كعادته يقدم الفنان القدير صلاح السعدني أعمالا درامية تتناول قضايا المجتمع ومشاكله ولكن بشكل سلس ليصل لعقل المشاهد البسيط دون شعارات ولكن فوجئنا به يتخذ طريقًا آخر ربما يراه أقصر لمحاولة حل مشاكل مجتمعه بدلا من عرضها في المسلسلات حيث تقدم مؤخرًا بمشروع لوزير التربية والتعليم لإعادة المسرح المدرسي والأنشطة الثقافية والرياضية لطلاب المدارس عن طريق عمل اتفاقية بين وزارة الثقافة والتعليم والشباب والرياضة من خلال لجنة برئاسته ومكونة من نور الشريف ومحمد صبحي وعن تفاصيل هذا المشروع وأمور أخري دار هذا الحوار: في البداية ما الذي دفعك للقاء وزير التربية والتعليم أحمد زكي بدر؟ - أحمد زكي بدر صديق شخصي وأحترمه جدًا ومن الطبيعي أن أطمئن عليه عقب اجرائه عملية جراحية، ولكني انتهزت الفرصة وتناقشت معه حول قضية تشغلني وأري أنها خطيرة جدًا وهي مسرح المدرسة أو بمعني أعم النشاط المدرسي الذي اختفي بعد أن اكتشفنا أن المسارح المدرسية أصبحت لا تستخدم لطلاب المدارس ووجدنا أن المسئولين عن التنظيم في المدرسة يقومون بتأجير المسارح لحسابهم «والعيال» لا تمارس أي نشاط وهذا له أثر سلبي جدًا ظهرت آثاره علي كل الأجيال التي تخرجت مؤخرًا. ولكن لماذا قمت بالتركيز علي مدرسة السعيدية فقط؟ - هذا غير صحيح وما نشر في بعض الصحف بهذا الشأن خطأ، والحقيقة أن المشروع الذي تقدمت به للوزير كان لإعادة النشاط الفني والثقافي والرياضي والمسرحي لكل مدارس مصر ولكني تحدثت مع الوزير بشكل ضمني علي مدرسة السعيدية كمثال فقط خاصة إنني عضو في جمعية خريجي السعيدية الثانوي وأصدقائي طلبوا مني أن أهتم بالأمر كما أنني لم أكن جاهزًا للحديث في الأمر من خلال إعداد ورقة منظمة واكتشفت أن الوزارة متعاقدة مع إحدي شركات المقاولات الكبري لإعادة بناء وتأسيس مدرسة السعيدية بعد أن طلبت المجموعة من الشئون التعليمية أن ترشح لها مدرسة لتأسيسها من جديد واختيار مدرسة السعيدية بالتحديد لأنها تأسست عام 1906 أي أنها أقدم من النادي الأهلي بعام كما انها أنشئت في فترة التنوير المصرية بداية القرن العشرين والمهم أيضا أنها كانت تضم ناديا متكاملا به كرة قدم وطائرة واسكواش وتخرج فيها بطل العالم للاسكواش وكان يسبقني بعام واسمه عبد الواحد عبد العزيز وللأسف هذه المدرسة تم تخريبها وأصبحت تستخدم لأشياء أخري وهذا في منتهي السوء لذلك يتم حاليًا اعادة اصلاحها بل واستحداثها علي أفضل مستوي بميزانية تبلغ عشرات الملايين. ولكن الميزانية المخصصة للتعليم موجهة لأمور كثيرة ليس من أهمها إصلاح المسارح فهل فكرت في حل للميزانية؟ - أعرف جيدًا أن وزارة التعليم ملتزمة بميزانية محددة وليست أحوالها المادية جيدة مثل الظروف الاقتصادية في البلد ولكن هذه الأنشطة أكثر أهمية من أمور أخري كثيرة فهذه المسارح والأنشطة الفنية والثقافية هي المسئولة عن تخريج مواطن سوي وصحيح نفسيًا وجميعنا تخرجنا في هذه المسارح أنا ومحمد صبحي وعادل إمام وسعيد صالح ومحمود ياسين وحتي كبار الكتاب والصحفيين ونعرف أن الظروف سيئة ولكننا نحاول أن نمد أيدينا للمدارس ونساعد هذه الأجيال بعد أن أصبح سلوك الشباب غريبًا ودرجة استجابتهم للإغراءات والأفكار الغريبة والتيارات الموجهة أصبحت مرعبة كل هذا لأنه لم يتم تنشئتهم بشكل متكامل فهم لم يلعبوا جيدًا ولم يمارسوا أنشطة ثقافية وفنية ترتقي بأخلاقهم وسلوكهم. وكيف ستبدأ في تنفيذ المشروع؟ - قلت للوزير إنني سأقوم بتشكيل لجنة مكونة من الفنان محمد صبحي والفنان نور الشريف والدكتور أشرف زكي وسوف أجلس معهم لنعد مشروعًا لعمل جسر للتواصل والتعاون بين وزارة الثقافة والتعليم والشباب والرياضة، وفكرت لماذا لا تكون هناك اتفاقية بين وزارة التعليم والثقافة لنرسل طلابنا للمسارح الحكومية وهي خاوية حتي نعلم الأطفال الذوق والجمال ونثقفهم وأشعر بتفاؤل يجعلني أنا وزملائي نستطيع الوصول لاتفاقية بين كل هذه الجهات لنلحق طلاب المدارس ليكونوا أجيالا واعية ومتزنة فلابد من عودة حصص الرسم والموسيقي والألعاب والمعامل فهذه لا تقل أهميتها عن الكتاب المدرسي. ولماذا اخترت هذا الوقت بالتحديد؟ - بعد تفكير وجدت أن الأمور لن تنصلح إلا إذا بدأنا الإصلاح من الجذور وانتهزت الفرصة بوجود وزير تعليم مجتهد واعتبره من أفضل وزراء التعليم الذين تولوا المهمة في مصر. البعض يستبعد اهتمام زكي بدر وزير التعليم بالمسارح والترفيه خاصة إنهم يصفونه بأنه عنيف بعض الشيء، كيف تري مستقبل مشروعك في وجوده؟ - عايزين وزير قوي وملتزم بقراراته وللأسف هناك من يريدون تدمير أي تجربة ناجحة في مصر اتركوا وزير التعليم يمارس عمله لأنه رجل واع جيدًا فهل يهاجمونه لأنه يستيقظ من النوم في السادسة صباحًا ويقوم بعمل جولات مفاجئة ويعاقب المقصرين، أنا واثق أن المشروع سيتم لأنه واجبنا جميعًا تجاه البلد. ما دمت تسعي لحل بعض الأزمات التي تواجه البلد، لماذا لم يكن ذلك من خلال ترشيح نفسك في مجلس الشعب مثلما فعل بعض النجوم مؤخرًا. - في عام 84 طلب بعض المسئولين في الحزب الوطني أن انضم للحزب وأقوم بترشيح نفسي في الانتخابات وللأسف رفضت لأنني كنت في ذلك الوقت مشغولاً باهتمامات أخري وتم غلق الموضوع وقتها، أما مسألة عملي بالسياسة فكان من الممكن أن أتحمس له عندما كان عمري 35 سنة وقتها كنت أقدر علي العطاء لأسباب كثيرة من بينها الصحة، ولذلك أري أن اليوم توجد أجيال جديدة وشباب أقدر مني علي العطاء. ما سبب هجومك علي مسلسلك الأخير «بيت الباشا» الذي عرض في رمضان؟ - هذا الرأي لم يخرج مني في لحظة غضب، ولكن بالفعل أنا غير راض عن المستوي الذي ظهر به المسلسل لأني وقت اختياره وتحضيره توقعت أن يخرج بصورة أفضل من ذلك، وأري أنه كان يحتاج مزيدًا من التركيز. ولكن البعض انتقد موقفك واعتبره تخليا عن عمل قدمته أو طريقة للهروب من المسئولية؟ - كيف يفكر البعض بهذه الطريقة، إذا كنت أحمل نفسي المسئولية وأقول إنني لست راضيا عن نفسي وعن مسلسلي ولا ألقي المسئولية واللوم علي أحد خاصة أنني اعتدت علي الشفافية فلن أقول إن مسلسلي حقق نجاجًا منقطع النظير. لماذا اخترت سيناريو عن سرقة الآثار في هذا الوقت بالتحديد؟ - السيناريو والذي كتبته السيناريست سماح الحريري جذبني لعالم حقيقي ومهم جدًًا خاصة بعد أن أصبحت أقرأ بشكل شبه يومي عن شباب يجرون وراء وهم التنقيب عن الآثار وأصبح كل واحد منهم يترك عمله ويذهب للمقابر للحفر تحتها بحثا عن أثار لدرجة إنني سمعت عن رجل قام بشراء مقبرة ب600 ألف جنيه ظنا منه أنه سيجد أسفلها تماثيل وآثار بملايين وهذا جعلني منشغلاً جدًا بالبحث وراء هذه الظاهرة لمحاولة الكشف عن أسبابها التي حولتها لظاهرة متتالية. وفي رأيك ما السبب وراء هوس الشباب بأوهام مثل البحث عن الآثار؟ - لأن هؤلاء الشباب لم يعد أمامهم حلم يتمسكون به لذلك أصبح أي نصاب يتمكن من أن يخدعهم ويدعي أنه شيخ وهو «حرامي» يملؤهم بالأمل في الحصول علي الزئبق الأحمر كما يقولون للوصول للآثار والثراء السريع وهذا ليس لعيب في الشباب بل علي العكس الدنيا تسير للأمام. ولكن أيامنا كانت أفضل حيث كنت اتقاضي 18 جنيهًا في الشهر أنا وعادل إمام وكنا نستطيع نعيش بهما ونشتري الثلاجة بقسط ثمانين قرشًا في الشهر ولكن اليوم الحياة أصعب والظروف قاسية علي الشباب. دائما يتم اتهام هذا الجيل بالكسل والتواكل فما رأيك؟ - هذا غير حقيقي هذا الجيل أحسن من جيلي، علي الأقل فهو مثقف ومتطور وبارع في التكنولوجيا والإنترنت بعكس جيلي فأنا حتي اليوم لا أفقه شيئًا في الإنترنت وعندما احتاج لمعلومة أطلبها من أبنائي وأحفادي ولكن كل جيل يعيب في الجيل الجديد فمثلا الجيل الأكبر كان يصفنا بأننا خنافس ويتهمنا بالفشل وهذه مقولة قديمة وغبية فالدنيا «طالعة» للأمام وهذه حكمة الله، الشباب هم الأفضل وهم الأمل ولكنهم يحتاجون للمساعدة حتي يستفيدو. من النهضة التي يعيشها المجتمع فالاقتصاد المصري بخير ولكن لابد أن نحميه ممن سرقوا قروض البنوك. صرحت من قبل بأنك كنت تتمني العيش في العصر الفرعوني ما السبب؟ - هذا حقيقي وأنا صغير وقبل أن أصل للعاشرة من عمري كان هناك حلم يراودني علي مدار ست سنوات حيث بمجرد أن أخلد للنوم علي السرير كنت أري نفسي أعيش وسط الفراعنة وأرتدي ملابسهم ولكن الغريب هو إنني كنت أسير في الحلم بظهري دائما وتفسيري لهذا الحلم بعد أن كبرت هو لأنني كنت قد قرأت كتبًا ترجمها سليم حسن عن العصر الفرعوني وأتذكر أنني كنت دودة قراءة وهذا جعلني مغرمًا بهذا العصر حتي اليوم. وهل لشقيقك الراحل الكاتب الكبير محمود السعدني دور في نشأتك الثقافية؟ - مما لا شك فيه أن لهذا الرجل الفضل في كل شيء في حياتي وتعلمت منه أشياء ومبادئ وصفات جميلة كما أدين له بأنه قام بتربيتي وسط حشد هائل من الأصدقاء المثقفين ومن بينهم عبدالرحمن الخميسي الذي قمت بالتمثيل في فرقته وأنا في المرحلة الثانوية بجانب محمود أمين العالم وإحسان عبدالقدوس بعد أول رواية قدمتها له بعنوان «لا تطفئ الشمس» ولا أنسي ما قام بكتابته عني منذ حوالي 44 عاما في «روزاليوسف» وقال إن الفنان محمد رضا آخر ولاد البلد وابن البلد في الجيل المقبل هو صلاح السعدني بالبنطلون الجينز والكوتشي. انتشر في الدراما شخصية الرجل المزواج وأنت من النجوم الذين قدموا هذا النموذج في «بيت الباشا» هل هذا ترويج لفكرة تعدد الزوجات بسبب أزمة العنوسة؟ - ليس هناك هدف فالسيناريو مكتوب بهذا الشكل ومن الطبيعي أن يكون تعدد الزوجات إحدي صفاته وهذا جانب كبير من دراما المسلسل حيث لا تقتصر الأحداث علي عمله في الآثار وتجارته وسطلته ولكن أيضا الجانب الإنساني وكيفية تعامله مع أولاده ونظرته لكل مشكلة تواجههم وهذا شق مهم جداً في الأحداث. وفي نظرك ما هي المشكلة الأساسية التي يعاني منها الفن المصري؟ - للأسف لم يعد لدينا الكثير من الكتاب الموهوبين وهذه هي الأزمة الحقيقية التي يعاني منها الفن المصري سواء كان في السينما أو حتي التليفزيون وفي الماضي كان لدينا كتاب مسرح عظماء من بينهم محمود السعدني ومحفوظ عبدالرحمن وسعد الدين وهبة وعبدالرحمن الشرقاوي وآخر هؤلاء العباقرة وحيد حامد ولكن للأسف إنتاجه لم يعد غزيرا حيث ظل يكتب في سيناريو الجماعة ما يقرب خمس سنوات وكذلك الأمر بالنسبة لمحمد جلال عبدالقوي ولكن اليوم لم يعد لدينا زخم في المواهب وعندما نتحدث عن الموهوبين لابد أن نعلم أن المواهب الحقيقية هي التي يرسلها ربنا ولا لأحد يد في ذلك فاليوم قوة مصر الفنية تتلخص في الممثلين المصرين. ولماذا تقاطع أفلام الشباب مادمت متحمساً لهم إلي هذا الحد؟ - عمري ما كنت ممثلاً سينمائيا بالفعل قدمت مجموعة أفلام جيدة كما يصفها البعض ولكن من يتم سؤاله عن السينما وحالها فنان مثل محمود ياسين فهو ممثل سينمائي بالدرجة الأولي وعمري ما كنت منافس له ولنجوم السينما الآخرين كما أن السينما طوال عمرها للشباب وليست للعواجيز أمثالي. ومن الممثل الذي يعجبك اليوم وتعتبره امتدادًا لجيلك؟ - أنا لا اعترف بما يقوله البعض عن الخليفة والوريث في الفن ولكن ما استطيع التأكيد عليه هو إننا لدينا ممثلون عظام وخاصة نجوم الكوميديا مثل محمد سعد وهو ممثل قوي وأشرف عبدالباقي وأحمد آدم وهنيدي طبعاً وأحب أيضا كريم عبدالعزيز والسقا وأتابع أعمال النموذجين خالد الصاوي وخالد صالح ومحمد شومان و«بموت» في ياسمين عبدالعزيز. ولكن الفنان عادل إمام ينتمي لجيلك ومازال يقدم أفلاما ويتربع علي عرش الإيرادات؟ - عادل إمام ممثل استثنائي ولم يستطع أي فنان أن يصمد بكل هذا النجاح لمدة ثلاثين عاماً غيره لذلك اعتبره أهم وأفضل من يوسف وهبي ونجيب الريحاني فهو أعظم الممثلين في تاريخ السينما المصرية بلا منافس ولذلك بالرغم من الهجوم الشديد الذي تعرض له في مشواره لم يستطع أحد أن يوقف نجاحه.