يقولون إن الدنيا يومين أحدهما حلو والآخر مر .. لكني لم أذق في دنياي سوي طعمها المر . منذ تفتحت عيناي علي الحياة لم أر إلا مايدفعني للشقاء والاكتئاب . توفي أبي بينما لم أتجاوز العاشرة من عمري . تركني وأختي الصغيرة لتتحمل أمي مسئولية تربيتنا . كان الحمل ثقيلا عليها فمعاش أبي إلي جانب مرتبها لم يكن يكفينا . لاأعرف كيف كانت تدبر أمور حياتنا لكن كل ما عرفته أن المسئولية الضخمة تركت آثارها عليها فجعلتها شديدة العصبية حادة جدا سريعة الانفعال تثور علي أبسط الأشياء . هذه الطباع خلقت حاجزا بيني وبينها . زادها اختلاف طباعنا كانت أمي عقلانية تحسب كل الأمور بالورقة والقلم بالمكسب والخسارة لامكان للمشاعر ولا العواطف في حساباتها حتي عندما تعلق الأمر بزواجي كان كل مايهمها كم سيدفع العريس من مهر . شبكة . مايتكلفه في تأثيث الشقة لذلك أسرعت بالموافقة علي أول عريس رأته ملبيا شروطها المادية بغض النظر عن أي شيء آخر . ثم ركزت اهتمامها بعد ذلك علي إقناعي لم تكن موافقتي علي هذا العريس لنفس الأسباب التي دفعت أمي لذلك . لكني شعرت وقتها أنه إنسان مناسب جذبني بكلماته الحنون ولم تسمح فترة الخطوبة القصيرة جدا لاكتشافي كم كنت مخدوعة . لكن الشهور الأولي للزواج تكفلت بذلك سريعا وإتضح لي أننا متنافران في كل شيء وأن التفاهم بيننا مستحيل اعترفت لأمي لكنها وبختني وأكدت أن السنوات الأولي للزواج هي أصعب السنوات وأن العشرة كفيلة بتقاربنا . كان همها استمرار زواجي بأي شكل حتي لو كان علي حساب سعادتي . لم تشفق عليّ حتي بعدما حكيت لها عن طباع زوجي الغليظة وعن معاملته القاسية عن بخله وعصبيته وعن تجاوزه بالقول وتطاوله لحد الإيذاء البدني والجسدي طباع كانت تزيدني نفورا منه وانتهت بأني تركت المنزل لأعود إلي أمي لكنها بدلا أن تفتح لي ذراعيها أشعرتني أنني عبء عليها وأني ضيفة ثقيلة تود التخلص منها سريعا دفعتني هذه المعاملة إلي الاستجابة لطلب زوجي بالرجوع إلي بيتي . رجعت مضطرة وعشت أسوأ أيام حياتي لم يخفف من حزني سوي طفليّ الصغيرين رغم سعادتي بهما إلا أنها لم تكن كافية لانتشالي من دوامة الحزن التي أغرقتني فيها بسبب رفضي لزوجي ورغبتي في الانفصال عنه . رغبة كتمتها ولم أستطع البوح بها إلا بعدما رحلت أمي . شعرت أنني حرة لم أعد مكبلة بنصائحها وآرائها.. شهور قليلة مرت علي رحيلها واستجمعت شجاعتي وطلبت الطلاق حاول زوجي إقناعي لكني مصرة وإن كان طيف أمي يراودني في منامي يدفعني أحيانا للرجوع عن قراري . أنا حائرة لاأدري ماذا أفعل؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : لايحمل ترددك هذا سوي معني واحد هو ذلك الضعف وعدم الثقة الذي ينم عن شخصيتك. هذه الحالة التي نتجت عن المعاملة القاسية التي تلقيتها من والدتك وتلك العصبية والحدة التي اتصفت بها والتي قدرت أنت سببها برحيل والدك وأنت صغيرة وتحملها المسئولية واعترفت أنها مسئولية ثقيلة لكم كم من أمهات تحملنها دون أن يصلن لهذه الدرجة من الحدة التي تشوه نفسية صغارها . عموما فات وقت المساءلة والإدانة . ويبدو أنك أيضا نجحت في أن تضعي يدك علي أول الطريق السليم بتلك الثقة التي بدت في قرارك ورغبتك في مواجهة الحياة بالشكل الذي يحقق لك الراحة والسعادة . يبدو انك تحررت من الخوف وتفهمت مغزي الحكمة التي تحثنا علي ألا نخاف من مواجهة الحياة فإن بدا علينا الخوف زادت علينا الصعاب . جميل أنك الآن تحاولين مواجهة الحياة ومصارحة نفسك والعمل علي اتخاذ كل قرار يحقق لك الراحة والسعادة بغض النظر عن آراء الآخرين . لذلك أنصحك بعدم الاستمرار في حياتك الزوجية إذا ما تبين لك أنك غير قادرة علي الاستمرار فيها وأنك وصلت لدرجة من النفور والكراهية تجاه زوجك وإن كنت أنصحك أيضا بأن تمنحي نفسك فرصة في الابتعاد لفترة طويلة نسبيا فإذا تأكدت من تصميمك علي الانفصال فلا تترددي علك تشعري بهذا القرار يوما براحة يبدو أنك افتقدتها كثيرا في حياتك . الكذاب مشكلتي أنني تربيت علي الصدق والصراحة . لم أعرف يوما معني الكذب . سنوات طويلة مرت وأنا أصدق كل كلمة أسمعها حتي اكتشفت الحقيقة عرفت أن كثيرا من الناس لاينطق إلا كذبا . وفي البداية كانت صدمتي كبيرة وتدريجيا تعودت وعرفت كيف أميز بين الصادق منهم والكاذب . كان إحساسي هو وسيلتي للحكم علي ذلك وبشكل أكبر من اعتمادي علي عقلي وتفكيري . كان يكفيني النظر إلي عيون من أتحدث إليه لأعرف هل ينطق بالصدق أم لا . لم يخب إحساسي يوما حتي قابلته .كانت عيونه تنطق ببريق محبب مشع جذبني أفقدني القدرة علي الحكم السليم أوربما حدث ذلك لأنه كان بارعا في كذبه نظرات واثقة ثاقبة نافذة مؤثرة حتي اكتشفت أن كل مايقوله سلسلة من الأكاذيب . كذب في كل شيء. في الكلية التي تخرج فيها. مهنة والده حتي عنوان سكنه وظيفته . لاأعرف حتي الآن ما الذي دفعه إلي ذلك وكل مالاحظته أنه شخص يميل لنسج حياة خيالية يحلو أن يعيش فيها يرفض واقعه ويريد لمن يحبه أن يشاركه في هذا الخيال . هكذا اعترف لي بما واجهته بكذبه . بدا لي إنسانا غريبا غير جدير بالثقة ومع ذلك مازال شيء ما يجذبني إليه . ربما خفة دمه جمال حديثه شطحات حكاياته لاأعرف يبدو أن الحب كما يقولون أعمي وإن كان يساورني التردد بين الحين والآخر يجعلني أخشي الاستمرار في الارتباط به ؟ لصاحبة هذه الرسالة أقول : قلقك في محله وأتعجب كيف استطعت الاستمرار في هذه العلاقة رغم كل ما اكتشفته من أكاذيب .ودعيني أصارحك بأنني غير مقتنعة بمبرره الواهي الذي أقنعك به. وأعترف أيضا أنني أؤمن بالحكمة القائلة إن الحب ليس أعمي ولكنه مصاب ببعد النظر وهو لايدرك الأخطاء إلا بعدما نبتعد عنه قليلا . لذلك أنصحك بالابتعاد حتي تدرك حجم الخطأ الذي أرتكبته في حق نفسك بالاستمرار في هذه العلاقة .