شاءت إرادة الله، ولاراد لإرادته، أن يتم نوره، علي الشعب المصري.. وأن ينتشله من هوة الظلم والفساد، والظلام.. فتوج ثورة شباب 52 يناير بالنصر المبين.. وجاء النصر العظيم يوم الجمعة 11 فبراير الحالي برحيل النظام الفاسد.. بعد أن رابط الشباب في ميدان الشهداء.. ميدان التحرير سابقا 81 يوما، مطالبين بالحرية، والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وأصبح يوم الجمعة 11 فبراير، الحالي يوما خالدا.. وأصبح عام 1102 عاما ثوريا تحتفل بهما مصر في كل عام.. رمزا لانتصار إرادة الشعب علي الطغيان واتباعه.. في هذه الأيام الطيبة مادت الأرض تحت أقدام المتجبرين، وانتعشت الآمال في أن تكون مصر الغد، مصر المستقبل أفضل من مصر اليوم.. واكرم من مصر الأمس.. لقد استطاع الشباب، دون غيرهم، الذين لم تلوثهم أدران الحزبية البغيضة.. أو التيارات الدينية المنحرفة.. أن تضع نهاية للمأساة الإنسانية، التي عاشها الشعب المصري اكثر من 03 عاما.. مأساة الجوع.. والفقر وفقدان العدالة الاجتماعية.. وضياع الحريات.. تحت وطأة التزوير والنفاق.. والانتهازية البغيضة. نعم سقط النظام ورموزه.. وبدأت مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني قوامها وأساسها البناء والتعمير وصناعة التقدم.. ومواكبة التقدم العلمي العالمي، مرحلة جديدة تتطلب من الناس جميعا، التضافر والتكاتف.. لاقامة وبناء دولة مدنية، دولة تظلها العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، وأن تكون ثروة مصر لابنائها، وليس لطبقة طفيلية أو مجموعة متسلقة، عاثت في الأرض فسادا، لم تصون نعم الله، وما أكثرها، والتي لا تحد ولا تعد ولا تحصي.. هذا التضامن والتكاتف، فرض عين يؤديه الجميع، لحماية الثورة الشبابية.. ولإعادة مصر إلي مكانها ومكانتها اللائقين بشعب عظيم.. علم الدنيا منذ فجر التاريخ قيم الحق والخير والعدل. شاءت إرادة الله إلا أن يتم نوره.. فيحتفل الناس بعيدين في آن واحد عيد الحرية والكرامة.. وعيد مولد المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم، رسول المحبة والمودة والتآخي والعدل الذي بعثه الله لهداية البشر كافة.. والتي تهل انوار مولده بعد غد، الثلاثاء. ونعود اليوم لاستكمال ما بدأناه يوم الجمعة الماضي من حديث عن »ثورة الشباب«.. ذلك الكتاب الذي اصدره منذ أكثر من ربع قرن الكاتب العظيم توفيق الحكيم رحمه الله. في هذا الكتاب القيم يحدد رؤيته الثاقبة نحو أجيال الشباب، ودورهم في ترسيخ القيم السليمة.. وقيادة الأمة إلي بر الأمان، وصناعة المستقبل.. وكأنه يعيش بيننا الآن، وفرغ من كتابته منذ لحظات يري ويسمع صيحات الشباب المرابط بالملايين في ميدان الشهداء.. التحرير سابقا.. المطالبين بالحرية والحقوق المشروعة.. حتي تحقق لمصر النصر العظيم. يقول أستاذنا الجليل توفيق الحكيم: »كل ثورة دليل حيوية.. والشباب هو الجزء الحيوي في الجسم.. فلا عجب أن يقوم بالثورة الشباب.. وقلما تكون هناك ثورة شيوخ، لأن الشيخوخة هي تناقص الحيوية. والثورة مادامت متصلة بالحيوية فلابد ان تكون منشطة لهذه الحيوية ومجددة لها.. وإلا اتخذت اسما آخر هو »الهوجة«.. والفرق بين »الثورة« و»الهوجة« هو أن »الهوجة« تقتلع الصالح والطالح معا.. كالرياح الهوج تطيح بالأخضر واليابس معا، وبالشجرة المثمرة والشجرة الصفراء جميعا، أما »الثورة« فهي تبقي النافع وتستمد منه القوة... بل وتصدر عنه أحيانا، وتقضي فقط علي البالي المتهافت المعوق للحيوية، المغلق لنوافذ الهواء المتجدد، الواقف في طريق التجديد والتطور. ولكن المسألة ليست دائما بهذه البساطة فالثورة، والهوجة تختلطان أحيانا، إن لم يكن في كل الأحيان، فالثورة كي تؤكد ذاتها وتثبت أقدامها تلجأ إلي عنف الهوجة لاقتلاع كل ما كان قبلها... وتجعل بداية كل خير هو بدايتها، وتاريخ كل شئ هو تاريخها.. ولا يتغير هذا الحال إلا عندما تشعر الثورة بصلابة عودها وتوقن أنه قد أصبح لها وجه واضح وشخصية متميزة ومكان راسخ في التاريخ العام... عندئذ تنبذ عنها عنصر الهوجة وتأنف منه، وتعود بكل اطمئنان إلي تاريخ الأمة العام لتضع كل قيمة في مكانها الصحيح، وتضع نفسها في الحجم المعقول، داخل إطار التسلسل الطبيعي لتطور أمة ناهضة... إذا عرفنا ذلك كان من الميسور أن نفهم حركات الأجيال الجديدة أو ما يسمي اليوم بثورة الشباب. ما من أحد منا لم يشعر في شبابه برغبة ما في الانطلاق عبر بعض القيود، ذلك مظهر من مظاهر الحيوية، الحركة والتحرر وتأكيد الذات، ولكي نؤكد ذاتنا ونبرز شخصيتنا الخاصة كان لابد لنا من الانفصال عن شخصية السلف، ووسائلنا في ذلك مفتعلة كوسائل كل ثورة في صباها، وهي الرفض لكل ما يقوله السلف.. ولكن في أيامنا نحن لم تكن الهوة سحيقة كما هي اليوم بين الآباء والأبناء.