سيظل الصراع مستمرا في مجال النقل الجوي بين الطيران المنتظم وبين الطيران الاقتصادي »الخاص« إلي أن يتم وضع حد فاصل وواضح بين النشاطين.. ان ما يجب مراعاته هو أن يجري ذلك في اطار العلاقات المستقرة بين أجهزة الطيران المدني في كل الدول . لتحقيق هذا الهدف فإن علي كل دولة ان تضع القواعد التي تحكم المهام التي من المفروض أن تقوم بها شركات الطيران الوطنية -الرسمية- من ناحية والشركات الخاصة من ناحية اخري. هذه القواعد لابد أن تدخل في اعتبارها الالتزامات المالية والوظيفية وكذلك المسئوليات الوطنية التي تتحملها الشركات الوطنية الرسمية. وكما هو معروف فإن هذه الالتزامات جسيمة وضخمة وهو ما يجعل هناك فرقا كبير جدا بين أسعار السفر برحلاتها وأسعار السفر برحلات الشركات الخاصة المحدودة الالتزامات والتكاليف التسويقية والترويجية وكذلك الفنية ومستوي طرازات الطائرات المستخدمة واعمارها وما يتم تقديمه من خدمات للركاب. لقد عرف العالم الطيران الاقتصادي الخاص من خلال رحلات شركات السياحة الاجتماعية التي تخصصت في اعداد البرامج السياحية الرخيصة. وقد ظهر معظم نشاط النقل الجوي الاقتصادي من داخل هذه الشركات السياحية المنظمة لهذه الرحلات الرخيصة. اقتصرت رحلات هذا الطيران علي نقل الافواج السياحية الي مواقع قضاء الاجازات خاصة علي الشواطيء. سعيا الي العدالة والحفاظ علي مصالح شركات النقل الجوي الوطنية مع الترحيب في نفس الوقت برحلات الطيران الاقتصادي لنقل الافواج السياحية فقد سمح لرحلات هذا الطيران بالهبوط في مطارات هذه المواقع السياحية دون المطارات الرئيسية التي يخدمها الطيران الوطني. كان الهدف من وراء ذلك الموازنة بين مصالح الطيران الوطني وبين الرغبة في زيادة حركة السياحة. وفي المنطقة العربية حيث تعتمد حركة النقل الجوي علي نقل العمالة خاصة بين الدول المصدرة لها مثل مصر وبين الدول المستقبلة مثل دول الخليج انحرفت مهمة الشركات الخاصة التي ظهرت. لقد لجأت هذه الشركات الي منافسة الشركات الوطنية في التعامل مع حركة نقل هذه العمالة. هذا الانحراف جعل هذه الشركات تتخلي عن مهمتها في نقل السياح من هذه المنطقة العربية. عمدت الي اغراء الركاب العاديين زبائن الشركات الوطنية منظمة الرحلات باسعار في غاية الانخفاض علي حساب الخدمات وعامل الامان. تنظيما لهذه المصالح المشتركة كان علي سلطات الطيران المدني وفي اطار مسئولياتها في الحرص علي مصلحة الشركة الوطنية أن تضع شروطا وقواعد تحافظ بها علي عدم التأثير السلبي علي نشاط الخطوط الوطنية المنتظمة. ان منع شركات الطيران الاقتصادي من الهبوط في المطارات الرئيسية التي تُسير منها هذه الخطوط الجوية المنتظمة رحلاتها وقصر هبوطها علي مطارات المناطق السياحية لم يمنعها من نقل الركاب القادمين لتقوم بعد ذلك بتخصيص اوتوبيسات لنقلهم الي هذه المدن الرئيسية اذا كانت هي وجهتهم.وقد اصبح شيئا عاديا ان تواصل شركات النقل الاقتصادي التي تقوم بتسيير رحلاتها الي مصر.. هذه السياسة وهو ما يعد في دستور الطيران المدني منافسة غير عادلة. ورغم الانخفاض الكبير في التزامات الطيران الاقتصادي من كل الجوانب والذي يعتمد علي اغراء اسعاره الرخيصة جدا لخطف الركاب فإنه ونتيجة لان بعض القائمين علي ادارة هذه الشركات يفتقدون الخبرة علي ضوء الاعتماد في ممارسة النشاط علي الدعم الذي يمكن أن تقدمه حكومات بلادهم خاصة في دول الخليج بالذات فقد كان طبيعيا ان يكون مصيرها الزوال والاختفاء من السوق. هذا ما حدث بالضبط بالنسبة لشركة الطيران الاقتصادي السعودي التي كانت تحمل اسم »سما«. كان المخطط الموضوع للقيام بنشاطها هو ان تحصل علي وقود مدعم من الحكومة السعودية وهو ما لم يحصل. دفعتها الالتزامات المالية المتصاعدة الي ان تستخدم هذه الشركة نفوذها قبل افلاسها لدي هيئة الطيران المدني السعودي بستة شهور من أجل السماح لها بنقل الركاب بين المطارات السعودية ومطار القاهرة وهو مطلب ضد القواعد التي وضعتها سلطة الطيران المدني المصري. أدي نشوب هذه الأزمة الي قيام الطيران المدني السعودي بوقف تسيير رحلات مصر للطيران بين القاهرةوالمدينة في محاولة للضغط علي مصر من اجل خرق القواعد واجبارها علي السماح لشركة طيران خاصة بالهبوط في مطار القاهرة. لم يكن أمام مصر وعلي أساس المعاملة بالمثل سوي منع الطيران الرسمي السعودي من تسيير رحلاته بين القاهرةوالمدينة أيضا. وهكذا فإن الحجاج والمعتمرين والركاب المصريين والسعوديين اصبحوا هم الضحية لهذا الخلاف الذي جوهره العمل علي خرق القواعد المصرية . وهكذا فإن رفض السلطات السعودية لدعم شركة »سما« بالاضافة الي فشل ضغوط الحصول علي استثناء لها بالهبوط في مطار القاهرة لم تكن من نتيجة له سوي اعلان افلاس هذه الشركة وتسريح العاملين فيها خاصة ان خسائرها بلغت خلال فترة تشغيلها 003 مليون دولار. هل يمكن أن آمل أن يفتح اختفاء هذا الشركة الأزمة باب الحوار من جديد بين سلطات الطيران المدني في مصر والسعودية في اطار الاخوة والعلاقات المصيرية التاريخية لانهاء أزمة خط القاهرةالمدينة. أرجو ذلك احتراما للقواعد السيادية ورحمة بالحجاج والمعتمرين .