطهر
أزمنة الفساد ؟
لم تسأليني
كيف كان الماء
يجري فوق عيني‏..‏
ثم يقتلني العطش؟
لم تسأليني أينا أقسي
وليد ضاق‏..‏
أم أب بطش ؟
لم تسأليني
ما الذي جعل اليمام يصير ثعبانا‏..‏
ويشرب من دمك ؟
لم تسأليني
ما الذي جعل الشعاع
الأخضر المنساب
يقتل أنجمك ؟
لم تخبريني
من إلي سوق النخاسة أسلمك ؟
مازلت كالمجنون في حزن أسائل‏:‏
هذي الحقول الخضر
كيف تكسرت فيها السنابل ؟
هذي العقول الخضر‏..‏
كيف تفجرت فيها القنابل ؟
‏‏
إني أحبك‏..‏ صدقيني
رغم أن الحزن في قلبي
مليك ظالم
فالسجن بيتي‏..‏
والأسي سلطاني
كم نمت واليأس العنيد يهزني
فإذا صحوت أراه في أجفاني
كم همت في صمت الشوارع
أسأل القطط اللقيطة‏..‏
عن بقايا الخبز‏..‏ عن عنواني
كم طفت فوق موائد الطرقات
تلفظني الشوارع مرة‏..‏
ويعود يلقيني طريق ثان
لم تسأليني مرة‏..‏
من يا تري أبكاني ؟
لم تسأليني كيف أصبح
حزن هذا الكون من أحزاني
لم تسألي الوطن الجميل وقد نمت
في وجهه الأحقاد كيف رماني ؟
حقي عليه رغيف خبز آمن
وكرامة الإنسان للإنسان
عبثت بنا أيدي الزمان‏..‏ وأظلمت
فينا القلوب‏..‏ وليلها أعماني
عمر لقيط‏..‏ وارتعاشة عاجز
وأنين بطن‏..‏ وانكسار أماني
تلك الرؤوس تهيم في أوكارها
ويصيدنا القناص كالفئران
فأنا شهيدك رغم أني عاشق
ودمي حرام‏..‏ واسألي سجاني
قد جئت يا أمي
لأطلب ثوب عرسي
من يديك بفرحتي
أعطيتني‏..‏ أكفاني

المزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.