من الضروري أن نقول بوضوح ودون تردد في هذا الوقت بالذات، إن كافة المواطنين ، وكل الاخوة والابناء من الشباب المسلم والقبطي في مصر، يدركون أن الكنائس ليست هي المقصودة فقط ، ولا المستهدفة بالذات، في الجريمة الإرهابية الجبانة التي ارتكبتها يد الغدر والضلال في الإسكندرية،...، ولكن المقصود والمستهدف بمؤامرة الإرهاب الخسيسة هي مصر ذاتها، مصر بكل ما تعنيه وتمثله من استقرار وأمن وآمان وسلام. الكل يعلم علم اليقين أن المؤامرة التي حيكت خيوطها في سراديب الإرهاب المظلمة، موجهة إلي قلب مصر، النابض بالخير والسلام والمحبة والايمان، بكل ما تضمه بين ثناياها من نسيج اجتماعي واحد، وقيم إنسانية رفيعة، وقيم دينية وسطية ومتسامحة. من هنا فإن ادعاء البعض بسوء الفهم، أو غيبة الوعي، ان الحادث البشع والمرفوض والمنكر إنسانيا ودينيا، هو تعبير عن فتنة طائفية، أو هو صورة من صور الاحتقان الديني، هو قول خاطيء بل ادعاء غير صحيح جملة وتفصيلا، يحاول ترديده دون قصد البعض ممن غلبهم الانفعال والغضب، فغابت عنهم الرؤية الواضحة والصحيحة للحادث البشع، ... ، كما يحاول الترويج له بسوء القصد البعض الآخر ممن في قلبه مرض كاره لمصر وللمصريين جميعا وللشعب بكافة أطيافه، وبكل تراثه وتاريخه وحضارته. ومن الضروري والمهم أن يكون واضحا لنا جميعا، أن محاولات البعض ترديد ذلك، أو الترويج له، بعدم الفهم هو إساءة لمصر والمصريين، ... ، أما الترويج له بسوء الطوية، فهو تعبير معلن وفج عن مدي الكراهية والحقد المختزن في قلوبهم السوداء والمريضة، ضد الوطن وكل أبنائه. والحقيقة المؤكدة لنا جميعا، ولكل المصريين أن ما وقع هو جريمة إرهابية مخططة بدناءة ضد مصرنا الحبيبة، والاصابع الخارجية فيها غير مستترة، بل وأيضا معلنة بسفور فاجر، سواء في ذلك من هددوا بها قبل التنفيذ، أو من أعلنو مسئوليتهم عنها بعد ذلك، أو حتي من يتخفي وراءهم ويدفع بهم ولهم، ويستخدمهم لبلوغ مآربه وغاياته السوداء. أما الهدف فهو توجيه ضربة إلي قلب مصر في محاولة جبانة لهز استقرار الوطن، وإحداث شرخ في وحدة مواطنيه، والتأثير بالسلب علي نسيجه الاجتماعي المترابط وإذكاء روح الفرقة والانقسام في صفوفه، ونشر دعاوي الطائفية، وإشعال نار الفتنة. إذن نحن أمام مؤامرة واضحة المعالم، معلنة الاهداف والمقاصد، وما حدث هو جريمة ارهابية مبيتة مع سبق الاصرار والترصد، لم تأت نتيجة احتقان طائفي، ولم تحدث كصورة من صور الفتنة الطائفية في مصر المحروسة، ولكنها تهدف في الاساس إلي أحداث هذا الاحتقان، وإشعال نيران الفتنة.
ومن هنا لابد ان يكون ماثلا أمام أعيننا، وراسخا في وجداننا جميعا، ان مهمتنا الاولي، وعملنا الاهم، هو احباط أهداف المؤامرة، والحيلولة دون تحقيقها لغاياتها،...، وهو ما يتطلب التصدي بكل حسم وقوة لأي صوت نشاز يروج للاحتقان الطائفي، أو يدعو للفتنة، وشق الصف، وألا تأخذنا أدني شفقة، أو رحمة بكل من يحاول ذلك أو يسعي إليه، بغيبة الوعي، أو سوء القصد، مهما كانت الذرائع التي يتذرع بها، أو الحجج التي يستند إليها. يتساوي في ذلك بالقطع كل من يريد أن يصطاد في الماء العكر، أو يتصور بقصر النظر، أو فساد القصد، أن تلك فرصة سانحة لتحقيق أوهامه الخائبة وأحلامه الضائعة في زعامة لايملك مقوماتها، ويحاول ركوب الموجة في انتهازية سياسية واضحة محملا الدولة مغبة ما حدث، والادعاء بأن غيبة السلام الاجتماعي وغياب الحريات يقف وراء الجريمة، مثلما فعل الدكتور البرادعي المتطلع لصدارة المسرح السياسي دون أدني استحقاق يؤهله لذلك. ونحن ننصح الدكتور الذي نكن له تقديرا واجبا واحتراما لازما لكونه خبيرا مصريا ودوليا في مجال محدد، ان يتمهل في آرائه ويتروي في احكامه وينظر ويتفكر قبل ان يلقي بالكلام جزافا، أو علي عواهنه، طالما انه ألقي بنفسه في بحر السياسة التي هي مسئولية جسيمة تتطلب حكمة ورؤية نافذة، ونقول له أيضا انه لا يصح إطلاقا ان يغمض عينه وعقله عن الحقيقة الواضحة لكل المصريين والعالم.. والتي تقول بان الحادث جريمة إرهابية واضحة المعالم،..، وانها محاولة دنيئة، لضرب الوحدة الوطنية واشعال نار الفتنة في المجتمع المصري.. وهو ما يجب ان نقاومه جميعا ونرفضه بدلا من البحث له عن مبررات وذرائع تجعلك في الواقع كمن يصب الزيت علي النار ويدعي انه يحاول اطفاءها. ولكننا في ذات الوقت نلتمس العذر للدكتور نظرا لغيابه الطويل خارج مصر مما قد يكون قد مثل عائقا له في فهم الواقع المصري علي الطبيعة. وهو ما يجعله يخرج عن السياق في احيان كثيرة ومتكررة وهذا ما لا نرجوه له،..، وكنا نتمني ان يتركنا لشأننا وحزننا وغضبنا لما حدث.. ويريحنا بصمته وانصرافه لجولاته ورحلاته في الخارج.
وفي هذا الإطار يكون واضحا للكل أن وحدتنا الوطنية، هي الدرع الصلبة التي تتحطم عليها كل سهام الغدر والتآمر، وان الحفاظ علي هذه الوحدة هي سلاحنا الفاعل والباتر في حربنا ومواجهتنا لقوي الإرهاب الأسود، التي تحيك لنا جرائم الشر في دهاليز الظلام. وانطلاقا من ذلك، وفي ظل ما تموج به الساحة المصرية الآن من تجاذب في الرأي وتبادل للرؤي ممتزجة بموجات غضب ملتهبة وعواصف انفعال مشتعلة، نتيجة الجريمة الإرهابية البشعة التي وقعت بالإسكندرية، وما خلفته وسببته من ألم واستنكار لدي كل المصريين، يصبح من الضروري ان نبذل جميعا غاية الجهد لترسيخ مفهوم واضح لا لبس فيه في عقول ووجدان جميع المواطنين، وهو ان مصر دولة مدنية، بكل ما تعنيه وتحمله هذه الكلمة من معان ودلالات. وان يتعمق في وجدان كل منا، نحن ابناء هذا الوطن، ايمان راسخ بقيمة ومفهوم المواطنة، باعتبارها قيمة تتقدم علي كل القيم الأخري، وتأتي قبل كل الصفات والمحددات الخاصة بالمصريين، باعتبارهم جميعا، ودون استثناء، مواطنين مصريين لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، دون تفرقة أو تمييز بين أحد وآخر، علي أساس عرق أو لون أو دين، فالكل أبناء هذا الوطن، والكل يعمل لصالح تقدمه، ورخائه واستقراره وأمنه، وأمانه،...، والكل يؤمن بأن الدين لله، والوطن للجميع. ويجب علينا أن ندرك، في هذا التوقيت بالغ الدقة والحساسية في مسيرة الوطن، وفي ظل ما نواجهه من مؤامرات الإرهاب التي تحاول ان توقف المسيرة، وتهز الاستقرار والأمن، أن الضرورة تتطلب منا ان نعطي أهمية قصوي، للسعي الجاد للوصول لمجتمع متطور، لدولة مدنية حديثة، لا مجال فيها لفكر منحرف يخلط الدين بالسياسة أو السياسة بالدين، ولا مكان فيها للجهل والتعصب، والتحريض الطائفي،...، مجتمع يسعي بكل الاصرار لترسيخ قيم المواطنة، قولا وعملا بين جميع أبنائه دون تفرقة بين مسلميه وأقباطه.
وإذا كنا قد ادركنا منذ اللحظات الأولي للحادث الإرهابي البشع، ونحن في ذروة الغضب والألم والانفعال، ان هذه الجريمة ليست موجهة ضد البعض منا، دون غيرهم، بل هي موجهة ضد مصر كلها، وضد كل أبناء الوطن،...، فقد كانت جموع الشعب، بكل فئاتها، علي درجة عالية من الوعي والحكمة، بحيث ادركت في ذات الوقت اننا جميعا مستهدفون بهذه المؤامرة الجبانة وأن من قاموا بهذا العمل الإرهابي ليسوا بالقطع مسلمين، وليسوا بالقطع مصريين، بل هم في الحقيقة خطر داهم علي مصر وشعبها، وعدو واضح مفعم بالحقد والكراهية ضد مصر. وقد تجلي ذلك الإدراك في هبة الشعب كله غضبا لما حدث، واستنكارا لما وقع، ومحاولة امتصاص الصدمة، ومواساة اهلنا في مصابهم الأليم، والاعلان في ذات الوقت عن الوقوف صفا واحدا في مواجهة الإرهاب، واعلان الحرب عليه دون هوادة، ومطاردة المجرمين واستئصال شأفتهم. ومنذ اللحظة الأولي للحادث الإرهابي، ورغم بعض مظاهر الغضب والانفعال من بعض الشباب، والتي نظر اليها الجميع علي انها تعبير متفهم وطبيعي، في اطار الرفض لما وقع، والادانة لما جري،...، إلا انه كان واضحا ان حكماء الأمة، وجموع الشعب، قد تمكنوا من القراءة الصحيحة لحقيقة ما وقع، بوصفه جريمة إرهابية، لا إنسانية، ولا دينية، تؤكد ان معركة مصر مع الإرهاب لم تنته بعد، وإن علينا أن ندرك أن مؤامرة خفافيش الظلام والكارهين لمصر وشعبها لا تزال قائمة ضدنا،...، وإن ذلك يفرض علي الأمة كلها اليقظة المستمرة، والاستنفار لمواجهة طيور الظلام، في حرب لا هوادة فيها، تنتهي فقط بالقضاء عليهم. وفي هذا الاطار كان من الطبيعي، والمهم أن نري الموقف المسئول والحكيم لابني مصر الشامخة الدكتور الطيب شيخ الجامع الازهر، والانبا شنودة رأس الكنيسة المصرية، اللذين ضربا مثلا رائعا في الاخوة، والتلاحم والوقوف يدا واحدة في مواجهة جرائم الإرهاب الذي يهدد أمن مصر وأمان مواطنيها، ويسعي بالحقد والكراهية والشر للنيل من استقرارها، وشق وحدتها الوطنية،...، ولكن!.
نعم،...، ولكن، ولكن هنا تحتل درجة عالية من الأهمية من وجهة نظري حيث اني ورغم تقديري البالغ واحترامي الشديد لكل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وقداسة الانبا شنودة بابا الإسكندرية ورغم ترحيبي بما قاما به وما ينويان القيام به، وبالرغم من اعترافي بثقلهما الديني ودورهما الروحي الا ان ذلك لا يكفي، بمعني انه لا يمثل بديلا عما يجب ان نقوم به لترسيخ مفهوم المواطنة في نفوس وعقول وقلوب كل المصريين، وهو ان نسعي جميعا لأن تكون مصرنا دولة مدنية حديثة بالفعل وليس بالكلام فقط. وفي هذا الخصوص، ووفقا لهذه الرؤية، فإننا نقول بصراحة ووضوح ودون تردد، ان طريق المواجهة والانتصار الحاسم في معركتنا ضد الإرهاب الأسود هو التمسك القوي والصلب بوحدتنا الوطنية، في إطار الدولة المدنية الحديثة، التي تقوم في أساسها علي اعلاء قيمة المواطنة طبقا لما جاء في نصوص الدستور، وان يتم بصرامة وبقوة القانون محاسبة وردع كل من يخرج عن ذلك، وكل من يسعي لضرب المواطنة أو الخروج عن مبادئها بالترويج للاحتقان الطائفي، أو الفتنة، أو يمارس تمييزا بين المصريين علي أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس. وأقول ان ذلك يتطلب منا السعي بكل الحكمة والجدية والسرعة إلي تحرك مجتمعي شامل، لوضع خطة علاج سريعة وحاسمة، في إطار استراتيجية واضحة، تقتلع مشاعر التعصب من جذورها، وتزيل جذور الطائفية المقيتة من تربة الوطن ونفوس المواطنين. وان يكون الهدف والمقصد، هو تنقية العقول والقلوب من ذلك المرض، الذي أصاب البعض، وجعلهم في حالة سيئة من التعصب والتطرف وضيق الأفق، بما يجعلهم أكثر استعدادا وقابلية للوقوع في مزالق الزلل، والانسياق وراء دعاة الاحتقان والتطرف والفتنة.
وفي هذا الإطار يصبح من الضروري والواجب ان يضم هذا التحرك جميع المؤسسات والهيئات الشعبية والرسمية في الدولة المصرية، ونقصد بالشعبية هنا هيئات ومؤسسات المجتمع المدني بكل الوانه وتنويعاته بما يمثله من نقابات مهنية وجمعيات أهلية، وأحزاب سياسية، وان يكون معهم وزارات ومؤسسات الدولة المسئولة عن تعليم وتربية أبنائنا، وغرس القيم الصحيحة في وجدان الأطفال والشباب، ووزارة الثقافة، ووزارة الإعلام، وكل المؤسسات المسئولة عن الفكر والثقافة وما يراه ويشاهده ويقرأه المواطن المصري، بوصف هؤلاء هم المسئولين عما يدخل للعقول ويستقر في الوجدان، ويشكل طبيعة البشر. ثم مع كل هؤلاء رجال الدين بوصفهم مسئولين ومكلفين بخطاب ديني وسطي معتدل وصحيح لا يدعو للتطرف ولا يساعد علي الاحتقان، ولا يروج للفتنة،..، خطاب ديني لمجتمع ديمقراطي في دولة مدنية حديثة، تؤمن بالمواطنة، وتساوي بين الجميع، والكل يعمل ويتصرف انطلاقا من الايمان بأن الدين لله والوطن للجميع.