الآن،..، وبعد الاطمئنان علي أهلنا الذين غادروا العريش، وأصبحوا في مأمن من جرائم جماعة الإفك والتكفير والإرهاب،..، وبعد أن هدأت النفوس نسبيا، في ظل الامتصاص الشعبي والرسمي للتداعيات الناجمة عن تلك الجرائم، وما أثارته فينا جميعا من ألم وغضب واستنكار، يصبح من الحكمة أن نتنبه إلي ضرورة تحصين أنفسنا ومجتمعنا ضد جرائم الارهاب، ومخططاته الجبانة ومساعيه الخبيثة، لضرب وحدة الشعب ومحاولاته الدائمة لإثارة الفتنة بين جنبات المجتمع،..، ولتحقيق ذلك علينا ادراك أن الطريق إلي هذا التحصين والوصول إليه، يتطلب ترسيخ مفهوم المواطنة في عقول وقلوب كل المصريين وذلك يعني أن يتعمق في وجدان كل منا، نحن ابناء هذا الوطن، إيمان راسخ بقيمة ومفهوم المواطنة، باعتبارها قيمة تتقدم علي كل القيم الأخري، وتأتي قبل كل الصفات والمحددات الخاصة بكل منا، أي بكل المصريين، باعتبارهم جميعا، ودون استثناء، مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات دون تفرقة ودون تمييز بين أحد وآخر، علي أساس العرق أو اللون أو الدين،...، فالكل أبناء هذا الوطن، والكل يعمل لصالح دولته ولصالح شعبه ويسعي للحفاظ علي الدولة واستقرارها وأمنها،..، والكل يؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع. المعركة ممتدة وفي هذا الخصوص،..، علينا أن ندرك بوضوح تام الأهمية البالغة لوقوفنا جميعا بكل القوة والصلابة، في مواجهة المحاولات الدنيئة والخسيسة للإرهاب الأسود وقوي الشر والإفك والتكفير، التي تسعي لإشعال الفتن وإضعاف النسيج المجتمعي الواحد للمصريين وإسقاط الدولة. وعلينا في هذا التوقيت بالغ الدقة والحساسية من مسيرة الوطن نحو المستقبل، أن نعي ايضا الأهمية الفائقة للسعي الجاد والصادق كي نكون بالفعل مجتمعا متطورا لدولة مدنية حديثة، لامجال فيها لفكر منحرف يخلط الدين بالسياسة أو السياسة بالدين، ولامكان فيها للجهل أو التعصب أو التحريض الطائفي،..، إنما هي دولة تسعي بكل جدية لترسيخ قيم المواطنة قولا وعملا بين جميع مواطنيها، دون تفرقة ودون تمييز بين هؤلاء المواطنين. ونحن في سعينا ذلك يجب أن ندرك في ذات الوقت ان حربنا مع قوي الشر وخفافيش الظلام وجماعة التفجير والتكفير، ليست معركة قصيرة الأمد يمكن أن تنتهي في القريب العاجل، ولكنها معركة ممتدة وستطول بعض الوقت، خاصة في ظل اصرارهم الأسود وسعيهم الدنئ والإجرامي علي النيل من مصروشعبها، انتقاما من الدولة والشعب لتصديهم وإحباطهم لمخططاتهم القذرة، لتقسيم المنطقة وإسقاط دولها وإعادة رسم الخريطة العربية والشرق أوسطية من جديد،..، وهو المخطط الذي كان قد حقق أهدافه بصورة جزئية، فيما جري من غزو للعراق ونشر العنف والدماربها، ثم ما يجري من حرب ودمار وخراب في سوريا، وما جري ويجري من تخريب وإسقاط للدولة الليبية، ومايجري في اليمن، وما تم قبل ذلك في الصومال،..، وكان الدور علي مصر جوهرة التاج كما يقولون.. ولكن الله سلم وأسقط الشعب والجيش المخطط الإجرامي في الثلاثين من يونيو. الأهداف واضحة وإذا ما توقفنا بالتأمل والتدقيق في الجرائم النكراء التي ارتكبتها جماعة الافك والضلال والإرهاب ضد بعض أهلنا في العريش، لوجدناها دليل خسة وشهادة جبن لجماعة الإرهاب والتكفير من حيث كونها استهدافا جبانا لمواطنين عزل ومسالمين،..، ولكنه ايضا وفي الأساس استهداف مقصود بذاته لإثارة اكبر قدر من الترويع والخوف لدي الآمنين، في محاولة خبيثة وواضحة لنشر الإحساس بعدم الأمان، والترويج لادعاء كاذب بغياب قدرة الدولة علي حماية مواطنيها. ولو اضفنا إلي ذلك عامل التوقيت الذي اختارته الجماعة الارهابية لجرائمها الخسيسة في العريش ضد أهلنا الاقباط، لوجدنا انهم قد اختاروا الوقت بالتحديد، كي يكون قبل الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي إلي الولاياتالمتحدةالامريكية، ومحادثاته الهامة القادمة مع الرئيس الأمريكي الجديد. وهو ما يعني بوضوح تام، أن الهدف ليس مجرد ارتكاب وتنفيذ عمليات إرهابية وجرائم دنيئة ضد مواطنين مدنيين فقط، بل الهدف الرئيسي هو اثارة القلق والخوف عند إخواننا الأقباط، بغرض محاولة خلق مناخ لإحداث فتنة طائفية،..، وقبل ذلك وخلاله ارسال عدة رسائل سلبية أخري للخارج، تهدف في مجملها إلي الايحاء بعدم الاستقرار الأمني في مصر، وهو ما يمكن ان يؤدي إلي تعويق المحاولات الجارية الآن لعودة السياحة، وجذب الاستثمارات، وهو مايؤثر بالقطع علي المسيرة الوطنية للتنمية، والجهود المبذولة للخروج من الأزمة الاقتصادية،..، هذا بالاضافة إلي السعي لإثارة وتحريض أقباط المهجر ضد الدولة المصرية،...، وكلها كما نري أهداف ورسائل بالغة السوء والشر تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن المخطط والمدبر لها أجهزة اقليمية ودولية وليست مجرد عصابات ارهابية. قضية المواطنة وفي هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، وفي ظل الظروف بالغة التعقيد والتشابك التي تحيط بالمنطقة كلها، لابد أن ندرك أن قضية المواطنة هي في حقيقتها ومضمونها قضية بالغة الأهمية لنا، وهو ما يستوجب ان نضعها جميعا موضع الاعتبار، وأن نوليها اهتماما خاصا، نظرا لأنها تفوق في أهميتها كل القضايا الأخري علي المستويين الوطني والاجتماعي ايضا. ولذا فإن الصراحة التامة والشفافية الكاملة، يجب أن تكونا هما العاملين الأساسيين خلال تعرضنا لهذه القضية وتناولها بالبحث والتدقيق،...، وانطلاقا من ذلك فإن الضرورة تفرض علينا أن يكون السعي لترسيخ قيم ومفهوم المواطنة في مجتمعنا المصري بالقول والعمل معا، وليس بالقول فقط، لما يحمله ذلك من جدية لازمة، في ظل ما نراه ونتابعه من ترديد البعض لكلمة المواطنة دون الأخذ بها، أو العمل علي ترسيخها بالفعل فكرا وسلوكا وعملا. ولابد أن نكون جميعا علي درجة كبيرة من الوعي بأن المواطنة ليست كلمة تقال بلامعني وبلامضمون، كما أنها ليست شعارا يتغني به البعض في المناسبات، أو تلوكه الألسن بلاهدف وبلا مقصد،..، ولكنها في حقيقتها وجوهرها قيمة اجتماعية وثقافية وفكرية شاملة، تضم في جنباتها جميع الصفات المميزة للشخصية المصرية، بعد انصهارها وتمازجها في بوتقة الوطن الواحد علي مر العصور والأزمنة،...، وهي في ذات الوقت الدرع الواقية ضد جميع أمراض التعصب والتطرف، والسيف القادر علي القضاء علي جميع المحاولات المشبوهة لزرع بذور الفتنة وتهيئة الأجواء لإشعالها وتفجيرها بين المصريين. المصارحة والشفافية وفي اطار المصارحة والشفافية اللازمتين، ورغم تقديرنا البالغ لكل موجات الغضب وعواصف الانفعال والألم التي انتابتنا جميعا جراء الجرائم الارهابية الجبانة التي تعرض لها بعض أهلنا في العريش،..، وبالرغم من التحرك الفاعل لكل المسئولين في الدولة، لاستقبال الأسر التي غادرت العريش، وتوفير جميع سبل المعيشة لهم والتخفيف عنهم، ورعاية ابنائهم الأطفال الصغار، الذين هم بالفعل فلذات اكباد كل المصريين،...، إلا أن ذلك يجب ألا يجعلنا نتوقف عند هذا الحد من الاهتمام بالقضية بالغة الأهمية التي بجب أن تكون دائما وأبدا موضع الاعتبار وراسخة في وجداننا جميعا، وهي قضية ترسيخ وتعميق مفاهيم وقيم المواطنة في وجدان وعقل كل المجتمع المصري بحيث تكون منهج حياة وتفكير وسلوك لكل طفل وشاب مصري وكل اسرة مصرية. وذلك يتطلب منا، الآن وليس غدا، السعي بكل الحكمة والجدية والسرعة لخلق تحرك مجتمعي شامل، في اطار خطة كاملة واستراتيجية واضحة تؤكد علي وحدة النسيج الاجتماعي المصري وقوة تماسكه في مواجهة كافة دعاوي التعصب والتطرف المقيت، وتزرع في نفوس كل المصريين مشاعر الانتماء القوي للوطن، وتنزع كافة دعاوي الطائفية الخبيثة.. وأن يكون الهدف والمقصد من هذه الخطة هو تنقية العقول والقلوب، من كافة صور وأشكال ومشاعر التعصب والتطرف وضيق الأفق، وغيبة الوعي والحكمة، وهي المشاعر السلبية التي تجعل البعض أكثر استعدادا وقابلية للوقوع في مزالق الزلل والانسياق وراء دعاة الفتنة والتطرف. وأن يكون الاطار العام لهذه الخطة والمحدد الأساسي لهذه الاستراتيجية، هو السعي لإعادة روح التسامح لوطنناالحبيب، وعودته كما كان وكما يجب أن يكون دائما، وطنا لكل ابنائه ولكل مواطنيه، ومثالا حيا علي التماسك الاجتماعي والقيم الأخلاقية والدينية السمحة، التي تحتضن الكل وتضم الجميع. استراتيجية شاملة ووفقا لهذا المسعي ولتحقيق هذا الهدف، يصبح من الضروري والواجب ان يضم هذا التحرك جميع المؤسسات وكل الهيئات الشعبية والرسمية،..، والمقصود بالشعبية هنا هيئات ومؤسسات المجتمع المدني، بكل ألوانه وتنويعاته المتصلة بهذه القضية من قريب أو بعيد، بما يمثله من نقابات مهنية، وجمعيات أهلية، وأحزاب سياسية ومنتديات ثقافية واجتماعية. وأن يكون معهم في الجهد والعمل جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية في الدولة المسئولة عن هذه القضية والمتصلة بها، سواء في وزارة التعليم باعتبارها المسئولة عن تربية النشء، وغرس القيم الصحيحة في وجدان اطفالنا وشبابنا، ووزارة الثقافة واجهزة الاعلام باعتبار مسئوليتها عما يدخل في عقول ونفوس المواطنين من ألوان المعرفة والفنون والآداب والثقافة والفكر بشتي ألوانه وكل اتجاهاته، وما يترسخ في وجدانهم من قيم رفيعة وسامية أو غير ذلك للأسف. علي أن يسبق هؤلاء جميعا المؤسسات الدينية والدعوية سواء في مشيخة الأزهر أو وزارة الأواف، أو الكنيسة، بما لهم من تأثير مؤكد وبالغ في نفوس كل المصريين علي مر العصور. وأحسب انه لامبالغة في القول بأن هذه الهيئات وتلك المؤسسات والوزارات قادرة اذا ما خلصت النوايا وحسن القصد، علي وضع استراتيجية شاملة لترسيخ وحدة الأمة وإعلاء قيمة المواطنة ونشر قيم التسامح والوسطية بين كل المصريين،...، وأعتقد جازما ومؤمنا بأن ذلك فرض واجب الأداء يجب الالتزام به من كل حكماء هذه الأمة. الموضوعية.. والأمانة يلفت الانتباه بقوة ما طفح علي السطح هذه الأيام من متغيرات اجتماعية تستوجب الفحص والاهتمام، في اطار الرصد الواجب لبعض الظواهر التي طرأت علينا خلال السنوات القليلة الماضية.. ولعل ابرز هذه الظواهر هو تلك المتصلة بما جري لقيمة »الموضوعية» في الرأي ووجهة النظر من تغير كبير، أصبحت في ظله تكاد أن تكون عملة صعبة أو نادرة التواجد لدي البعض ممن ينتسبون لعالم النخبة، سواء كان هذا الانتساب بحكم الأمر الواقع أو بالادعاء ووضع اليد، أو حتي كان انتسابا طبيعيا ومشروعا. وقد دفعت تلك الندرة الغالبية العظمي من عامة الناس وخاصتهم، للظن بأن الموضوعية في الرأي أو التعبير عن وجهة النظر، أصبحت هي الفريضة الغائبة لدي النخبة علي وجه العموم..وقد ساعد علي هذا الظن، ما نراه ونسمعه ونتابعه كل يوم من تأكيدات صادرة عن كل هؤلاء المنتسبين للنخب من تمسكهم بكافة القيم الأخلاقية والإنسانية العامة، وإيمانهم الذي لايتزعزع بمبادئ الحرية والديمقراطية وعدالة القول وصحة الفعل، والتزامهم الدائم بحقوق الانسان،..، ثم إذا بنا نفاجأ للأسف الشديد بهؤلاء يسارعون بالتخلي عن كل هذه القيم وتلك المبادئ والحقوق، إذا ما تعارضت مع مصالحهم ولم تتوافق مع أهوائهم وانتماءاتهم. وأكثر ما يظهر فيه ذلك التناقض الصارخ والفج بين ما يقولونه بألسنتهم وما يروجونه عن انفسهم، وبين ما يفعلونه بأيديهم وما يقومون به بالفعل علي أرض الواقع،..، هو في المواقف الفارقة بين الحق والباطل، وفي اللحظات التي تستوجب التحديد والاختيار دون لبس أوإبهام،..، فإذا بهم ينحازون فورا إلي مايرونه محققا لمصالحهم، أو متوافقا مع أهوائهم وانتماءاتهم الفكرية والأيديولوجية، دون التفات إلي قضية الصواب أو الخطأ، ودون أدني اكتراث بالتفرقة بين الحق والباطل. حكم البراءة وقد ظهر هذا بصورة واضحة الفجاجة في ردود الأفعال ووجهات النظر، التي بادر بها الكثيرون ممن تناولوا بالكتابة أو التعليق، علي ما قضت به محكمة النقض، من براءة الرئيس الأسبق حسني مبارك من التهم الموجهة إليه، بقتل المتظاهرين في احداث الخامس والعشرين من يناير عام 2011. فما أن اصدرت المحكمة حكمها الذي هو بالنسبة للكافة عنوان الحقيقة، حتي خرج علينا بعض هؤلاء يحاولون بكافة السبل النيل من الرجل الذي برأته المحكمة، بل والتشكيك في استحقاقه للبراءة والتقليل من شأن هذه البراءة،...، والأكثرمن ذلك الادعاء تلميحا في احيان وتصريحا في أحيان أخري انه هو وحده المسئول مسئولية مباشرة عن كل ما جري وما كان، من استهداف وقتل وحرق وتدمير بطول مصر وعرضها خلال احداث يناير وما بعدها.وتجاهل هؤلاء بالقصد والعمد أن قضاء مصر العادل تناول بالفحص والبحث والتدقيق كل هذه الوقائع وكل هذه الاتهامات، طوال خمس سنوات أو تزيد، ثم أصدر حكمه البات والنهائي بالبراءة بعد أن تثبت منه ووقر في يقينه. تجاهل متعمد وتجاهل هؤلاء بالقصد والعمد ايضا، وتحت وقع موقفهم الخاص ودوافعهم الذاتية، أن الموضوعية والنزاهة والأمانة ايضا تفرض عليهم الاحترام الكامل للحكم الذي جاء مصدقا لشهادة وإقرار المشير حسين طنطاوي، وقادة القوات المسلحة وقائد الحرس الجمهوري ورئيس المخابرات العامة،..، الذين أكدوا جميعا أن الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يصدر أمرا علي الاطلاق لأي منهم بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين. وتجاهلوا قبل ذلك كله ومن بعده، حقيقة أن الرجل كان ولايزال بطلا من ابطال نصر اكتوبر، وانه خاض غمار الحرب دفاعا عن مصر وشعبها وذودا عن ترابها وردا لكرامتها،..، وأن من فعل ذلك عن طيب خاطر وبشجاعة وحب للوطن،،، لايمكن ان يخون هذا الوطن أو يأمر بقتل هذا الشعب. وفي ذلك أحسب أن من حقه علينا جميعا شهادة حق وبعض الموضوعية والأمانة،..، وهذا أقل القليل.