تعددت حملات مقاطعة شراء السلع، التي اشتعلت أسعارها في الفترة الأخيرة، يتبناها بعض القوى السياسية والحكومة أيضا؛ بهدف مواجهة جشع التجار الذين يستغلون احتياجات المواطنين لتعظيم أرباحهم وتحقيق مكاسب خيالية. الأمر مفهوم بالنسبة للقوى السياسية التي تطالب الحكومة والأجهزة الرقابية بتكثيف حملاتها على الأسواق لمواجهة الغلاء، لكن دعوات الحكومة للمقاطعة هدفها رفع يدها عما يحدث للشعب من غلاء أسعار. آلية مقاطعة المنتجات من الممكن أن تأتي بثمارها إذا كانت الحكومة تعمل على توفير المنتجات الأساسية بالأسواق ليجد المواطن الذي يقاطع سلعة معينة، باقي السلع متوفرة، فلا يزيد سعرها، لكن ما يحدث هو مقاطعة سلعة ما والإقبال علي سلعة أخرى بديلة فيزيد سعرها هي الأخرى. وأبرز حملات المقاطعة، التي أطلقها اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك التابع لوزارة التموين؛ للضغط على التجار من أجل تسعير المنتجات بشكل عادل بدلًا من المغالاة بحجة تعويم الجنيه وارتفاع أسعار المحروقات وكأن قرارات الحكومة ليس لها تأثير علي زيادة أسعار السلع. وقبل أيام، انطلقت حملة مقاطعة الأسماك بعد زيادة أسعارها بصورة كبيرة، وصلت إلى 120%، ومن ضمن الحملات الشعبية التي تم إطلاقها، مقاطعة اللحوم الحمراء بعد تخطيها حاجز ال120 جنيها، كما تم تدشين مبادرة أخرى لمقاطعة الدواجن التي زاد سعرها خلال الفترة الأخيرة متخطية 37 جنيها للدواجن البلدي، و30 جنيها للبيضاء. الحكومة التي طالبت المواطنين بمقاطعة شراء السلع، نفسها أقرت زيادة الأسعار عن طريق قانون القيمة المضافة وتعويم الجنيه وكثرة الاستيراد من الخارج، وعدم وجود إنتاج حقيقي يسمح لها بالتحكم في السوق والسيطرة على الأسعار. ورفعت وزارة التموين سعر كيلو السكر على بطاقات التموين إلى 8 جنيهات بدلا من 7، وعبوة الزيت 800 جرام إلى 12 جنيها بدلا من 10؛ نظرا لزيادة توريد سعر طن قصب السكر الذي ارتفعت تكلفة إنتاجه علي المزارعين، كما أن ارتفاع سعر الدولار وراء زيادة أسعار الزيت بسبب استيراد أكثر من 95% من زيت الطعام من الخارج بالعملات الأجنبية، وبالتالي استغل التجار والمستوردين الوضع بزيادة أسعار المنتجات في المتاجر الخاصة، حتى وصل سعر زجاجة الزيت إلى 20 جنيها والسكر إلى 15. وقال محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إن حملات المقاطعة ليست الحل الجذري لمشاكل ارتفاع الأسعار، لكنها جزء منها، وجاء سلاح المقاطعة نتيجة تجارب تراكمية لابد من الاستفادة منها لتطويرها وضمان نجاحها، فإذا قاطع المواطنون اللحوم لارتفاع أسعارها، يزيد الطلب على الدواجن والسمك، وبالتالي تزيد أسعارها وهكذا، فالأعباء موزعة بين السلع في الأسواق. وأضاف العسقلاني ل«البديل» أن أسباب الغلاء في دورة المنتج من الصناعة إلى المستهلك هي حلقة التوزيع وتحديد هوامش الأرباح التي تعد العامل الأساسي في زيادة أسعار المنتج، فيتم حساب تكلفة الإنتاج ويضاف عليها هامش الربح الذي يحدده المنتج ثم هامش ربح التاجر، حتى تشتعل الأسعار في النهاية، مؤكدا أنهم طالبوا بوضع هامش ربح معقول للتجار بدلا من هوامش الأرباح المرتفعة التي يتم إضافتها على السلع. وتابع: "المتضرر من حملات المقاطعة المستهلك والبائع سويا؛ الأول بحرمان نفسه من سلعة معينة نتيجة ارتفاع سعرها، والثاني يتضرر من فشله في بيع سلعته وعدم تحقيق المكاسب التي يرجوها، ومن الممكن أن تفسد السلعة لديها أو تنتهي صلاحيتها ولذلك يصبح مضطرا لبيعها بأي سعر". وأكد أن حل أزمة الأسعار يكمن في إتاحة السلع بأقل سعر ممكن وبأعلى جودة موجودة، وهذا يتطلب تعاونا بين الحكومة والمجتمع المدني والجمعيات من أجل ضبط الأسواق، كما يجب وضع آليات وقوانين تضمن مواجهة جشع التجار وإحكام قبضة الدولة علي الأسواق بشكل يضمن ثبات وخفض الأسعار كما يحدث في معظم الدول.