رغم تفاؤلي "المزمن" الذي عبرت عنه في مقالي السابق والذي ما زلتٌ أتمسك به بصورة تجعلني أبدو مثاليا أو "اهبل" في بعض الاحيان ، إلا أنني أكاد أُجزم بأن هناك خطة جهنمية محكمة لإجهاض الثورة.. ولو كتبُ لهذه الخطة النجاح لا قدر الله فسوف نصير أضحوكة العالم ويكتب عنا التاريخ كلاما مختلفا عن مسلمات تقول إننا صدرنا للدنيا الحضارة وعلمناها فجر الضمير.. سيقول مثلا إننا الشعب الذي فجر أجمل ثورة في تاريخ البشرية ثم وضعها في حجر النظام الذي ثار عليه..لينقلب عليها الحراس ويعيدون إنتاج النظام القديم في صورة اكثر تخلفا.. وأبشع استبدادا وقمعا. قال لي طارق عندما بادرته بالسؤال عن أحواله مع الثورة كعادتي مع سائقي التاكسي الذين أعتبرهم مؤشرا لقياس اتجاهات الرأي العام .."ثورة إيه وزفت إيه يا بيه ..أنا طلقت مراتي""..وهنا أصابتني قنبلته بصدمة الزمتني الصمت مليا ..وعندما أفقت سمعته يستطرد وكأنه يحدث نفسه "كنتُ مرشدا سياحيا أعمل في شركة أتقاضي منها الالاف صباحا ثم أعمل علي هذا التاكسي في المساء لتغطية مصروفات الاسرة حيث إن لي ابنتين في مدارس اجنبية..بعد الثورة فقدت وظيفتي، مثل آلاف آخرين، وانفجرت المشاكل بيني وبين زوجتي لتنتهي بالطلاق".. عندما غادرتُ التاكسي ، وكنتُ عائدا من ميدان التحرير مساء أمس الاول بعد مشاركتي في جمعة "السيادة للشعب"، فكرت كثيرا في الامر وتكشفت امامي ملامح مؤامرة مكتملة الاركان لإجهاض الثورة يشارك فيها للاسف الشديد مَن يدعون أنهم من الثوار والذين تركوا المعركة وانشغلوا بجمع الغنائم بانتهازية فجة مكررين خطيئة المسلمين في غزوة أُحد.. أما المعسكر الآخر الذي يدير المؤامرة ضد الثورة فقد بدأ بالترويج لنظرية أن هذه الثورة خطة امريكية لفرض "الفوضي الخلاقة" ، التي بشر بها بوش الابن ، وعليه يصبح كل الثوار عملاء لامريكا ..فالبرادعي هو رجل امريكا ..والثوار يعملون في اطار أجندات أجنبية..أما العشرون مليون مواطن الذين خرجوا الي الشوارع فلا قيمة لهم!!..هذا هو المحور الاول ..أما المحور الثاني فهو إغراق البلاد في تفاصيل شيطانية عن التعديلات الدستورية والقوانين الانتخابية مما ادخلنا في دوامة من الجدل السفسطائي انتهت بهذا المأزق الخطير الذي نعاني منه حاليا لأن المجلس العسكري اساء اختيار مستشاريه الذين استكثروا علي مصر ثورة كاملة حين رفضوا الاعتراف بالشرعية الثورية.. ويبدو أن هذه الدوامة كانت مقصودة لأن ثمانية أشهر مرت منذ تفجر الثورة ونحن نتحرك في المكان ونتجادل هل الفرخة أم البيضة اولا ..أقصد الدستور أم الانتخابات أولا..لقد بلغ العبث بمصير الوطن حد أن الذين رفضوا مبدأ الدستور أولا وكفروا وخونوا المنادين به يطالبون الآن بان تجري انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور!!! أما المحور الثالث من خطة اجهاض الثورة فهو خلق حالة من الفوضي والانفلات الامني وجرائم السرقات التي ينفذها مسجلون خطر وعناصر معروفة جيدا لجهاز الشرطة لبث الرعب في نفوس المواطنين وإقناعهم بأن الثورة كانت غلطة وعليهم ان يدفعوا ثمنها..وذلك يتم في ظل حالة استرخاء وتقاعس متعمدة من الشرطة..ويتجلي تقاعس الشرطة اكثر في الفوضي المرورية..ولو كانت هناك رغبة حقيقية في حل مشكلة المرور لصدرت الاوامر الي كبار الضباط بالنزول الي الشارع وليس الجلوس في مكاتبهم المكيفة.. المحور الرابع هو تعمد رجال الاعمال واصحاب رءوس الاموال ، وأغلبيتهم من اركان نظام حسني مبارك وفلوله، تجفيف السوق والإمساك عن ضخ أي اموال خاصة في المشروعات القائمة ، ناهيك عن إنشاء مشروعات جديدة، مما يؤدي الي شل الحياة ووقف النشاط الاقتصادي وتفاقم البطالة نتيجة لتسريح العمال.. اما المحور الخامس والاخير فهو تعمد المسئولين في الغرف التجارية ، واغلبيتهم الساحقة إن لم يكونوا جميعهم من رجال الاعمال الكبار أو الصغار الذين حققوا ثرواتهم وأحلامهم وذواتهم خلال حكم مبارك الطويل ، رفع اسعار السلع الاساسية دون مبرر وبشكل مبالغ فيه ..وكذلك افتعال الازمات التموينية (مشتقات الوقود مثلا) لإثارة حالة من السخط الشعبي ودفع الناس الي الانقلاب علي الثورة..واعتقد أن ترك الاسواق بلا رقيب او حسيب بهذه الصورة دعوة سافرة للاستغلال والغلاء واستدرار حنين الناس الي عهد ما قبل 25 يناير.. اما الطامة الكبري والكارثة الحقيقية فهي اجتماع بعض فلول النظام الفاسد البائد في مؤتمر بقنا وتهديدهم باحتلال الصعيد في حالة صدور قانون الغدر الذي سيعزلهم سياسيا .. وأغلب زعماء هذا المؤتمر ممن أفسدوا الحياة السياسية في العهد البائد وتورطوا في اشعال الفتن الطائفية وبيع الوظائف العامة .. ومنهم ضباط أمن دولة سابقون متورطون في التعذيب..وهؤلاء جميعا كان يجب اعتقالهم فورا بموجب قانون الطوارئ لتحريضهم علي العنف وتهديد السلامة الوطنية ..ناهيك عن ضرورة محاكمتهم طبقا للقانون الجنائي الدولي عن جرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم..هؤلاء المجرمون الفاسدون عار علي الصعيد ولا يحق لهم التحدث باسم الصعايدة الذين كان شبابهم مع الثورة منذ بدايتها..واعتقد أن تلك خطوة ليست بعيدة عن خطة إجهاض الثورة حتي وإن بدت خطوة غبية وأشبه بنكتة سخيفة!!..