أحداث كثيرة جرت خلال فترة توقف نشر المقالات تناولها الكتاب بالتعليق والتحليل ربما باستثناء ما استقر رأيي علي الكتابة فيه اليوم وهو التأجيل المتتالي لانتخابات المجالس المحلية بشكل بات يهدد اكتمال البناء السياسي ودعم الممارسة الديمقراطية خاصة بعد التصريحات الخاصة بتأجيلها إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية.. قرار يجعلني أتساءل »لمصلحة من؟».. حجة الحكومة أنها تريد أن تتفرغ لإنهاء ترتيبات الانتخابات الرئاسية.. عذر أقبح من ذنب! وإذا كانت الحكومة قد حاولت أن تغسل يدها وتبرئ نفسها من مسئولية تأخير انتخابات المحليات بهذه الصورة غير المفهومة بتأكيدها أن دورها قد انتهي بإحالة مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد إلي البرلمان بعدما أقره مجلس الوزراء في 20 يوليو 2016 وكان علي مجلس النواب الانتهاء من مناقشة مشروع القانون حتي يتسني إجراء الانتخابات فإن هذه المحاولة أيضا عذر أقبح من ذنب لأن الحكومة لو أرادت لاستعجلت مجلس النواب للانتهاء من مناقشة المشروع.. لكن أن يبقي المشروع في أدراج مكاتب لجان المجلس طوال الدورة البرلمانية الماضية والشهور الثلاثة الأخيرة من الدورة التي سبقتها أي أكثر من عام كامل لا يتحرك في اتجاه الصدور ثم تأتي الحكومة لتكشف عن نيتها تأجيل انتخابات المجالس المحلية لما بعد الانتخابات الرئاسية هو موقف يضع أكثر من علامة استفهام حول مدي إدراك الحكومة لأهمية صدور القانون وإجراء الانتخابات في أسرع وقت حتي تكتمل منظومة البناء السياسي في مصر؟ المشكلة ليست في تأجيل انتخابات المحليات لشهور بسبب عدم صدور القانون بل هي مسألة تأخرها لسنوات.. فمصر بلا مجالس محلية منذ 7 سنوات وكان المفترض إجراء انتخابات المحليات بعد ثورة 25 يناير 2011 لكنها تأجلت عدة مرات حتي يتم إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يفعل الممارسة الديمقراطية علي مستوي المحافظات ويساهم في بناء منظومة رقابية تعمل علي مكافحة الفساد المالي والإداري. لم يخطئ د. زكريا عزمي عندما أطلق مقولته الشهيرة أمام البرلمان منذ حوالي 10 سنوات حينما أكد أن الفساد في المحليات للركب لكن الدولة لم تتحرك حتي وصل الفساد إلي الرقاب وأصبح استئصاله عملية في منتهي الصعوبة. المجالس المحلية–لمن لا يعرف قيمتها وأهميتها–هي برلمانات مصغرة علي مستوي المحافظات والمدن والقري تراقب أعمال السلطة التنفيذية المتمثلة في المحافظين والأجهزة التنفيذية بالمحافظات.. وهي سلطة الرقابة الشعبية المنوط بها التصدي للفساد والمخالفات لهذا فإن أي تأخر في إجراء انتخابات المحليات يسهم في تفشي الفساد نتيجة غياب السلطة الرقابية وينعكس علي عدم كفاءة الأداء بالمحافظات. المجالس المحلية أيضا هي أفضل مكان لإعداد وتدريب القيادات السياسية خاصة الشباب والمرأة الذين يجدون صعوبة كبيرة في الوصول إلي البرلمان فتصبح المجالس المحلية طريقهم الوحيد لصقل خبراتهم السياسية استعدادا لخوض انتخابات البرلمان مستقبلا. كيف نهدر قيمة ومعني أن تكون لدينا هذه المجالس في أسرع وقت لتقوم بدورها في المراقبة والتقييم لأوضاع المحليات والتصدي للفساد.. كيف ننسي أن وجود المجالس المحلية يخفف الضغط علي أعضاء البرلمان ويجعلهم يتفرغون لمناقشة القضايا القومية والمشاكل العامة لا أن يركزوا جهودهم في حل مشاكل المحافظات التي من المفروض أن يتصدي لها أعضاء المجالس المحلية. كيف يعمل المحافظون بدون رقابة شعبية تمثلها المجالس المحلية بما لها من اختصاصات مالية وقانونية ويطرح أعضاؤها مشاكل المحافظة ويقترحون الحلول لها بما يساعد المحافظ علي أداء عمله؟ الرئيس السيسي دعا الشباب أكثر من مرة لخوض انتخابات المحليات ليمارسوا بأنفسهم الديمقراطية ويكونوا رقباء علي الأجهزة التنفيذية في محافظاتهم فكيف تضرب الحكومة عرض الحائط بهذه الدعوة وتظل تؤجل في الانتخابات مرة تلو الأخري بلا مبرر مقنع.. ألم يؤكد رئيس الوزراء أكثر من مرة العام الماضي أن الانتخابات ستجري قبل نهاية 2016؟ فكيف نفاجأ الآن بنية الحكومة تأجيلها إلي النصف الثاني من 2018؟