رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيطان شخصية ألعبانية لم أترك لها فرصة للتلاعب بحياتي "5"
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 09 - 03 - 2010

ْالله. لطالما شغلني البحث عنه وانتظار يقين به لا شك بعده. لطالما شغلت أصدقائي، المؤمنين منهم والملحدين، بالكلام عن الله. وبالتجربة، قبل المعرفة، يمكنك أن تهتدي لما تبحث عنه ولو كان إبرة في كومة قش. تجربتك تقودك، عاريا مجردا ًإلا من فطرتك، إلي "الحقيقة التي قد يستحيل إثباتها بأدلة عقلانية ملزمة، ومع ذلك فهي الحقيقة التي أنت علي يقين منها، لأن ثمة أدلة عليها من تجربتك الذاتية". كما يقول إريك فروم. ويسين أزاح الميتافيزيقا من سكته، لكنه لم يبطل عمل البصيرة. ولأنه لم يعد يطمئن لي، لن أسترسل، سأتركه يتذكر. كم هو شكاك هذا الرجل:
نعود للإمام الغزالي، يقول: ثم لما أحسست بعجزي وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلي الله تعالي التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، وسهل علي قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأولاد والأصحاب". بشكل أو بآخر، أشعر اليوم بالذات أنك صوفي، رغم صرامة تكوينك ومنهجيتك العلمية في التعاطي مع الأمور.
- أغلب نشاطي العقلي يدور في مجال البحث العلمي بفروعه المختلفة. لا تشغلني قضية الله طوال الوقت، في الأزمات يبدو وجود الله ملحاً، جزءاً من عملية الشفاء من الأزمة. وأحياناً، في غمار الحظ، حيث توفق في أشياء وتخفق في أشياء، فستدعي الله سبحانه وتعالي، حين يتجاوز ما أنت فيه قدراتك، وتجد أن هناك من يخطط لك.
في الأزمات، أو في لحظات التحول، تري التفسير المباشر لله؟
- لا أري الأشياء علي هذا النحو، ليس هذا في ذهني دائما ً، كما قلت لك، إنما في لحظات التحول تواتيني فكرة أن هذا توفيق من الله أنه ساعدني في الخروج من الأزمة، أو دلني علي الشيء الفلاني.
استمراراً للحديث عن الله، يقرر أفلاطون أن إدراك العقل لعالم ما وراء الطبيعة، إنما هو نتيجة لعملية قياسية ذهنية تري غيرالموجود قياسا ًعلي الموجود، كيف حللت أنت مشكلة الميتافيزيقا؟
- الميتافيزيقا مشكلة فعلا ًأنا تأثرت بكتاب زكي نجيب محمود "خرافة الميتافيزيقا".
في طبعة لاحقة غير العنوان إلي "موقف من الميتافيزقا"؟
- نعم وتأثرت بالفلسفة الوضعية التي كان يقول بها كان ميلي للعلم لا الميتافيزيقا العلم منضبط والميتافيزيقا عشوائية إلي حد كبير لا حدود لها من الأفكار التي تبدو منطقية، أول الأمر عن الحياة بعد الموت إلي الخرافات بعد ذلك وفي حالة رجل مثلي يشغله المنطق العلمي من الطبيعي أن أنحي الفلسفات الصوفية أو مبحث الميتافيزيقا جانبا فهي بعيدة عن مزاجي.
انتهي أرسطو في بحثه عن الله بأن للعالم مبدعا ًلا تدرك صفته العقول من جهة جوهره، وإنما يدرك من جهة آثاره، وهو الذي لا يعرف اسمه، فضلاً عن شخصه إلا من جهة أفاعيله وإبداعه؟
- ذهبت إلي القرآن ،إلي آيات الله في الآفاق فهي الدليل الحاسم علي وجوده القوانين التي تدير الكون قوانين خفية لم يكتشف البحث العلمي إلا القليل منها: الكهرباء كانت موجودة قبل اكتشافها، والفيمتوثانية كانت موجودة ولكن لم تكن هناك أدوات للكشف عنها إذن الكون مليء بأسرار لا نعرفها من هنا، وتحت تأثير القرآن أنت تستدل علي الله بآثاره وساعات تشك في وجوده، حين تشتد المظالم بشعب ما وتتساءل عن العدالة الإلهية. هتلر انتحر وعوقب في حياتنا، فلماذا لا نري ذلك يحدث للحركة الصهيونية الوحشية التي ترتكب المذابح في فلسطين كل يوم، ونحن عاجزون ننتظر تدخل السماء في مثل هذه اللحظات لابد أن تسأل: أين الله؟ يشترك في هذا العامة مع الخاصة. بالمناسبة نريد شفاء صدور قوم مؤمنين، ولهذا أكرر أنه لا يوجد يقين مطلق، ولا إنكار مطلق يتجاذبك الشك والإيمان في رحلة بحث لا تنتهي عن الله.
قالها السيد يسين وقد خمدت أنفاسه كأنما يستنجد بي لأكف عن السؤال لا يعرف أنني ألوذ به وبكل تجربته
لأعرف هل يمكننا ،للمرة الأخيرة إثبات الله، ولكن هل هذا ممكن؟. إن كل جيل بل كل فرد يجرب حظه وأدواته في البحث عن الحقيقة في رحلة لا يرتاح المرء فيها إلا ببلوغ الشاطئ سعيد من يبلغه مع ذلك عدت أسأل عن عالم ما وراء الطبيعة... العالم الذي كثرت فيه هزائم العقل.
- عالم الميتافيزيقا فيه اختفاء للعقل ، العقل يخلي دوره لمنطق آخر، لكي تؤمن بالميتافيزيقا لابد أن تلغي عقلك قد تستبدله باليقين الديني وهذا موضوع آخر.
دعنا نعد للإخوان المسلمين، وقد انضممت لهم عام 1950 سؤالي عن خط سير العلاقة بينهم وبين الأنظمة كان هذا الخط متعرجا ًوعنيفاً، دائما. ما تقييمك ل"حسن البنا" ودعوته التي تملك الكثير الآن من أوراق اللعبة في الشارع.
- الشيخ حسن البنا كان شخصية كارزمية، كانت لديه عبقرية تنظيمية، استطاع أن يخلق من جماعة صغيرة أنشأها في الإسماعيلية، تنظيماً امتد إلي أسوان شبكة مترابطة تلتزم بأوامره حركة الإخوان كانت قوية جداً في البداية، لأنها ركزت علي الدعوة، أما حين تشكل الجهاز السري فقد لقيت حتفها وانقلبت علي مؤسسها. بذور الخطيئة بذرت منذ البداية للأسف القاعدة العامة للإخوان لم تكن تدري أي شيء عن الجهاز السري الذي تمرد علي البنا نفسه وهذه قاعدة معروفة في العالم.. أن الأجهزة السرية تتوحش إدجار هوفر، رئيس الf b I في أمريكا، كان يرعب كل الرؤساء الأمريكيين مما يؤكد توحش، أجهزة المخابرات دائماً تتوحش علي السلطة وتسيطر عليها كانت هذه بداية مشكلة الجماعة والمشكلة الأخري مع الإخوان كانت معرفية فهذه الجماعة ليس لديها مشروع فكري أو وثائق يمكن مناقشتها هناك رسائل الدعوة والداعية للشيخ حسن البنا، وهذه رسائل بسيطة ما عدا ذلك لا يوجد سوي أفكار سيد قطب التكفيرية وبينهما فراغ موحش ،عندما كنا ندرس في مدرسة الدعاة، شعبة محرم بك والعطارين كانت كتب الشيخ الغزالي هي المقررة علينا. العدالة الاجتماعية في الإسلام لسيد قطب كتاب ممتاز ولكن كانت هناك كتب "المودودي" استعانوا بفكر هذا الرجل، لأنه لم يكن لديهم شيء آخر ليس كل ما لديهم شعار "الإسلام هو الحل" وأشياء من هذا القبيل، عندما فكروا في إنشاء حزب سياسي وطرحوا المشروع منذ عام أو أكثر، أرسل لي المرشد العام الأستاذ مهدي عاكف ، ولغيري من المثقفين المصريين، نسخة من هذا المشروع، هذا شيء إيجابي للنقاش والحوار، دعك من ولاية الأقباط وموقفهم من المرأة، أخطر ما في المشروع هو تشكيل مجلس أعلي للفقهاء تعرض عليه قرارات رئيس الجمهورية وقرارات المجالس النيابية.
ولاية الفقيه؟
- بالضبط، وقد سميتها بالفعل "ولاية الفقيه علي الطريقة السنية"، وسألت فضيلة المرشد، تليفونياً، فليست بيننا معرفة مباشرة، هل يعقل بعد سبعين سنة أن يحكمنا نظام كهذا، ثم من هم هؤلاء الفقهاء، قال لي: ساعدونا أنتم في تحديدهم، قلت: حتي لو ساعدناك، لا يجوز هذا يا فضيلة المرشد! هذه مسألة مضادة للديمقراطية الخلاصة أنهم لا يملكون مشروعاً فكرياً.
ولكن هذا لايبرر للسلطة البطش بهم في كل العصور؟
- هذه جماعة انقلابية تريد قلب النظام العلماني وتحويله إلي دولة دينية. ولذلك لابد أن يحدث صدام بينهم وبين النظام في أي مكان في العالم يحدث هذا.
إذن أنت تبرر تقييد حريتهم بدعوي المحافظة علي النظام؟
- أنا أبررمعاملتهم بالقانون ولا تنس أنهم جماعة محظورة.
كلمني عن تجربة الخطابة أثناء انضمامك لهم؟
- خطيب الإخوان كانت لديه وسائل عصرية يجتذب بها الناس، غير خطباء الأزهر، أولاً، لابد أن يكون قادراً علي الارتجال ،ولديه القبول، ثم أن تكون موضوعاته عصرية.
يحمل الدين ذوو القلوب الوديعة ومحبو القسوة والاضطهاد أي نوع كان الإخواني علي أيامك؟
- كان الإخوان من دعاة الدعوة الهادئة، الذي افسد دعوتهم هو الجهاز السري، كما قلت لك أما القاعدة العريضة فكانوا أناساً بسطاء. في الخمسينيات كان الإخوان منفتحين، لم تكن هناك تقسيمات المسلمين والأقباط أو شيء مثل هذا ولم تكن هناك فواصل دينية في الحركة الطلابية كان هناك حوار بين مختلف الانتماءات.
وكيف تقيم سيد قطب؟
- شخصية فريدة، بدأ ناقدا أدبيا وانتهي تكفيرياً، حضرت محاضرة له أثناء انضمامي للإخوان. كانت لديه هو الآخر هذا الحضور الكاريزمي ولكن لم ننتبه إلي أن بذور فكره الإرهابي كانت مبثوثة "في ظلال القرآن"، رغم منهجه العقلي في التفسير، كان يستنطق النص بطريقة أبعد ما تكون عن الخرافات، ولكن بذور نظريته في تكفير المجتمع بدأت مع هذا الكتاب، ظننت أن كتابه الآخر، الذي لم أعد أذكره.
معالم في الطريق؟
- ظننت أن نظريته في هذا الكتاب، الخلاصة أن الجماعات الإسلامية خرجت من معطفه، هو منظر العنف الإسلامي، وتأثيره فاض عن الحدود المصرية. خطورة سيد قطب أن لديه نظرية متكاملة في تكفير المجتمع.
لقد حاول فهم القرآن بطريقته، أصل النظرية هو آيات القرآن، ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون أو الظالمون، أو الفاسقون؟
- هذا ما أسميه التأويل المنحرف للقرآن لأنه كما قال علي بن أبي طالب ، حمال أوجه يمكنك أن تؤول الآية الواحدة تأويلات مختلفة.
وما الذي يؤدي، في رأيك ،إلي انحراف التأويل؟
- لا تنس تجربة الإخوان المؤلمة في المعتقلات ، خاصة أيام عبدالناصر، لاقوا عنتا ًشديدا ً، فمن كان منهم متطرفاً، زاد تطرفه، ومن كان مترددا، وجد المبرر للتطرف أعتقد أن هذه الخبرة قد أثرت في هذا الجيل وفي الجيل اللاحق عليه.
ماذا يبقي من سيد قطب؟
- العدالة الاجتماعية في الإسلام.
هل وجدت في الماركسية التي كانت مودة جيلك ما يشبع روحك؟
- وجدت فيها ما أشبع عقلي، وجدت فيها نظرية متكاملة. خطورة الماركسية في تكاملها المعرفي، لديها نظرية عن المجتمع وانقسامه إلي طبقات، فيها نظرية عن القيم، فيها نظرية عن الأخلاق، فيها نظرية عن القانون، وعن الأدب، وعن الفن، فيها هذا التكامل المعرفي، سنة 1956 افتتحت في الإسكندرية مكتبة جديدة اسمها مكتبة "الشرق" أذكر أني اشتريت منها كتاب بليخانوف الشهير "النظرة الأحادية للتاريخ"، وكتاب "تشيرنيفسكي" عن علاقة الفن بالواقع، كان فتحا ًبالنسبة لي. نظرية الماركسية في القانون أن التشريع يعبر عن مصالح الطبقة السائدة في المجتمع ومسألة كيف أن القيم تختلف باختلاف أنماط الإنتاج وبتنوع الطبقات الاجتماعية. هذه أهمية وخطورة التكامل المعرفي للنظرية الماركسية.
وما نقدك لهذه النظرية؟
- كان عندي نقد مبكر لتبني الأفكار المتطرفة فيها ومنها نظرية دكتاتورية البروليتاريا ، لم أقتنع بها ، لأنها غير منطقية. حكاية أن هذه الطبقة ثورية بطبيعتها ، لم أوافق عليها ، لكن قيمة الماركسية في المنهج التحليلي العميق الذي تبنته.
وطبيعي أن أسأل: هل سقطت الماركسية ، بسقوط الاتحاد السوفيتي؟
- هذا السؤال مهم ، وقد اختلفت عليه الإجابات هناك عالم اجتماع أمريكي ماركسي اسمه أرونسون ألف كتابafter marxism ما بعد الماركسية، نقد فيه ذاته أولاً كماركسي، ثم قال شيئاً يستحق التأمل. أن الماركسية لم تسقط ولكن سقط مشروعها الراديكالي لتغييرالعالم ومهمتها صياغة مشروع جديد لتغييره. أي أن المنهج العلمي للماركسية لم يسقط وهذا صحيح الأزمة العالمية الحادثة الآن سببها أن السوق قد علا علي المجتمع فيما يذهب كارل بولاني ،في كتابه The great transformation " التحول العظيم". معني ذلك أن السوق لا بد أن يخضع للمجتمع وللدولة، ولكن النموذج الرأسمالي التقليدي أصل الرأسمالية المتوحشة رأي في هذا الكلام ضربا ًمن العبث. مما أدي إلي إطلاق الوحش من عقاله إطلاق حرية السوق إلي أن سقط السوق ، ولذلك هناك محاولة لإحياء الفكر البولاني الآن، الذي مر عليه أكثر من ستين عاماً أعود لسؤالك هل سقطت الماركسية وهل المشكلة في التطبيق،هذه الحجة التقليدية التي لا أوافق عليها،هي السبب!.
ألتوسير، الفيلسوف الماركسي، قال، وقد أثرت نظريته في العالم كله، حتي في الأدب والفن، قال: فشل مشروعي، كنا نبحث عن جوهر خالص للنظرية، فاكتشفنا أنه ليس هناك جوهر خالص لأي نظرية! ومن أجل ذلك لا أؤمن بمن يقول ليس هذا هو الإسلام، انما الذين يطبقون الإسلام ، ليست هذه هي الماركسية، إنما هو تطبيق الماركسية هذا كلام مرفوض. إذا أتيحت الفرصة التاريخية الكاملة لأيديولوجية ما أن تستمر وسقطت، فمعني ذلك أن هناك خللاً في النظرية، لا في التطبيق ولا ينبغي أن يخيفنا تطبيق هذا الكلام علي الإسلام، لأن الإسلام طبقه بشر، ولأن الإسلام عقيدة وشريعة. الذي سقط من تطبيق الإسلام هو الجانب السياسي وليس العقيدة، إن مبدأ الشوري لم يقنن علي الإطلاق بشكل مؤسسي بعد الخلفاء الراشدين وتحول إلي ملك عضوض، كما يقال، إذن هناك خلل في نظام الشوري ليس عيبا إن نقول ذلك، ليس كفراً.
بالنسبة للماركسية.. ما الخلل؟
-الأسس النظرية للماركسية في رأيي ليست صحيحة.
بمعني؟
- أعني أن الماركسية انحازت للجماعية علي حساب الفردية بزعم أن الحافز الجماعي كفيل بتقدم المجتمعات، وليس الحافز الفردي، "كارل ماركس" انتقد، بعنف الاقتصاد الرأسمالي، التراكم الرأسمالي والجشع الرأسمالي، إلخ وعندما طبق "لينين" النظرية الماركسية في الاتحاد السوفيتي، كان أول مرسوم أصدره هو إلغاء الملكية الخاصة .المرسوم الثاني إلغاء حرية الصحافة، وأنشئت مزارع الجمعيات التعاونية، الخونكوزات والسوفكوزات، التي شابها الفساد وقلة الإنتاجية وعندما أتي خروتشوف وأراد الإصلاح ، أعطي كل فلاح 5 هكتارات، ليزرعهم لحسابه الخاص ، والحاصل أن إنتاج هذه الهكتارات المحدودة كان عشرة أضعاف إنتاج المزارع الجماعية، لماذا؟ ، لقد شجع الحافز الفردي الذي عطلته الماركسية بتطرف كما حدث للرأسمالية حين استبعدت الحافز الجماعي لحساب الفرد فسقطت في الهوة التي نعاني منها الآن ،هوة الجشع والغرور والتراكم الرأسمالي غير المنضبط.
أظن أن الماركسية لا تشبع الحاجات الروحية للإنسان ، كما أن تفسير التاريخ طبقياً أو اقتصادياً، تفسير ناقص؟
- وهذا أيضاً صحيح.
علي كل من الأصدقاء، كان يشارك نفس الأفكار.
- في هذه الفترة ،لم يكن لي أصدقاء بمعني أصدقاء ، كنا مجموعة من الشبان، نحب الأدب، نجتمع في بيتنا بحي راغب باشا، كل خميس يعرض كل منا ما كتبه من شعر أو قصة. كانت هذه المجموعة تضم الشاذلي، الذي هاجر إلي أمريكا بعد ذلك، وعصمت عبد اللطيف، أصبح أستاذاً بكلية الطب وفتحي هاشم الذي لم يكمل تعليمه الجامعي، وغنيم محمد غنيم، كل أسبوع نتبادل ما لدينا إلي أن اكتشفنا ، مع الزمن قلة موهبتنا مقارنة ب"غنيم"، غنيم عبقري شاعر مطبوع،يكتب بلا أدني مجهود لذلك توقفت عن الكتابة الإبداعية، ساعد علي ذلك اكتشافي أنني موهوب في نقد الذات، هذه بذرة التفكير، قيما بعد، عندما استقر بي المقام في القاهرة صرت أسخر من هؤلاء الذين تخطوا الخمسين ويكتبون تفاهات، مدعين الأدب، وهم لايملكون الموهبة أصلاً المهم في هذه المرحلة، لم تكن هناك مناقشات فلسفية، إنما كانت هناك تأملات ذاتية.
يبدو لي، لنستكمل ما طرحناه عن الدين، أن الفتوي فقدت هيبتها؟
- المسألة تتعلق بقدرة رجل الدين علي التجدد المعرفي وعلي أن يعيش عصره ،الشيخ محمد عبده ، كان مجدداً، كتب كتابه المعروف عن "الإسلام والعلم"، كانت فتاواه بصيرة نتيجة انطلاقه من تصور عن صلاحية الإسلام لأن يكون نموذجاً حضاريا متكاملا ًفي مواجهة الحضارة الغربية. ونتيجة لتركيزه علي المقاصد الجوهرية للإسلام، كان مشغولاً بالمتن لا بالهوامش رجل الدين يفقد دوره الحقيقي عندما ينشغل بالهوامش.
والفتوي؟
- تفقد الفتوي هيبتها، إذا اعتمد المفتي علي النقل، لا العقل، قدرة صاحب الفتوي تكمن في تكييف الأحكام الدينية مع العصر، وألا يخضع للهوي الجماعي، وأن تكون لديه القدرة علي التأويل الجسور للنص.
هل كنت خطيبا ًمفوهاً؟
- نعم.
وما الشيء الذي كان له نفوذ علي مراهقتك؟
- التكوين الفكري.
ألا تتفق معي أن تكوين جيلك كان من السعة، بحيث تبعثر، فلم تخلصوا لشيء بعينه؟
- الصورة ليست كذلك، عرفنا التكوين الشامل، ولكن لكل منا تخصصاً محدداً.
من وظائف المجتمع الرئيسية، كما تعرف، وظيفة إطلاق المواهب.هل كنت تشعر أنه يفسح لك الطريق بسهولة، أقارن بين عصرك وعصري الذي تفتح فيه الأبواب لأبناء فلان أو علان، وللانتهازيين . كان لعصرك وسائله في التعرف علي المواهب ورعايتها؟
- لم تكن الأبواب مفتوحة علي مصاريعها ، لكي تنفذ من الباب ، كانت هذه مسألة غاية في الصعوبة، لابد أن تكون موهوبا، كان هناك أساتذة فتحوا لي الأبواب، أستاذي الدكتور مصطفي سويف فتح لي باب "المجلة"، أيام يحيي حقي علي أساس أن أقدم عروض كتب ، مجرد عروض ، لا تنس أن جمال حمدان ولويس عوض وحسين فوزي، كانوا هم كتاب المجلة، وقدمني أيضاً ل"أحمد عباس صالح" في مجلة "الكاتب" التي نشرت فيها مقالاتي عن التحليل الاجتماعي للأدب جمال العطيفي فتح باب مجلة "مصر المعاصرة"، لما اكتشف أن عندي موهبة في البحث القانوني، لا تنس أن الأبواب كانت محدودة، والدخول منها يحتاج لمواصفات متعددة، أعتقد أن جيلي ناضل، لكي يتم الاعتراف به أما الآن فالأبواب مفتوحة ومتعددة.
مفتوحة للقادرين علي النفع والضر، أصحاب الأكشاك الثقافية أو الصفحات الثقافية؟
- راجع مطبوعات هيئة قصور الثقافة لتعرف أنها مفتوحة لعديد من شباب الأدباء.
لا يصدر لك كتاب بسرعة في أي مؤسسة، ما لم تكن مسنودا ًبوظيفة أو شخص واصل، راجع مطبوعات مكتبة الأسرة.
- هناك زحمة.
ما القاسم المشترك الذي كان يجمع كل الطبقات في الخمسينيات والستينيات؟
- المشروع القومي المصري، مشروع الثورة في التحرر الوطني، في الاستقلال، العدالة الاجتماعية.. إلخ.
ما الذي يلائم الكتابة أكثر، عصور النهضة، أم عصور الانحطاط؟
- هذه تعميمات، لا توجد عصور للنهضة وأخري للانحطاط. ليس هناك هذا الفصل الحاسم بين الأبيض والأسود، هناك استمرارية في المجتمعات، هناك تقلبات دورية ، لكل عصر منطقه، المسألة تتعلق بالمرحلة التاريخية لا بالنهضة والانحطاط، كل مرحلة تاريخية تفرض أجندتها.
إذن هناك أجندات نهضة وأجندات انحطاط ، كعصرنا الراهن؟
- السؤال عن من يضع الأجندة، الأجندة أيام طه حسين كانت مختلفة، السؤال الجوهري القديم.. لماذا التخلف ولماذا التقدم المفاضلة. بين النموذج العربي الإسلامي والنموذج الأوروبي.
في كتاب عبدالله العروي المهم "الايديولوجية العربية المعاصرة" رداً علي سؤالك. كانت هناك ثلاثة أنماط من الوعي، وعي "الشيخ" ويقصد به محمد عبده، ووعي "الليبرالي" ويقصد به أحمد لطفي السيد، ووعي داعية التقنية ويقصد به سلامة موسي، هذه الأنماط المثالية بتعبير "فيبر" تعبر عن أنماط مختلفة للاستجابة للتحدي الغربي تحدي التقدم وواقع التخلف. محمد عبده يقول لك: الإسلام، لطفي السيد: التراث لا يصلح، وعلينا أن نحتذي النموذج الأوروبي، سلامة موسي: المجتمعات الزراعية متخلفة، فلنركز علي الصناعة والتكنولوجيا والاشتراكية، إذن المرحلة التاريخية تفرض الأجندة.
ما الأشياء التي كان الناس يعدونها أشياء مهمة في عصرك؟
- التعليم كآلية أساسية للإرتقاء الاجتماعي، ومن أجل ذلك ارتقت الطبقة المتوسطة إلي أعلي المناصب، حتي، قبل الثورة كان هناك شعور بأنه لا يمكن الخلاص من الفقر والتخلف إلا بالتعليم.
هل يمكن لشخص واحد، في رأيك أن يعبر عن روح العصر. ومن الشخص الذي يعبر عنا الآن؟
- لا يمكن لشخص، مهما تكن عبقريته أن يعبر وحده عن مرحلة تاريخية بأكملها، التقدم الفكري يتم في "معية"، جيل كامل يعمل، ويبشر بقيم جديدة، لا يوجد في العالم من هو قادر علي احتكار التعبير.
ماذا عن أحلام اليقظة في فترة التكوين، ثم هل تبعث هذه الأحلام علي العمل؟
- أحلام اليقظة أساسية في تقدم الإنسان، عندما يكون لديك حلم، تدفعك أحلام اليقظة لتصوره ومن ثم تحقيقه.
كلمني عن دور الشيطان في حياتك؟
- الشيطان شخصية ألعبانية لم أترك لها فرصة للتلاعب بحياتي، أنا منضبط عاطفياً، بحيث يمكنني التحكم في ميولي واتجاهاتي، لم أترك نفسي، أسير في الحياة، هكذا بلا ضابط كانت هناك خطة مبكرة، مرسومة بشكل لا شعوري، ربما لإنتاج مثقف.

تصويب :
نشر بطريق الخطأ في الحلقة السابقة من حلقات "مفكر وعصر" عبارة علي لسان المفكر السيد يس، وهي للمحاور، والعبارة كانت: "ولكنني غير آمن. ولدت في عصر عبد الناصر، الذي أقدر نواياه لبناء وطن، إن كانت الأوطان تبني بالنوايا الطيبة.
كان الرجل يرتب الأثاث، بينما البيت يحترق، كما يقولون. وتربيت في عصر السادات، كانت رياح الانفتاح قد بدأت تهب عشوائية ومدمرة، والآن انهار من حولي كل شيء، بينما توقعت أن أعثر علي المستقبل. محجوب عبد الدايم هو ما بقي يا أستاذ سيد"، لذا لزم التنويه.

الحلقة السادسة الجمعة المقبلة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.