ليس جديدا ان اقول ان ألف باء التعمير- وفقا لما توصل اليه الخبراء علي مدي سنوات طويلة- سواء كان ذلك في مصر او في اي بلد اخر بالعالم مرتبط ومرهون بتفعيل استراتيجية اقامة شبكة فعالة ومحترمة من الطرق والمواصلات. ولا تقتصر اهمية هذه المشروعات علي متطلبات التعمير فحسب ولكنها ضرورية لحل ازمات التكدس والمرور والنقل حتي في المدن القديمة التي تعاني من تفاقم هذه الظاهرة غير الصحية. مثل هذا الوضع يؤثر ولا جدال علي الاحوال المعيشية والنفسية لاي مواطن وعلي المسيرة الاقتصادية. وفي هذا المجال فإنه لابد ان نعترف بأننا وقعنا في خطأ كبير عندما لم نفكر في مشكلة المواصلات عند اقامة مشروعات المدن الجديدة مثل اكتوبر والشيخ زايد والقاهرةالجديدة والشروق وبدر والعبور والعاشر من رمضان. لقد اسقطنا من حسابنا استكمال ما تضمنته استراتيجية مشروعاتها بشأن تزويدها بشبكة من المواصلات المريحة واللائقة تربطها بباقي مدن الجمهورية وتشمل الانتقال داخلها. لا اعني بهذه الشبكة تسيير اوتوبيسات وإنشاء طرق لا يزيد اتساع الواحد فيها في احسن الاحوال عن خمسة عشر مترا في الاتجاه الواحد. ولكن الذي اعنيه لتحقيق الفائدة والانفراجة المرجوة هو مد طرق يصل اتساعها الي 02 و52 مترا وخطوط للسكة الحديد او المترو بجميع انواعه سواء كان سطحيا او تحت الارض. هذه النوعية من المواصلات هي القادرة علي استيعاب حركة السيارات والاوتوبيسات وهو الامر الذي يساهم في التخفيف من ازمة المرور ويضمن سرعة الانتقال لاكبر عدد من المواطنين. لقد كان ضروريا أن يصاحب تنفيذ مشروعات هذه المدن الجديدة تفعيل اقامة خطوط للسكة الحديد والمترو.. بل كان من المحتم ان تكون الاولوية لانشاء مرافق وسائل النقل الجماعي الحديثة قبل البدء في عملية البناء. ان الحقيقة تؤكد اننا لم نستفد من درس البارون امبان باني مصر الجديدة والذي كان اول ما فكر فيه لإنجاح مشروعه هو تسيير »المترو« الذي كان وسيلة نقل حديثة في ذلك الوقت من اجل تحقيق عملية الربط بقلب القاهرة القديمة وتشجيع الناس علي سكناها. ان ما يؤسف له اننا وعندما بدأنا في تعمير مدينة السادس من اكتوبر واحتفلنا بافتتاح طريق محور 62 يوليو الذي يربطها بالقاهرة استبعدنا دون مبرر خط المترو الذي كان معمولا حسابه وسط هذا الطريق. ان هذا الذي حدث يُذكرني بما تعرض له مشروع »المونريل« الذي تبناه الدكتور عبدالقادر حاتم وقت ان كان وزيرا للاعلام. لقد استطاع من خلال علاقاته مع اليابان أن يحصل علي تمويل لتنفيذ هذا المشروع ولكن ونتيجة للغيرة وسوء التقدير واجه المشروع معارضة من علي صبري الذي كان يسيطر علي الحكومة في ذلك الوقت حيث نجح في إلغائه. ان تكلفة هذا المشروع كاملا في ذلك الوقت كانت لا تتجاوز واحدا علي خمسين من تكلفته لو اردنا تنفيذه الآن والدليل علي ذلك تلك المليارات التي ندفعها لتمويل بناء مترو الانفاق. وكما يحدث فإننا نكتشف اخطاءنا دائما بعد فوات الاوان وبعد ان تشتعل المشاكل والازمات لنجد انفسنا مجبرين علي التحرك لتنفيذ ما فكرنا فيه سلفا. هذا الواقع تعكسه هذه الايام تلك التصريحات والاحاديث الرسمية التي تتحدث عن ربط مدينة 6 أكتوبر بخط سكة حديد مع الجيزةوالقاهرة وكذلك ربط المدن الجديدة بما في ذلك مدينة العاشر من رمضان بشبكة اخري من المترو والقطارات. اخر هذه التصريحات ما صدر عن المهندس علاء فهمي وزير النقل عن بدء الاستعداد لانشاء مشروع السوبر ترام لربط منطقة هليوبوليس- مصر الجديدة- بالقاهرةالجديدة بتكلفة شاملة تبلغ 5 مليارات جنيه. قال ان هذا الخط سوف يتم ربطه بالشبكة الاقليمية لمترو الانفاق الذي يجري اتخاذ اجراءات تنفيذه من خلال جهاز النقل الحصري بمدينة القاهرة الكبري.. طول مسار السوبر ترام الممتد من الماظة وحتي مدينة الرحاب ومدينة الشروق سيصل الي 44 كيلو مترا وينفذ خلال سنتين. ان ما اتمناه ان يفهم القائمون علي هذه المشروعات ان ايجاد وسائل مواصلات سريعة وجذابة ومريحة من وإلي التجمعات السكنية الجديدة هي خطوة مهمة وفعالة لتعميرها كما انها تدخل ضمن اي جهود لحل المشكلة المرورية المستعصية سواء داخل القاهرة او علي طرق الربط التي لم تعد قادرة علي استيعاب حركة النقل. يجب ألا يقتصر هذا المشروع علي تسيير المترو والقطارات ولكن الاهم والمجدي كي يستخدمها المواطنون خاصة اصحاب السيارات هو ان تكون هناك مواقف للانتظار في بداية ونهاية خطوط هذه المواصلات كي يتم ايقاف السيارات بها . ليس هذا اختراعا ولكنه نظام معمول به في الدول المتقدمة التي سبقتنا والتي تجتهد وتفكر في حل مشاكل المرور. وهو للاسف ليس امرا متوافرا لدي الذين يوكل اليهم حل مثل هذه المشاكل.