رحل جنرال الكرة الكابتن محمود الجوهري عن دنيانا بعد حياة حافلة وإنجازات باهرة للكرة المصرية والعربية. كان الجوهري لاعباً مميزاً في الأهلي وفي المنتخب حين أقعدته الاصابة مبكراً وهو في قمة عطائه، لينتقل بعد ذلك الي عالم التدريب ويكتب مجداً لم يسبقه إليه مدرب آخر. أدرك الجوهري من البداية أن الكرة تنتقل من عصر الي عصر، وأنها في طريقها لكي يتحكم العلم، ولكي تدار كصناعة كبري.. وأخذ نفسه بكل شدة لكي يدخل هذا العصر بالمعرفة المطلوبة وبالفهم الجيد لمتطلبات التطور. قبل الجوهري وجيله من المدربين الذين توافرت لهم الفرص للدراسة والتعليم، كان هناك جيل آخر من المدربين المصريين اعتمدوا علي الخبرة، وكانت منهم نماذج فذة مثل مدرب الترسانة العظيم »الشيوي« الذي بني الفريق التاريخي الذي حصل علي الدوري والذي كان منه أكثر من نصف منتخب مصر وفي مقدمتهم الشاذلي ومصطفي رياض وبدوي عبدالفتاح. ولم يكن مرتب عم الشيوي في هذا الزمن يزيد علي 51 جنيها في الشهر!! وعندما توج الجوهري مسيرته في تدريب المنتخب بقيادته الي كأس العالم لم يكن الوصول في حد ذاته هو الأهم، بل كانت القدرة علي ان تكون في قلب العصر، وأن تلعب الكرة الحديثة، وأن تتحدث بلغة العلم وليس بالفهلوة. ومن هنا كان لابد أن تتقاطع السبل وأن ينتهي الامر بعد عشرين سنة بالجوهري مغترباً في الاردن، وبالفهلوة والارتجال تحكم شئون كرة القدم في مصر!! وقبل بضع سنوات عاد الجوهري ليتولي مسئولية التخطيط للكرة المصرية في اتحاد الكرة. ويومها استبشرت خيراً، فقد كنت أعتقد أنه رغم نجاح الجوهري الكبير لاعباً ومدرباً، فإن موهبته الحقيقية هي التخطيط والإدارة في عالم الكرة، وكنت اعتقد أيضاً أنه - وهو أحد المسئولين عن إدخال نظام الاحتراف في الكرة المصرية- قادر علي التعامل مع السلبيات التي نتجت في التطبيق، وأنه يستطيع تطوير نظام الكرة في مصر لانقاذ الاندية الجماهيرية من أزمتها. لكن الرجل أدرك بعد فترة قصيرة أنه لا مجال للتخطيط والإدارة العلمية في ظل الإصرار علي الفهلوة والحرص علي المصالح الشخصية والتمسك بأسلوب »خش عليه« في إدارة الكرة المصرية!! رحمالله الجوهري، بقدر ما أعطي لوطنه، وبقدر ما أسعد الملايين.