العرض والطلب.. مبدأ اقتصادي مهم يعتمد عليه غالبا في تحديد سعر أي سلعة سريعة التداول في الأسواق والتي لها فترة صلاحية بسبب صعوبة تخزينها.. خاصة اللحوم والدواجن والأسماك.. وغالبا ما يعتمد تسعيرها علي مبدأ العرض والطلب قبل اعتمادها علي التكلفة الحقيقية. وكل ما يهم تجار تلك السلع هو تحقيق أقصي قدر من المكاسب في أقل زمن ممكن.. ويفرض التجار أسعارهم علي المواطن كيفما يريدون لأن ندرة السلعة في الأسواق تساعدهم وتحفزهم.. بل تغريهم علي ذلك. آليات السوق تقول بأنه لمواجهة ذلك الموقف هو أن ينخفض الطلب سواء بترشيد الاستهلاك أو المقاطعة في بعض الأحوال.. أو زيادة الإنتاج وتوفيره محليا أو بالاستيراد.. وفوق كل ذلك توافر وسائل الرقابة علي السوق ومواجهة الإغراق في حالات حرق الأسعار.. ومواجهة الاحتكار وحصر السيطرة علي السوق في يد عدد محدود من المنتجين أو المستوردين. مثلما حدث في أزمة السكر قبل عامين.. تم تحقيق المواجهتين.. مع المنتجين برفع أسعار توريد السكر.. ومع المستوردين المتحكمين في الأسعار بقيام الدولة نفسها بالاستيراد.. ومع التجار المسيطرين علي الأسواق والمخازن.. وتمت السيطرة نسبيا علي سوق السكر. أزمة الدواجن في مصر تحولت إلي حرب شرسة.. فبعد أن كنا نحقق الاكتفاء الذاتي ونصدر الفائض.. تحول الأمر إلي ارتفاع متواصل في أسعار الدواجن إلي درجة أعجزت الطبقات محدودة الدخل عن شرائها. فجأة.. ظهرت في الأسواق كميات كبيرة من الدواجن المجمدة في المجمعات الاستهلاكية والمتاجر الكبري بأسعار أقل كثيرا.. بل تقترب من نصف الأسعار التي يبيع بها تجار الدواجن.. وهنا بدأت الحرب الفعلية.. المنتجون والتجار اتهموا وزارة التموين باستيراد دواجن منتهية الصلاحية وأنهم بذلك يعطون السم للشعب.. وبعد أيام طويلة اضطرت الوزارة إلي الرد بأنها تعاقدت منذ رمضان الماضي علي استيراد خمسة آلاف طن شهريا.. وأنها اكتشفت قرب انتهاء صلاحية المخزون لديها فطرحته في متاجرها بهذه الأسعار الرخيصة.. وأكدت بأنها سليمة وصالحة حتي شهر مارس.. وأن لديها ستة آلاف طن تود بيعها قبل موعد انتهاء الصلاحية. لكن الرد جاء متأخرا نوعا ما.. وازدادت الحرب اشتعالا بعد ظهور كميات من الدواجن تباع علي الأرصفة بأسعار تقل عن الأسعار الرخيصة في المجمعات.. قرب قرب تعالي بص.. الفرخة باتناشر ونص. وزارة الصحة قالت إن الدواجن سليمة.. وإنها لم تتلق أي بلاغات بعكس ذلك.. ولم يصب مواطن واحد بشيء.. والمواطنون أقبلوا عليها وفرحوا بها.. وتندروا بأنهم شعب يأكل الزلط. تجار الدواجن أصروا علي أنها غير سليمة والدليل هو سعرها المبالغ في رخصه.. بعضهم قال إنها رشوة انتخابية مع قرب انتخابات الرئاسة.. بعض الدوائر الرسمية أرجعت تلك الاتهامات إلي التجار الإخوان الذين يسيطرون علي جانب من الإنتاج والتجارة.. تحول الأمر إلي حرب سياسية بعدما وجدت دعوات مقاطعة الانتخابات رفضا شعبيا واضحا. منتجو الدواجن.. الذين يعانون من مشاكل عديدة أهمها ارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج والأدوية وغيرها زادتهم تلك الكميات الرخيصة من الدواجن وجعا فوق أوجاعهم.. واعتبروا ما قامت به الدولة تدميرا لصناعة الدواجن في مصر التي يعمل بها ستة ملايين مواطن.. وخرابا أكيدا لآلاف المزارع المنتجة يفوق ما واجهته في أزمة أنفلونزا الطيور من 12 سنة. عدم الوضوح والشفافية هو عنوان تلك الأزمة التي تحولت إلي حرب في المتاجر وعلي الأرصفة وفي كل وسائل الإعلام.. وعدم وجود خطة واضحة لمواجهة أزمات السلع والسيطرة علي أسعارها هو عنوان آخر.. ويبقي السؤال.. هل ستعود الأسعار بعد نفاد الكمية إلي ما كانت عليه أم ستبقي عند حدها؟.. كل ما نأمله هو أن تكون الدولة قادرة علي السيطرة علي الأسواق بما يحقق صالح المواطن.. وحماية الصناعات الوطنية. والسؤال الأهم هو : هل سنشهد تلك الحرب في سلع أخري؟.