[email protected] بعد تولي الدكتور نبيل العربي منصب وزير الخارجية، وتصريحاته بالغة الاهمية التي أكد فيها ضرورة إقامة علاقات متوازنة بين القاهرة وكل عواصم العالم بما في ذلك طهران "لأن ايران ليست عدوا"، أدرك المصريون والعالم أن مصر وضعت قدميها علي الطريق الصحيح لإستعادة دورها القيادي الرائد إقليميا ودوليا..وأن منهج التبعية و"الإنبطاح" الذي تبناه نظام حسني مبارك في مجال السياسة الخارجية يوشك أن ينتهي الي غير رجعة..فقد وضع الرئيس المخلوع مصالحه الضيقة وامنه الشخصي ومشروعه لتوريث الحكم فوق المصالح العليا للوطن وأمنه القومي..ولم يجد أدني غضاضة في التضحية بعلاقات استراتيجية وحيوية مع القارة الافريقية ، وخاصة دول حوض النيل، لخوفه علي حياته وأمنه الشخصي ..ولم يستنكف الرضوخ لإملاءات أمريكا واسرائيل وإتخاذ المواقف والقرارت التي تنطوي علي مهانة وإذلال بالغين لمصر والمصريين من أجل حماية عرشه ثم توريثه لإبنه!!..وكان من الطبيعي أن يسعي وزير خارجية مصر الثورة فور توليه منصبه الي ترجمة الشعار الذي رددته الجماهير بصورة تلقائية في ميدان التحرير بعد سقوط رأس النظام البائد "إرفع راسك فوق .. إنت مصري".. ومن هنا كان تصريحه بشأن إقامة علاقات متوازنة مع إيران بإعتبارها قوة اقليمية رئيسية لها مصالحها ونفوذها في المنطقة والعالم، بل وحتي في افريقيا التي أهملناها بعد أن كنا أصحاب الكلمة العليا فيها.. وذلك يعني في رأيي أنه إذا كانت مصر الثورة تتطلع الي إستعادة دورها القيادي في المنطقة والعالم فلا مفر من إقامة علاقات كاملة علي أساس من المصالح المشتركة والندية والاحترام المتبادل مع اللاعبين الرئيسيين الآخرين في المنطقة وهما تركيا وايران..ورغم ترحيب وتأييد الاغلبية الساحقة من المصريين لهذا التوجه الوطني المستقل لسياستنا الخارجية.. خرجت علينا أصوات تحذر من التقارب مع ايران بزعم أن لها مطامع خطيرة في المنطقة وأن ذلك سيغضب دول الخليج مما قد يلحق الضرر بالمصريين العاملين في هذه الدول!!.. ورغم أن معظم هذه الاصوات، ولا أقول جميعها، من ذوي التوجهات والولاءات المعروفة والمدفوعة مقدما و"علي رأسها بطحة"، وبالتالي لا تستحق الرد، فأن هناك بعض أصحاب النوايا الحسنة الذين يخضعون لتضليل مستمر ومن واجبهم علينا توضيح بعض الحقائق الثابتة.. أولا.. هناك جماعات ضغط "لوبي" تابعة لدول خليجية بعينها ولها مصالح واتصالات مع سفاراتها في القاهرة، بادرت بفتح النيران علي نبيل العربي وطالبته بالتمهل وعدم التسرع في التقارب مع ايران مرددة الذرائع التي ذكرتُها من قبل.. وهدف هؤلاء بالقطع هو أن تظل القطيعة بين طهرانوالقاهرة قائمة حتي تبقي سياسة مصر الخارجية مقيدة ومرهونة برغبات وإملاءات دويلات بلا وزن، ويتواصل مخطط تهميش مصر حتي تخرج من التاريخ.. وعلي من يشك في ذلك مراجعة تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية منذ يومين، وهي أول انتقاد علني امريكي لحكومة الثورة في مصر.. وكذلك إعادة قراءة بعض المقالات والتعليقات والتقارير في وسائل إعلام خليجية أو تمولها دولارات الخليج النفطية ، وملاحظة أن ذلك جاء متزامنا مع زيارة الوفد الشعبي المصري لطهران!!.. ثانيا.. إن أي محاولة لإقناعنا بالتفريط في إستقلالية قرارات مصر فيما يتعلق بسياستها الخارجية ، وخاصة بعد ثورة 25 يناير التي أعادت الينا كرامتنا وجعلت للمصريين شأنا آخر في كل مكان، مرفوضة تماما لأنها إنتقاص من سيادتنا ومناورة خبيثة للعودة بنا الي ما قبل ثورة 25 يناير التي أكدت أن مصر تقود ولا تُقاد وتأمر فتطاع لا أن تتلقي أوامرها من عواصم دويلات تابعة لأمريكا ولا يمكن لحكامها الحياة يوما واحدا دون حماية البنتاجون!!.. ثالثا.. القول بأن التقارب مع ايران يمكن أن يغضب بعض دول الخليج وبالتالي قد يضر مصالح المصريين العاملين في هذه الدول، مردود عليه بالقول إن مصر دولة عظمي بكل المقاييس في المنطقة علي الاقل ولا يستقيم أن تسمح بأن تكون مصالحها العليا مرهونة بإرادة الآخرين.. أما حقوق المصريين في دول الخليج وفي غيرها من دول العالم فيجب أن تكون مصونة ومضمونة باتفاقيات دولية لا تخضع لتقلبات السياسة وتحولات أمزجة النظم الحاكمة، وهذا مطلب أساسي من وزارة خارجية الثورة.. ولعلم الذين لا يعلمون أو الذين يعلمون ولكنهم "يصهينون ويستهبلون" أن جميع بلدان الخليج لها علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران ولها مصالح اقتصادية وتجارية متبادلة..والاكثر من ذلك أن دولة الامارات التي تقول إن ايران تحتل ثلاثا من جزرها في الخليج العربي هي أكبر شريك تجاري في العالم لإيران وتبلغ التبادلات التجارية بينهما 12 مليار دولار في العام.. كما أن الامارات تحتضن أكبر جالية ايرانية في العالم ويبلغ عددها 400 الف شخص.. وهناك جاليات ايرانية كبيرة في دول خليجية اخري هي الاحري بأن تتضرر مصالحها وليس ابناء مصر..!! وخلاصة القول إن مصر الكبيرة لن تحتل المكان والمكانة اللذين يليقان بها إلا إذا اتقنت التعامل مع الكبار بندية وكرامة وكبرياء.. ولا أحد ينكر أن ايران دولة كبيرة ذات حضارة عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ مثل مصر وتركيا.. وهذا المثلث هو الذي سيحدد مستقبل ومصير منطقتنا.. وهناك تعاون وثيق بالفعل ومصالح اقتصادية كبيرة بين طهران وانقرة ولكنهما تنتظران تفعيل الضلع الثالث الذي كسره نظام التبعية البائد وأعادته ثورة 25 يناير أقوي مما كان.. ومن أجل هذا المثلث الامل كانت مبادرة الوفد الشعبي المصري بزيارة ايران.. ولذلك حديث آخر..