سيدى أكتب إليك وأنا فى حالة من الحزن العميق بسبب أختى الوحيدة، نشأتنا كانت نشأة متدينة ومغلقة فى إحدى دول الخليج فى أسرة ميسورة بين أب فاضل طيب وأم مكافحة. المشكلة بدأت عندما بلغت اختي سن الزواج، وبدأ العرسان يطرقون الباب. فهي علي مستوي عال من الجمال والأخلاق والتعليم( إحدي كليات القمة) قدر لها أن تتزوج من احدي الشخصيات المرموقة علميا وسافرت معه إلي الخارج في بعثة علمية بعد الزواج الذي تم رغم مضايقات والد الزوج عنيف الطباع سليط اللسان. عاشت حياة سعيدة بالخارج كانت تخبرني بأن احدا لم ير السعادة مثلها ورزقها الله بحمل من زوجها, ولكن هذه السعادة لم تدم سوي خمسة اشهر واكتشفت بعدها الصاعقة أن زوجها الطيب الحنون مريض بالسرطان وان له سابقة مرض قبل الزواج ولكنه لم يخبرها لأنه كان متأكدا بأنه شفي تماما رغم تحذيرات الأطباء له بالكشف المتكرر لتفادي احتمالية رجوع المرض. قدرت اختي الموقف واقسم لك ياسيدي انها لم تلمه للحظة وظلت تلح بالدعاء والصدقات ولكن ارادة الله فوق كل شيء فكانت نتيجة الخمسة إشهر طفلا فارق أبوه الحياة عندما تم عامه الأول, وبعدما قاست اختي رحلة علاج صعبة في ظل تسلط أعمي من أبي الزوج الذي فرق بينهما فحرم عليها حتي النوم إلي جواره فهو الحاكم الأمر الناهي في كل امور الحياة, وصعوبات أخري لا يسع الوقت لذكرها, وظن الجميع أن الدنيا ستعطيها ولو حتي جزءا من السعادة التي سلبتها منها جزاء صبرها واحتسابها, فبعد وفاة زوجها خرجت من الاحزان إلي العمل ولم يرحمها جد يتيمها فرفع عليها كثيرا من القضايا لرؤية الصغير الذي ابدا لم تمنعه عنه ومنعها من شقة الزوجية, وخلال تلك الفترة لم يسأل علي أرملة ابنه ولا حتي حفيده اليتيم بل فقط كان جرس الباب لا يدق إلا بالمحضرين ليبلغوا اختي بمواعيد القضايا المرفوعة ضدها. وفي خضم هذه الاشكالات تقدم لخطبتها الكثيرون ولكنها اختارت من يقبل بابنها لأنها تبحث عن اب لابنها وتمت الزيجة من زوجها الثاني علي هذا الأساس. فهو مطلق بلا اولاد بسبب بعض المشاكل النفسية, كان يعمل مهندسا في احدي شركات البترول واقيل من العمل بعد اشهر من الزواج بسبب مشاكل مالية تخص الشركة. كانت الأمور تسير ما بين شد وجذب خلال فترة زواجها الثاني بسبب اختلاف الطباع فهو انطوائي غير محب للناس ولا للعمل, حيث انه لم يقبل بأي عمل نهائيا بعد اقالته رغم توافر عدة فرص حقيقية ومغرية علي مدار ما يقرب العام. وانا اشهد له انه كان يعامل ابن اختي اليتيم احسن معاملة كما لو كان ابنه لاسيما انه حرم من الانجاب سابقا بسبب بعض المشاكل كما ذكرت. اما اختي هي الأخري فكانت تحسن معاملة اهله جدا فلم تدخر جهدا في خدمتهم وارضائهم. اما عن جد اليتيم فلم ترد اختي اخباره تحسبا لما قد يحدث منه بإبعاد ابنها عنها. رزقها الله من زواجها الثاني بطفلة جميلة وحدث ما لم نكن نتوقع حيث رفض أهل الزوج الثاني تماما وجود الولد ونقضوا العهد ونسوا ان خير بيت من بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن اليه( علي الرغم من ان اليتيم ينفق من ماله الخاص) وعندما عارضت وذكرتهم بانه شرط من شروط الزواج انهالوا عليها باتهامات ظالمة افظعها انهم اتهموها بالسرقة بدون ادني رد أو معارضة من الزوج وكأن الأمر لا يعنيه, الأمر الذي نزل كالصاعقة علي ابي اثناء المجلس العرفي, وتم الاتفاق علي أن الفيصل هو حلف اليمين الغموس الذي ليس له كفارة لإظهار براءة اختي وتحدد الميعاد ولكن اختي فقط هي التي حلفت و اما( والد وأم الزوج) صاحبا الاتهام فلم يحلفا والزوج لم يحضر اصلا بل وقف علي بعد كيلو مترات من المسجد الذي تم فيه الحلف دون ادني موقف تجاه زوجته التي ظلمت ووضعت في موقف لا تحسد عليه امام اهلها والحاضرين. وبعد هذا الموقف ظلت اختي في بيتنا لعدة أشهر بلا سؤال منه ولا من أهله ولا حتي علي ابنتهم الرضيعة سوي بعض الرسائل أو رنات الموبايل من اختي بلا أي رد منه وعندما تدخل الوسطاء كمبادرة من طرفنا لوضع نهاية لما يحدث كان رد والده بنفس اللفظ( قولنا للحرامي احلف قال جالك الفرج) اصرارا منهم علي الاتهام( ويعلم الله براءتها). فذهبت اختي إلي المحكمة تطالب بنفقة للصغيرة لعلها تحرك منهم ساكنا ورد هو الآخر بقضية رؤية وبعدها تمت تسوية النزاع وديا في محكمة الأسرة بدلا من أن تأخذ الشكل القانوني فتنازلت اختي عن قضية النفقة رسميا أما هو فظل محتفظا بقضيته وهو الأمر الذي اكتشفناه لاحقا رغم انه عندما سألته اختي اكد لها ان كل شيء قد انتهي, ورجعت اختي لتكمل الحياة بدون ادني رد لكرامتها, حيث لم ينطق بكلمة إنصاف واحدة امام أبيه في المحكمة, استعطفها فقط بالدموع التي ملأت عينيه عندما انفرد بها وانه لا يستطيع ان يحيا بدونها ووعدها بانها لن تحرم من ابنها وان كل ما عليها ان تكبره امام اهله وتعود معه إلي بيتها في نفس اليوم الذي قابلها فيه في المحكمة اما عن ابنها فتتركه مؤقتا لمدة شهر عند أمي الحاضنة له إلي حين ان تهدأ الأمور وامي هي الأخري اقسمت بأن الولد لن يعيش معهم لآخر العمر لأنها تعلم برفض الأهل لليتيم وهي تحبه حبا جما ويحظي عندها بقدر كبير من الحنان, ورجعت اختي إلي بيتها رغبة منها في استكمال الحياة مع طفليها بدون أي اعتبارات أخري. وتحديدا في اليوم الرابع من رجوعها فوجئنا بمكالمة عنيفة اللهجة من جد اليتيم مضمونها ان والد الزوج الثاني اخبره بالزواج وبالتالي يحرم علي حفيده العيش مع امه لأنها تزوجت, وبناء علي ذلك الابن يحرم عليه امه بأمر جده, وبمواجهة الزوج اتضح انه ليس لديه علم بفعلة أبيه, ولكن كالعادة لم يستطع أن يواجه اباه لماذا فعل هذا, لكنه كان يعاملها احسن معاملة لرغبته الشديدة في استكمال الحياة, وألحت اختي علي زوجها لكي تري طفلها الذي يبلغ من العمر( ثلاث سنوات ونصف) ولكنه كان يعتذر وينصحها بالصبر, وان الوقت غير مناسب, وفي اليوم الذي رأت فيه ابنها لمدة خمس دقائق في الشارع تحت بيتها ظل يبكي ويقول( انا عايزك يا ماما انا عايز اطلع معاكي) وخرج من بين احضانها وهو يبكي بحرقة مما أثار شعور الامومة المتفجر بداخلها, فلم تجد الام الحائرة الا ان تفر من المنزل هاربة لتري طفلها مقررة الانفصال بالطلاق ولكنها سرعان ما ترددت في قرارها بعد مكالمة بكاء منه, ورغم اعتراف أختي لزوجها بان خروجها من بيتها بهذه الطريقة خطأ فادح في عدة مكالمات تمت بينهما, الا انه سرعان ما أقام عليها دعوي طاعة, هذا بالاضافة الي قضية الرؤية السابقة, ومع كل هذا ذهبت أختي تطرق باب محامي زوجها لتسأله ان تكمل بالمعروف او تنفصل بالاحسان, فاخبرها ان زوجها اتخذ موقفا تجاه اهله فسحبوا منه مفاتيح السيارة وقاطعهم. سيدي.. أختي في حالة من الضياع زوجها يقول انه متمسك بها وبابنها وبالحياة الي آخر يوم في عمره ولكنه دائما لايفي بوعوده, فليس لديه القدرة ان ينفذ وعدا قطعه علي نفسه في ظل تسلط الاهل, وأختي هي الأخري تريد الرجوع بشروط, وهي ان يعمل ويعتمد علي نفسه وألايحرمها من ابنها ويستقل عن اهله( يصلهم صلة الرحم الواجبة) بدون تدخل منهم والا فلا! الآن تحارب في ثلاث جبهات جبهة جد اليتيم, أهل الزوج, وأمي في ظل ضعف شديد من الزوج, تساؤلات كثيرة بداخلها هل تقبل ان تعيش مع هذا الزوج! واين الامان مع زوج ابقي علي القضايا حتي بعد الصلح, او من اهله الذين نكصوا العهود, وهل من العدل ان تقبل بزوج بلاعمل لتنشأ ابنتها بين اب وام ويبقي ابنها بلا اب ولا ام, وما هو مصير هذا الطفل اذا توفي الاجداد! واذا قررت الانفصال هل تستطيع ان تواجه الحياة بطفلين بمفردها بلا سند سوي الله, سيدي اختي الان اصبحت خائفة من كل شئ في حياتها لاسيما انها اصلا ذات شخصية مسالمة حسنة النية الي ابعد درجة, رومانسية تحتاج دائما الي حنان وعطف, سيدي انا اخشي عليها اذا قدر لها الحياة بمفردها فمن سيقبل بامرأة بطفلين علي الرغم من صغر سنها وجمالها, ولك ان تعلم انه كما ان فترة زواجها الاول لم تدم طويلا, فان فترة زواجها الثاني لم تدم سوي سنة وشهرين. سيدي اعتذر عن الاطالة وارجو ان ترد في اقرب فرصة لان القرار سيعتمد علي رأيك بصورة كبيرة. * سيدي.. هذا النوع من المشكلات يضع الانسان في مأزق, فالرأي هنا مسئولية.. والرائي هنا قد يتعاطف مع مسيرة وشخصية شقيقتك الوديعة, المسالمة, وغير المحظوظة في اختياراتها, فينصحها بالنجاة بنفسها من تلك الحياة البائسة, خاصة ان المؤشرات لاتنبئ بتغير الاحوال.. وقد يحكم عليها الرائي والناصح بالشقاء عندما يطلب منها ان تستمر مع زوجها من اجل طفليها, ولكني سأحاول ان أتجرد وأنا اشارككم التفكير, وسأنتهزها فرصة للتوقف اولا امام اختيار شريك الحياة, فما حدث مع شقيقتك في زيجتيها يكشف عن عدم السؤال والتخير والتعجل, فكثير من الابناء, وخاصة البنات يغفلن بمشاركة الاهل التأكد من صفات وطباع اهل العريس او العروس, استنادا الي انهما لن يعيشا معهم, ولكن تجارب الحياة ومحنها تعلمنا ونحن نعانق الزهرة أو نصطحبها في بيوتنا وقلوبنا ان نتأكد من صفاء اوراقها من الشوك أو اعوجاج العود, فان لم يكن العرق دساس فإن سوءات هذا العرق ستمتد حتما الي شركاء الحياة. سيدي.. والخطاب هنا الي شقيقتك, لا يجوز لي توجيه لوم أو عتاب الي زوجها الراحل, لانه اخفي عنها حقيقة مرضه, ولكنها ايضا فرصة للتأكيد علي حق الطرف الآخر في معرفة كل شئ يخص صحة وتاريخ شريكه قبل الموافقة علي الزواج, فلو كان الراحل قد أخبر زوجته بحقيقة مرضه ولا اعتقد انها كانت ستغير رأيها لاهتمت به وتابعت حالته, حتي وان رفضت فهذا حقها. سيدتي.. كررت اخطاءك في الزيجة الثانية, وربما لضعف خبرتك في الحياة وطيبة اهلك الكرام, فتزوجت من رجل انطوائي, ضعيف الشخصية, تاركا قيادته لوالده, وها هي النتيجة, مولود جديد وصراعات ومحاكم واتهامات. سيدتي.. الطلاق الآن لن يوفر لك راحة البال, وستعيشين في صراع دام مع جد يتيمك, وزوجك واسرته.. ويبدو من الحكي ان زوجك طيب القلب, محب, بدليل حسن معاملته لابنك قبل ان تتدخل اسرته هذا التدخل السافر والقاسي, فحاولي ان تستميليه وتشجعيه علي العمل, لأن جلوسه في البيت واعتماده المادي علي أهله, احد الاسباب الرئيسية لضعفه أمامهم. أعرف أن هذا ليس بالامر اليسير, ولكنه الخيار الافضل لك ولطفليك, وفي نفس الوقت, اذكر زوجك بمسئوليته عنك, وبما يجنيه من رضا الله عليه ورحمته به عندما يرفق بك ويراعيك انت وطفلك اليتيم الذي قد يكون سببا كريما من الله سبحانه وتعالي لدخوله الجنة. ولعلها تكون فرصة لمخاطبة قلب جد اليتيم الذي لن يكون سعيدا وحفيده ووالدته في حزن وشقاء وقلق.. هل يسعده أن يغرس في قلب الصغير حقدا وكراهية؟.. هل بعد رحيله أطال الله في عمره يحب ان تصبح ذكراه مدعاة للحزن, ام فرصة للمحبة والدعاء له؟! ونفس الاسئلة أطرحها علي والدي الزوج الحالي.. فما فات اكبر بكثير مما هو آت, فلا تظلما ابنكما بضعفه الانساني والمادي وثقابأن سعادته واستقراره, سعادة وفرح لكما. سيدتي.. حاولي مرة اخري, استعيدي صبرك واحيطي زوجك بمحبتك وحنانك, تجاوزي عن اخطاء اهله في حقك.. لاتجعلي الطلاق سيفا مصلتا علي رقبته طوال الوقت, فلا تشعرينه بانه قد يخسر اهله ثم يخسرك, كوني عونا له علي نفسه وعليهم, استثمري حبه لك ورحمته بيتيمك في اجتذابه وتحريضه علي العمل. ولايبقي لي وللقراء إلا الدعاء لك بأن تعيشي مع طفليك في سعادة تعوضك عن الشقاء الذي عايشتيه.. وإلي لقاء بإذن الله.