انطلقت الثورة المصرية المباركة في الخامس والعشرين من يناير الماضي بيد شباب قلبوا المعادلة نحو الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي حرمت منها أجيال متعاقبة بحكم الطواغيت الذين ملأوا الأرض فساد وجورا ، وقد كان البعض ينظر إلى شباب مصر ويتهكم بأنه شباب تائه ضائع مائع لا هوية له ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن يظهر المعدن الطيب البارع والحقيقة العملية الواقعية لشباب مصر الذين نزعوا الخوف من قلوبهم وتوجهوا بصدورهم العارية في يوم الغضب وما بعده ليسقط منهم ما يزيد عن ثلاثمائة شهيد وخمسة ألاف جريح .. كلهم شباب مثقفون رائعون ماتوا وهم أحياء عند ربهم يرزقون وجرحوا ليحي شعبهم حتى ياتوا شموعا تضئ لهذا الشعب الأبي طريق الحرية والكرامة والعدالة. من أجل هذا يجب أن لا ننسي هذه الدماء الذكية التي أزهقت من أجل أن يعيش الجيل الحالي والأجيال المستقبلية حياة كريمة لا تهان فيها نفس ولا تذل فيها نسمة ولا يشبع فيها حاكم وحاشيته ويستلقي شعبه على بطنه من الجوع والمهانة. إن مراوغات النظام الفاسد غير المشروع والتفافه حول طلبات الشباب المشروعة سواء في التصريحات أو المفاوضات يحتم علينا أن لا ننسي هذه الدماء الذكية وألا ننسي فساد نظام الحكم وطاغوته، وأن نتمسك بمطالب الشباب. لقد ملأ هذا النظام الفاسد أرض مصر ظلما وفسادا وطغيانا وإثما وبلطجة فاستضعف شعبه وأذاقهم الويلات على المستوي المادي والمعنوي ، فعلى المستوي السياسي حال بين الشعب والحرية وحكمه بالطوارئ وجعله في سجن كبير في نفس الوقت الذي ترك فيه الحرية الكاملة للصهاينة يمرحون ويسرحون في أرض مصر، بل كان وما زال أسيرا للصهيانة والأمريكان يأتمر بأمرهم وينتهي بنواهيهم. كما زور إرادة الأمة في الانتخابات ولم يبال بأحكام القضاء ، وجمد النقابات المهنية، وحال دون تكوين الأحزاب، وشطب التيار الإسلامي في انتخابات الجامعات ، واستخدم البلطجية في كافة الانتخابات ، كما استعملهم بخيولهم وجمالهم وسيوفهم وقنابلهم القذرة لقمع ثورة الشباب فرد الله كيده إلى نحره. وهو الذي جعل المصري رخيصا في خارج بلده لأنه هان داخل وطنه. وخلق طبقة طفيلية من تزاوج السلطة بالمال قادت سياسة البلاد نحو الدمار. وجعل نجله وصيا على الأمة وجهز له العدة والعتاد لميراث السلطة في مصر –امتدادا لثلاثين عاما من القهر والظلم- حتى شاءت إرادة الله أن يدفن مشروعه التوريثي علي أيدي هؤلاء الشباب الأطهار. كما جعل من جهازه الأمني أداة للقمع وإذلال بني آدم الذين كرمهم الله ، وبسط يده القمعية للزج بمعارضيه في السجون واعتقالهم والاستيلاء على أموالهم بحجة غسل الأموال ، بل والاستيلاء على أموال التبرعات لشعب غزة الجريح وسجنه أيضا في سجن كبير. وعلى المستوي الاقتصادي فحدث ولا حرج من علاء وجمال مبارك لأحمد عز وغيرهم الكثير الذين نهبوا ثروات البلاد والعباد حتى قدرت بعض الصحف الغربية ثروة أسرة مبارك ما بين 40 و 70 مليار دولار كونها من دماء وجماجم الشعب الذي يعيش نحو نسبة 40% منه تحت خط الفقر وهذا المبلغ المنهوب كفيل بإخراج الشعب المصري من خط الفقر إلى خط الغني والستر، أما ثروة أحمد عز التي تقدر بنحو 50 مليار جنيه فهي من عجائب هذا الزمان الذي جعل الخصخصة وسيلة لنهب الأموال وتحويل عضو بفرقة موسيقية إلي الاستيلاء على أموال البنوك واحتكار صناعة الحديد في مصر في مسرحية مفضوحة ، وقس على ذلك صفقات لا تحصي ولا تعد من الفساد والإفساد – التي تبلغ قيمته سنويا نحو 70 مليار جنيه - منها : صفقة مدينتي ، وصفقة عمر افندي ، وصفقة المراجل ، وصفقات توشكي ، وشركات الأسمنت، وعبارة السلام، وهايدلينا ، والمغربي، وجرانة ، وحسين سالم صديق الرئيس الذي خرج من مصر بمليار ونصف المليار من الدولارات، وهو الوسيط الأكبر في بيع الغاز المصري للكيان الصهيوني بملاليم. وفي الوقت نفسه الذي امتلآت فيه كروش وجيوب الفاسدين عانت جيوب وبطون الشعب من الافلاس والجوع وزادهم النظام الفاسد قهرا وإفسادا بفرض ضرائب إضافية من أعجبها الضرائب الغقارية. وعلى المستوي الاجتماعي جعل النظام الفاسد الشعب يدور في طاحونة لقمة العيش فتفككت الروابط الأسرية ، وزادت الجرائم ، وارتفعت نسبة العنوسة ونسبة الطلاق، وعاش جزء لا يستهان به من الشعب عيشة القبور -بل في القبور- في الوقت الذي كان يتلذذ مبارك وأعوانه بالقصور في بقاع مصر وفي مقدمتها القاهرة والاسكندرية ومارينا وشرم الشيخ والعين السخنة. بل وأصبحت التعيينات في الوظائف حكرا على النظام وأعوانه وأصبح المخالفين لفساده ممنوعون من التوظيف أو الترقي بفعل جهازه أمن النظام القمعي المسمي زورا وبهتانا أمن الدولة. وعلى المستوي الإعلامي فرخ النظام أبواقا إعلامية كسحرة فرعون جل هممهم الكذب والتضليل وتقليب الحقائق والدفاع المستميت بالباطل عن تصرفات النظام الفاسد وكان ذلك نتيجة طبيعية لهؤلاء الذين شربوا ألبان النظام الفاسد وانفطوا علي الفساد ، وليس مخفيا ما منحهم هذا النظام الفاسد من جوائز مادية وعينية فامتلأت كروشهم ومالت بطونهم وخربت ذمتهم ولا تخفي أسماءهم على أحد. إن هذا قليل من كثير ورحم الله أياما كانت مصر تنفق على العديد من بلدان العرب والمسلمين حتى صارت في هذا العهد الفاسد تتسول من غيرها ، رغم أنها لا تشكو من فقر في الثروات بقدر ما تشكو من لصوص النظام .. من أجل هذا يجب أن لا ننسي كل هذا .. وأنه لا تنازل عن مطالب الشباب الطاهر الشجاع .. ولا تفريط في الدماء الذكية التي لا تقدر بأثمان ، ولنعلم جيدا أن من سرق ونهب وأهان شعبه ليس له مكان إلا في سجون شعبه ، وأن تحقيق المطالب قاب قوسين أو أدنى ، وأن النصر مع الصبر ، والمفسدين قد اقترب أجلهم وحان وقت زوال نظامهم ، فهذا من سنن الله الكونية ونواميسه المرئية (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك صوت عذاب إن ربك لبالمرصاد) سورة الفجر/6-14. www.drdawaba.com