لا شيء في الدنيا أغلي من الحرية، وكم من ثمن باهظ دفعه الراحلون حتي تنعم الأجيال من بعدهم بشيء من نسائمها، وبلدي.. موطني هو الحرية، أبثه همي وحزني ويمدني بوقود الأمل في روحي، لا تعجب أنك اليوم تقف موقفا صعبا وترتقي مرتقي أصعب حين تجد نفسك أمام ضميرك لمن تمنح نفسك وكيانك لا صوتك فحسب؟! ولكن تذكر الذين سبقوا من الصنفين، منهم من كان معدنه النفيس يدعوه الي التضحية والفداء من أجل الوطن وبشائر الحرية، ومنهم من قعد عن كل ذلك وآثر ان ينحني وينبطح لتدوس الكلاب علي ظهره بالبراثن والأوحال، تذكر جيدا أن الصنف الأول هو من مهد بحق ليوم تملك فيه إرادتك، وتدنو فيه من هدفك النبيل في الحياة. ولست أذكرك إن تحسبني، فإني أحفزك وأنشط الانسان العظيم في داخلك، لأننا اليوم محاطون بألوان كثيرة من المخاتلة وصنوف شتي من الكذب والتأثيم، ولولا بعض من إيمان في القلوب لوهن العزم وضعفت الهمم، وخسرنا جميعا مستقبلنا الذي ننتظره ليصعد بنا الي المكانة اللائقة بشعب عريق وأمة شاهقة تنكر لها الذين سلبوها خيرها، نعم هذه لحظات أكاد أهزك اليها لكي تنسي هؤلاء الذين أوهموك علي مدي الأيام الماضية بأنهم مخلصوك ومنقذوك ودافعوك الي الأمام، إنسهم تماما وامح كلامهم المعسول، واسألهم ماذا قدموا من خير من قبل وهم الآن مفلسون أمام التحديات الجديدة والأخطار التي تهدد وطننا، دعك منهم ولا تسمع الا صوت ضميرك، حكمه حين تضع بالقلم علامة الموافقة علي من سيكون مرآة حقيقية لآلامك ومعاناتك، يعكسها بكل صدق وأمانة، قف موقفا وجوديا تكون أولا تكون، ولا تخضع ولا تضعف أمام ثمن بخس من أموال مشبوهة مقابل صوتك لشخص أبي الا أن يكون نخاسا ويتاجر بصوتك ويقطع ورقة المال نصفين حتي يضمن أنك قد بعته صوتك فعلا، بئس البيع، وبئس من شاركوا فيه. ليست بلادي هي التي يباع فيها الضمير علنا أمام أبواب قاعات الاقتراع، ليست بلادي هي صاحبة هذا الاختراع، انما هم عصابة من الأقزام أرادوا أن يلوثوا وجهها الشريف، وترابها العفيف، وشرفها الذي لم يستطع أي محتل أو جبار عنيد أن يدنسه، أيها الماضون مع نسمات الأمل الأولي في فجر يوم كهذا، إركلوا السفهاء والفجرة بأقدامكم بعيدا وامضوا الي حيث وثقتم وعرفتم، وتأكدتم انه يستحق أصواتكم، ولن يستطيع أحد مهما بلغ من عتو أن يزور صوتك أو يمنحه نيابة عنك لمن لا يستحق، ستري من الغثاء كثيرا، ومهما كان من اغراء بالمال أو غيره فما يساوي ذلك لحظة عظيمة تملك فيها إرادتك وتغير بها من تراه غير صالح، هذه هي حقيقتك وجوهرك فلا تترك السماسرة يشوهون هذه الحقيقة وهذا الجوهر، قف موقف الرجال ولا تنس أنك اليوم تحدد مصيرك وتعيد نفسك للحياة من جديد، أما إذا فعلت غير ذلك فلا تلومن من بعد الا ما قدمت يداك اليوم. كاتب المقال : استاذ الطب بجامعة الازهر، عضو اتحاد كتاب مصر