أسعار الدواجن اليوم الجمعة 9-5-2025 في محافظة الفيوم    بمشاركة السيسي، توافد المشاركين بالذكرى الثمانين لعيد النصر إلى السجادة الحمراء بموسكو    بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر يقيم أول قداس كبير اليوم الجمعة    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    خريطة الحركة المرورية اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    زيلينسكى يعلن أنه ناقش خطوات إنهاء الصراع مع ترامب    «أوقاف شمال سيناء»: عقد مجالس الفقه والإفتاء في عدد من المساجد الكبرى غدًا    ارتفاع صادرات الصين بنسبة 8% في أبريل    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    تكريم حنان مطاوع في «دورة الأساتذة» بمهرجان المسرح العالمي    فرص تأهل منتخب مصر لربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب قبل مباراة تنزانيا اليوم    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    جدول مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    مفاجأة بعيار 21 الآن بعد آخر تراجع في سعر الذهب اليوم الجمعة 9 مايو 2025    مستأجرو "الإيجار القديم": دفعنا "خلو" عند شراء الوحدات وبعضنا تحمل تكلفة البناء    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    مؤتمر النحاس: نلعب مباراة كل 4 أيام عكس بعض الفرق.. ورسالة لجماهير الأهلي    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    بنك القاهرة بعد حريق عقار وسط البلد: ممتلكات الفرع وبيانات العملاء آمنة    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    المخرج رؤوف السيد: مضيت فيلم نجوم الساحل قبل نزول فيلم الحريفة لدور العرض    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    كيم جونغ أون يشرف على تجربة صاروخية ويؤكد جاهزية السلاح النووي    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَاناً وَتَسْلِيماً
نشر في الشعب يوم 07 - 10 - 2006


بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

لو تهاوى كل منا بسبب بعض الصعوبات والظروف القاسية المحيطة.. لتوقفت الحياة، ولما وجد الحق له أنصاراً يذودون عنه، ولبقي الباطل يصول ويجول في قلوبنا وعقولنا وجزئيات حياتنا كلها، دون رادعٍ يواجهه.. ولا يمكن للمسلم المؤمن أن يرضى بهذا، لأن المسلم يحمل أمانةً نبيلةً سامية، ينبغي له أن يؤديَها حق أدائها.
إنّ أول أمرٍ ينبغي أن نعيَه جيداً، هو أننا عابرو سبيلٍ في هذه الدنيا، وأننا مكلّفون بمهمةٍ محددةٍ من رب العالمين، هي مهمة الدعوة إلى الله عز وجل، والثبات على طريق هذه الدعوة، حتى تحقيق هدف الإسلام في الأرض، وهو إقامة منهج الله سبحانه وتعالى فيها، لتتحققَ سعادتنا وسعادة الإنسان، بعمارة الأرض التي كلّفنا الله جل شأنه بها، على أسسٍ إسلاميةٍ عصرية.
لذلك، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الربانيّ السامي.. فالمطلوب هو أن نتحلّى بالصبر على كل مشاق الطريق ومصاعبه، والمصاعب تنشأ من حقيقة هذه الدنيا، فهي دار امتحانٍ وابتلاء، والمؤمن عليه أن يوطّن نفسه على الابتلاءات والامتحانات الربانية.. فالغربة ابتلاء، والاحتلال ابتلاء، والوسط المحيط ابتلاء وامتحان.. وهكذا، كلما خرج المؤمن من واحدةٍ وجد نفسه في ثانية، وكلما خرج من محنة.. قَوِيَ عودُهُ، ولمع مَعْدنه، وغدا أكثر إشراقاً وصلابةً وقوة، وأعمق تجربةً وخبرة، وقد قال الله عز وجل في وصف هذه الحالة:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)(محمد:31).
الصبر فضيلة نحتاجها في دنيانا وعالَمِنا المضطرب من حولنا، فعلينا أن نوطّن أنفسنا على احتمال الأذى والمكاره والضائقات، من غير ضجرٍ أو تخلخلٍ في نفوسنا وقلوبنا.. والصبر نعمة من الله عز وجل أيضاً، علينا أن نحرص عليها، لأنه هو الذي يجعلنا على أملٍ دائمٍ بانتظار الفرج مهما تطاولت السنين، فالأذى وسطوة الباطل حالة مؤقتة، لأنها تتناقض مع سنة الله عز وجل في أرضه، كما تتناقض مع نواميس الكون، فالذي يرسخ في هذه الدنيا حسب سنة الله، هو الحق والخير والعدل والعدالة.. فهل يتساقط المخلصون المؤمنون، ويَدَعون الأزمات تجرفهم بدل أن يسحقوها بعزمهم وإيمانهم وعدالة طريقهم وإصرارهم وصبرهم ومصابرتهم؟!..
صَبْرنا على الابتلاء دليل على قوة إيماننا، فمعادن الناس لا تظهر على حقيقتها إلا عند المحن والشدائد والابتلاءات:(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(العنكبوت:2 و3).. هكذا إذن :
حتى يعلمَ الله عز وجل الصادق بحمل أعباء الدعوة والرسالة.. من المدّعي الكاذب، وبذلك تتمحّص الصفوف، ولا يبقى داخلها إلا عظام النفوس وصلابها، فيغادرها المهازيل من الناس، ويتساقطون، لأن الرسالة العظيمة لا يحملها إلا الأقوياء الأشداء الصابرون المصابرون المؤمنون حق الإيمان.
قد تمرّ ظروف تضيق فيها الأرض علينا بما رحبت، وتصدمنا خيبات الأمل بمن حولنا، وتؤلمنا الأحداث المتدفقة في عالَمنا.. لكننا أبداً لن نستسلم لها، أو نضعف أمامها، أو نجبن في مواجهتها.. وعدّتنا في كل ذلك إيماننا بربنا وبإسلامنا وبحقّنا وبعدالة قضايانا وبسلامة طريقنا وشرعيته!.. وها هوذا رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول لنا:(إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فَمَن رضي فله الرضا، ومَن سخط فله السخط)(الترمذي).. بعد هذا كله: أفلا نتشرّف بمحبة الله عز وجل لنا؟!.. أفلا نرضى بما ابتلانا به، فنكون من أحبائه الفائزين؟!.. وقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أي الناس أشد بلاءً؟.. قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلى الناس على قدر دِينهم، فَمَن ثَخُنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه، ومَن ضعف دِينه ضَعُفَ بلاؤه ..)(ابن حبان).. أفلا نتقبّل البلاء بعد كل ذلك بصبرٍ واحتسابٍ عند الله سبحانه وتعالى، وفي سبيله؟!..
لنتدبّر في قصة يوسف عليه السلام، فهي كلها ابتلاءات ومحن وامتحانات وعذابات، منذ تآمر إخوته عليه.. إلى بيعه.. إلى تآمر امرأة العزيز عليه.. إلى سَجنه ظلماً.. إلى.. إلى..، لكنه أبداً لم يستكن أو يستسلم، بل ثبت على دينه، وثبت على دعوته وعلى ما يؤمن به.. إلى أن فرّج الله عنه وأصبح معزَّزاً مكرَّماً في الدنيا قبل الآخرة.. وكل ذلك كان من ثمرات صبره على المحن المتلاحقة التي مرّ بها، وهي محن استغرقت سنواتٍ طوالاً من عمره وشبابه!..
ليكن شعار المؤمن دائماً وأبداً:(.. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ)(الأعراف: من الآية126).. ولنتفكر في موقف المنافقين يوم غزوة الأحزاب، حين قالوا ساعة اشتداد المحنة على المسلمين:(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)(الأحزاب:12).. لكنّ المؤمنين كان لهم موقف آخر، لأنهم مؤمنون بنصر الله، وبأنّ الفجر لا ينبلج إلا من دجى الظلمات، على الرغم من أن القلوب كانت قد بلغت الحناجر من شدة المحنة والابتلاء:(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)(الأحزاب:10 و11).
لقد كان موقف المؤمنين الذين ابتلاهم الله ليختبرهم.. على النقيض تماماً من موقف المنافقين:(وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)(الأحزاب:22).
لنلاحظ دقة الوصف وروعته:(.. وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)!..وذلك نتيجة إيمانهم الرائع على الرغم من البلاء العظيم الذي كان يحيط بهم!.. وهو موقف يقابل موقف المنافقين الذين في قلوبهم مرض:(.. مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)!..
* * *
العراق الآن هو المطبخ السياسي والعسكريّ للعالَم، وقد تكالب كل صاحب غرضٍ في هذا العالَم ليقتطع له حصةً في هذا المطبخ السياسي، فإذا الأحداث تتوالى ويصنعها المقاومون المجاهدون، فتنصبّ كؤوس الخيبة والهزيمة على رؤوس الأعداء والمتآمرين والأذناب.. بشكلٍ مذهلٍ لم يكونوا يتوقعونه!.. ولطالما قلنا قبل أن تغزو أميركة أفغانستان والعراق:(إذا فَعَلَتْهَا أميركة.. فستكون نهايتها)!..وكل المؤشرات الآن تدل على ذلك، انطلاقاً من إيماننا الراسخ، بأنّ سنة الله في أرضه، تقتضي توريط أميركة المجرمة التي استنفدت كل عوامل بقائها قوةً وحيدةً مسيطرةً في الأرض، بسبب تفاقم فسادها وظلمها وجبروتها وممارسة ألوهيتها على البشر.. وليس هناك أشد ورطةً لأميركة من ورطتها في العراق وأفغانستان، وقد قلنا ذات يومٍ بعد احتلال العراق الحبيب:(أميركة احتلت العراق لتسيطر على العالَم، وما عَلِمَتْ أنها قَدِمَتْ إلى مثواها الأخير)!..أفلا يستحق هذا الإنجاز العظيم وهذا الشرف الرفيع، أن يضحّي المسلمون لأجله بأرواحهم ودمائهم، وأن يصبروا على ابتلاءاتٍ عظيمةٍ ينالون بعدها شرف الصبر والانتصار في الدنيا، ومَنازلَ الشهداء والأجر العظيم في الآخرة؟!.. أفلا نؤمن بذلك؟!.. أفلا نثق بربنا؟!.. إذن علامَ الضيق والشجون والاضطراب؟!.. وعلامَ اليأس والإحباط؟!..
هناك فرقٌ كبير بين أن نتألّم لأننا شرفاء نملك مشاعرنا الإنسانية ومروءتنا الإسلامية.. وبين أن يقضي علينا الألم ويسحقنا!.. ويجب ألا يؤثر ظرف مهما كان قاسياً، على معنوياتنا ورباطة جأشنا وتماسكنا، ولنعلم بأنّ الله لن يكون معنا إلا حين نكون معه، وهل نطمح إلى سندٍ أفضل من دعم الله عز وجل لنا، القادر على كل شيء، القاهر لكل جبارٍ في الأرض؟!..
* * *
عندما تُحكَم البشرية بمناهج وضعيةٍ خاطئةٍ بعيدةٍ عن منهج الله عز وجل.. تغيب العدالة، وحين تغيب العدالة يصبح الاحتكام بين البشر والأمم إلى القوة المادية فحسب، وليس إلى الأصول الأخلاقية وقوانين الحق، وعندئذٍ يسود الباطل والظلم.. فيسود معه كل شرٍ وسوء.. فنرى بأعيننا ونحسّ بقلوبنا وعقولنا كلَ مظاهر الظلم التي نمر بها، لأنّ الموازين التي أرادها الله سبحانه للبشر قد اختلّت، فاختلّ معها كل أمرٍ في هذه الدنيا، وهذا لا يحصل إلا عندما يتخلى المسلمون عن المهمة التي أرادهم الله أن يحملوها للبشر، فَيُحْجَب منهج الله العادل الذي وحده يحقق العدالة ويطيح بالباطل، وتتسلّط على البشرية والمسلمين قوى الطغيان عقوبةً لهم على التخلّي عن الأمانة التي أوكلها الله إليهم:(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(لأنفال:25).
وهل نتوقع أن يستمسكَ الظالم الجبار الفاسد، بالحق والأخلاق الحميدة في التعامل مع الناس؟!.. لا.. أبداً، فنحن حين ندع الظالم يسود بظلمه.. فإننا أول مَن سيدفع الثمن، لذلك فإن الله عز وجل جعل من سننه الراسخة في هذا الكون.. سنّةَ التدافع بين الأمم:(.. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)(البقرة:251)..(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج:40).
إنّ ما يقع الآن في العراق وفلسطين وأفغانستان من أحداث، هو سيرٌ لسنّة التدافع المذكورة التي قدّرها الله عز وجل.. قُدُماً، وسيبقى التدافع قائماً إلى أن يزول الباطل الأميركي والصهيوني والصليبي الغربي بإذن الله، وكل البشائر والدلائل تدل على ذلك، على الرغم من الآلام والمحنة وتطاول الباطل، وهذا بالضبط الذي يجب علينا، نحن المسلمين، أن نؤمن به ونتأكّد منه، يقيناً لا يتزعزع بالله وبسننه وبالإسلام منهجاً لحياتنا.. والإيمان بذلك إيماناً يقينياً يجعلنا نخرج من دائرة الإحباط إلى دائرة الأمل بنصر الله عز وجل، ومن دائرة التثاقل إلى دائرة الفعل الإيجابيّ والشجاعة غير المحدودة، مع يقيننا بأن الله عز وجل هو القادر على كل شيء، فهل نفقد الأمل بالله سبحانه وتعالى القوي الجبار العزيز الناصر المؤيد، ونستسلم للواقع المحيط الذي يلفّنا من كل جانب؟!.. لا .. لا أبداً وبلا أي تردّدٍ أو شك!..
لقد ذكرنا آنفاً غزوة الأحزاب، التي اشتدّ فيها الروع والخوف والجوع والبرد على المسلمين، وزُلزِلوا زلزالاً شديداً، وبلغت القلوب الحناجر، وتعرّضوا لخيانة يهود بني قريظة.. ومع ذلك كله، بقي المؤمنون على ثقةٍ بالله وفرجه ونصره، بينما تساقط المنافقون في مستنقع نفاقهم وعدم ثقتهم بالخالق عز وجل ودينه وسننه في هذه الأرض.. وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك الواقع المظلم الشديد عليهم.. وعدهم بالانتصار على دَولتي الروم وفارس، أقوى دولتين على الأرض في ذلك الوقت، ووعدهم بفتح بلاد اليمن.. وهم محاصَرون في المدينة المنورة يعانون من شدةٍ رهيبة!.. فما الذي حصل بعد ذلك؟!.. ألم يهزم المسلمون الرومَ وفارس؟!.. ألم يفتحوا بلاد اليمن؟!.. لقد فعلوا ذلك بإيمانهم وأملهم بالله عز وجل وعدم وصولهم إلى درجة اليأس والإحباط!.. فما أعظم الإيمان عندما يتمكّن من قلوبنا وعقولنا.. وما أعظم إنساننا حين يحمل الأمانة الثقيلة السامية على أتم وجه!..
* * *
لنتأمّل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:[مِن اقتراب الساعة، أن تُرْفَعَ الأشرارُ وتوضَعَ الأخيار..](أخرجه الطبراني والحاكم).. وكذلك لنتأمّل في قوله صلى الله عليه وسلم:[سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويؤتَمَن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطِق فيها الرُّوَيْبِضَة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟.. قال: الرجل التافه ينطِق في أمر العامّة]!..أليس هذا ما نراه اليوم؟!..
في المقابل ماذا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين الذين لا يضعفون أمام المحن والنوازل؟!..(.. فإنّ من ورائكم أياماً، الصبرُ فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثلُ أجر خمسين رجلاً يعملون مثلَ عملكم، قيل يا رسول الله أجرُ خمسين منا أو منهم؟!.. قال: بل خمسين منكم)!..(الترمذي والنسائي وابن ماجه).
أليست أيامنا هذه هي التي وصفها رسولنا صلى الله عليه وسلم؟!.. أفلا نرضى بأن يكون أجر صبرنا يماثل أجر خمسين من الصحابة الكرام؟!.. أي أجر خمسين من(أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي والزبير وأبي عبيدة.. وغيرهم)رضوان الله عليهم أجمعين؟!.. فما أعظم الإيمان.. ما أعظمه!..
ثم لننظر ماذا قال الله عز وجل للظالمين المجرمين في محكم التنزيل: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(العنكبوت: 22).
وكذلك لننظر ماذا قال في المقابل للمؤمنين الصادقين:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور: 55).
أفلا نرضى بحكم الله، وعَونه، ووَعده؟!..
لا بد أن نتحمّل في سبيل الله عز وجل كلَ محنةٍ وكلَ ضيق، وسنجد أنّ الإحباط واليأس أمران بعيدان عن صفات المسلم المؤمن، فاليأس هو القنوط وانقطاع الأمل، وهو إحباط يصيب القلب والعقل، فيشلّ الإرادة، ويقضي على الفاعلية والإيجابية، فهل يمكن للمؤمن الذي يؤمن بالله عز وجل حق الإيمان أن يقعَ في مثل هذا المأزق؟!.. هل نُسيء الظن بربنا جل جلاله وهو الذي قال:(.. فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ)؟!..(الحجر: من الآية55).
لقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي:(أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما يشاء)(ابن حبان)، أي أنه سبحانه وتعالى يعاملنا على حسب ما نظن به، الخير بالخير والسوء بالسوء!.. فلنحسن الظن بربنا سبحانه وتعالى، ولنكن على يقينٍ كامل: المستقبل للحق والعدل.. ولا مستقبل للباطل والظلم!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.