أصدر المرشد الأعلي الإيراني آية الله علي خامنئي حكمه القاطع النهائي، الذي لا يقبل المناقشة، بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان »شكلية وتتلقي أوامر من جهات أخري« وبأن أي حكم يصدر عنها »مرفوض ويعتبر لاغيا وباطلا«!! وقد تشكلت هذه المحكمة بقرار من مجلس الأمن- وفقا للفصل السابع- عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وكوكبة طويلة من القادة السياسيين والمفكرين والكتاب والصحفيين.. وقيدت كل تلك الجرائم ضد مجهولين.. وفشلت سلطات الأمن اللبنانية- وكذلك السورية خلال الوجود السوري في لبنان- علي مدي سنوات طويلة في العثور علي أي خيط يقود إلي القتلة. ويعرف اللبنانيون، قبل غيرهم، انه ما لم يتم كشف القناع عن المحرضين والمنفذين لسلسلة عمليات الاغتيال، فإن هذه الجرائم والتصفيات الجسدية سوف تستمر إلي مالا نهاية، كما سيظل مناخ الرعب يخيم علي البلاد إلي الحد الذي يمنع الساسة والكتاب من الإفصاح عن رأيهم تجاه أي قضية.. خشية التعرض للموت.. ولكن يبدو أن هناك من لا يريد الكشف عن المجرمين، ويعتبر أن أي جهد في هذا السبيل بمثابة مؤامرة كبري علي لبنان!! وها هو المرشد الأعلي والولي الفقيه الإيراني يعتبر المحكمة »مؤامرة« علي لبنان، وانها »ستؤول إلي الفشل«!! بل ان المرشد يحذر من أن هذه القضية قد »تتحول إلي أزمة«.. أو ربما يهدد بذلك! كان المرشد يستقبل أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في طهران عندما أصدر النطق السامي، الذي يعادل الفتوي، بشأن المحكمة التي تختص بالنظر في جرائم اغتيال سياسية وليست شأنا دينيا، وجاءت العبارات الواردة علي لسانه أشبه بالتحريم الديني للمحكمة.. وبفتوي مضادة للقضاء الدولي تنهي عن أي شكل من أشكال البحث عن الحقيقة وإقرار العدالة، كما لو كان المطلوب هو طي صفحة تلك الجرائم.. وعفا الله عما سلف! ويكاد المرشد ان يقول ان المحكمة كافرة، وان كل من يتعامل معها.. كافر »!« رغم ان المحكمة تخص لبنان وليس إيران!.. وكان رئيس مجلس الشوري الإيراني »علي لاريجاني« قد صرح، مؤخرا، اثناء لقائه بالرئيس السوري في دمشق بان المحكمة »مشروع أمريكي يهدف إلي ضرب الاستقرار في لبنان«.. وكما هو معروف، فإن الحكم في سوريا يعتبر المحكمة »مسيسة« ولا تهدف إلي كشف الحقيقة، بل تريد اهدافا سياسية«، علي حد تعبير وزير الخارجية السوري وليد المعلم.. ولم يوضح الوزير نوعية هذه الأهداف السياسية التي تسعي وراءها محكمة تطبق القانون اللبناني. وحذر النائب اللبناني أحمد فتفت من ان بعض اللبنانيين قد يفهمون تصريحات خامنئي علي انها كلام صادر من الولي الفقيه ليصبح كلاما مقدسا أو شبه منزلي، وقال النائب اللبناني عمار حوري ان انتقادات خامنئي للمحكمة »موجهة- علي ما يبدو - ضد التهدئة في لبنان وانها جاءت خارج السياق العام العربي واللبناني وتمثل استباقا غير مفيد في الموضوع..« واعتبر وزير العمل اللبناني بطرس حرب ان خامنئي أعلن موقفا شبه نهائي يلزم به حزب الله اللبناني، وان امكانية البحث عن حل للأزمة داخل لبنان أصبحت أكثر صعوبة«. وأعرب النائب زياد القادري عن خيبة أمله من تصريحات المرشد.. ووصف النائب »سليم سلهب« تلك التصريحات بأنها تدخل في الشأن الداخلي اللبناني. أما حزب الله، فقد واصل حربه علي المحكمة التي بدأها منذ شهور طويلة، وقال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في خطاب عاشوراء »ان المحكمة تشكل عدوانا سافرا علي المقاومة وعلي لبنان كله.. مما يستدعي ردا مناسبا«. وقال الشيخ نعيم قاسم نائب رئيس الحزب »ان المحكمة اسرائيلية.. ومخصصة لضرب حزب الله«. وتردد تساؤل علي لسان معلقين لبنانيين: هل كان المرشد الأعلي الايراني يخاطب أحدا في بيروت- سواء حزب الله أو خصومه- أم كان يتحدث مباشرة مع الأمريكيين وشركائهم من المفاوضين الغربيين حول البرنامج النووي الإيراني؟ للمرة الأولي يقول خامنئي إن إيران هي المستهدفة من تلك المحكمة، وانها ستتصرف علي هذا الأساس.. ومعني ذلك ان ايران تقف في الصف الأول في المعركة ضد المحكمة، وأن حزب الله الذي يقود الصراع في لبنان ضد هذه المحكمة.. يشكل جزءا من الأمن القومي الإيراني.. وعنصرا من عناصر أجندة المفاوضات مع الغرب حول الملف النووي المقرر ان تستأنف في اسطنبول في نهاية الشهر المقبل، ومعني ذلك ايضا ان المحكمة أصبحت علي جدول أعمال مفاوضات اسطنبول »!!« ولو بطريقة غير معلنة وغير مباشرة. وهكذا تصبح قضايا داخلية تتعلق بدولة عربية.. مجرد ورقة من أوراق المساومة في ايدي قوي إقليمية تتفاخر بنفوذها في تلك الدولة! وهكذا لم تعد المنطقة العربية مستباحا للعربدة الأمريكية والاسرائيلية فقط، وإنما للمناورات الإيرانية ايضا، واصبح هناك من يتعامل مع العرب علي أنهم مجرد قطع شطرنج يمكن تحريكها عند اللزوم، وشل حركتها عند اللزوم، ويمكن إصدار الفتاوي بشأنها في أي وقت، أما الأماني القومية العربية فإنها ليست مطروحة في أي جدول أعمال! والفتاوي اليهودية.. لا تتوقف فقد وقع نحو 57 حاخاما يهوديا في مدن مختلفة في إسرائيل علي فتوي تدعو الاسرائيليين إلي عدم تأجير شقق سكنية أو بيع بيوت أو أراضي لمواطنين عرب فلسطينيين، وقالوا ان هذا الأمر - التأجير أو البيع للعرب- محظور في التوراة! ويقال ان عدد الحاخامات الذين قرروا تبني هذه الفتوي بلغ ثلثمائة. وتوضح المصادر الاسرائيلية ان فتوي الحاخامات العنصرية تستند إلي نصوص دينية توراتية تؤيد الإنعزال والتمايز عن »الأغيار«- غير اليهود. والمعروف ان هناك حالة فزع لدي العنصريين اليهود من فكرة الاندماج والزواج المختلط.. وكانت إسرائيل قد شهدت في الأعوام الأخيرة تزايد الفتاوي بشأن قتل العرب وكيفية التعامل معهم.. وسبق للحاخام »عوفاديا يوسف« ان وصف العرب في عظاته بأنهم »أفاعي«، ودعا إلي انقراضهم.. الحاخامات يبررون الفتاوي الصادرة عنهم بانها السبيل إلي الحكم وفق التوراة.. فهم يريدون حكم التوراة!.. وكان الحاخام الأكبر في الجيش الاسرائيلي الجنرال »اشيجاي رونتزكي« قد أفتي بأن الجنود الاسرائيليين الذين يظهرون »الرأفة« بالعدو، في أوقات القتال، ستحل عليهم اللعنة!! أما الحاخام »شموئيل الياهو« الذي يقيم في مدينة صفد، فقد أعلن انه ينبغي طرد العرب من المدينة، وكان الرجل رائدا في الإفتاء بتحريم تأجير بيوت أو محلات أو أراضي لهؤلاء العرب! ومع تنامي الدور السياسي للحاخامات واستغلال الدين في تبرير الاستعمار والتوسع واستئصال شعب آخر، عن طريق الطرد أو القتل، فإن 26 في المائة من اليهود يؤيدون الآن أن يكون اعلان الولاء للدولة اليهودية شرطا للحصول علي حق المواطنة بالنسبة للفلسطينيين الذين يقيمون في إسرائيل ولم يغادروها منذ عام 8491.. وبكل بساطة، أعلنت حركة »معياني هيشوعا« الدينية في اسرائيل، علي لسان مديرها العام الحاخام »افيجاي بوعرون«: »ان التوراة لن تتغير! هذا هو ديننا! وهذه هي ثقافتنا! ونحن فخورون بذلك! ولن نؤجر وطننا للأعداء«!! سيل لا ينقطع من الفتاوي وهسيتريا عنصرية ترفض الآخر وتتعالي علي كل من يختلف مع أصحابها.. وفي الحالتين- الإيرانية والإسرائيلية- فإن العرب هم المستهدفون، وهم الضحايا المغلوبون علي أمرهم، الذين ينبغي ان ينتظروا فتاوي الآخرين، وهم المطلوب خضوعهم واستسلامهم أو إبادتهم. ولكن، هل نسينا ان هناك عربا يصدرون فتاوي الدم والتكفير لعرب آخرين؟ متي تسود العقلانية وتتوقف هذا الهسيتريا الجاهلية؟