في الوقت الذي نسعي فيه لإرساء مبادئ الديمقراطية في حياتنا العامة .. في الوقت الذي نُقبل فيه بجدية علي الشراكة كمواطنون في أهم عمليات التغيير السياسي وإعادة تشكيل البرلمان المصري من خلال انتخابات نتمني نزاهتها وفي الوقت الذي ينبغي علينا الالتفاف فيه حول الوطن دون تهاون أو تقصير ضد مخاطر فتن مدسوسة علينا من الداخل والخارج بهدف النيل من وحدة صفنا ..في الوقت الذي نسعي فيه لمنح شبابنا فرصة التشبث بحقهم في الحلم بالغد وتحريك هممهم الوطنية وتفعيل مشاركتهم السياسية.. في الوقت الذي نطالبهم فيه بالكف عن العزوف عن المشاركة السياسية ،والاندماج في ممارسة شعائر الديمقراطية .. وتحقيق التميز في التعليم والبحث والتفكير والإبداع .. في الوقت الذي ينتصر قضاؤنا لحريتهم في أروقة جامعاتهم .. ويحكم باستبعاد الحرس الجامعي منها إلي غير عودة ليشجعهم علي تنفس ألوان الحرية بعيدا عن قمع شُرطّي .. أو تخويف أمني! نجد أنفسنا في موقف لانحسد عليه ليس أمام كبار أبنائنا ، بل أمام صغار أبنائنا ، وللأسف داخل مدراسهم. نجد أنفسنا في مواجهة - ماكنا نطلق عليه سابقا مدارس للتربية والتعليم - وقد تحولت إلي أماكن لتفريغ البلطجة ومخازن للأسلحة البيضاء ومرتعا لمروجي المخدرات .. نجد أنفسنا نتساءل عن السبيل لوقف مسلسل الاعتداءات المؤسفة بين كل أطراف العملية التعليمية بالاضافة للتدخل السافر لعنف أولياء الأمور .. ونجدأنفسنا بصدد تساؤل أمني آخر هو هل علينا أن نصرخ مناشدين وزارة الداخلية كي تمدنا بحرس مدرسي يعيد للمدراس انضباطها ؟ بالتأكيد سيستنكر الجميع السؤال .. ولكن الرفض والشجب والاستنكار لن يحجب حقيقة أنه لم يعد أمامنا مفر سوي أن نحزم أمرنا لوقفة مجتمعية جادة ومخلصة .. وقفة لانهدف منها لسرعة تكوين لجان أو عقد مؤتمرات أو كتابة مقالات أو حتي إنتاج المزيد من برامج التوك شو بحجة المواجهة ! بل وقفة نواجه أنفسنا خلالها بما فعلناه بأبنائنا من جرم شاركنا فيه كلنا كمجتمع وكآباء وكإعلام وكمؤسسات علمية وثقافية ومجتمعية .. وقفة ندرك من خلالها أننا كنا بالنسبة لأولادنا المرآة الكبيرة المنكسرة والمشروخة والملطخة بالصدأ والمظللة السواد والتي رأوا فيها صورتنا فاستمدوا منها صورتهم .. والتي تخيلوا من خلالها قيمنا فاكتسبوا قيمهم .. والتي عايشوا من خلالها قبحنا فأعتادوا قبحهم ! بلطجية المدارس الصغار هم صناعتنا وهم تربيتنا وهم ذنبنا ، وهم غياب ضميرنا وانفلات معاييرنا ، وسوء سلوكنا وتشوه أفكارنا .. فقد جاءوا بسلوكهم من بيوتنا ، وبأسلحتهم من شوارعنا ، وبإجرامهم من قصص إعلامنا وأفلامنا ، وباستباحة الدماء من نشرات أخبارنا ، لقد تركنا صغارنا يراقبون كل نواقصنا وقدمنا لهم من أدياننا مجرد كلمات محفوظة .. ثم دسنا أمامهم بأقدامنا علي قيمهم ، ومسخنا قدوتهم .. واغتصبنا براءتهم .. والآن نصرخ مما اصابهم في مقتل ! المشهد صعب .. وصناعة مستقبل أبنائنا تنهار، وإذا لم تجتمع كل إرادتنا لإنقاذهم فلا تدّعوا البكاء علي الغد أو المستقبل ! مسك الكلام: الأمم التي تحلم بصورة رائعة لأبنائها .. لاتكسر مرآة الحقيقة ، بل تغسلها بنور العلم وصفاء القيم وحقيقة الجمال فتعيد إليها نقاء صورتها !