ليس طبيعيا ولصالح المستقبل رغم المظاهر الخادعة المختفية وراء الدعم المالي الحكومي ومحاولة التواجد المزيف علي ساحة أنشطة النقل الجوي أن يستمر تواجد بعض شركات الطيران في المنطقة إلي ما لا نهاية خاصة في ظل عدم توافر العنصر البشري الوطني اللازم لتلبية احتياجات تشغيل ما يتم شراؤه من طائرات. الاعتماد علي اسلوب استقطاب وخطف الكفاءات خاصة الطيارين لا يمكن بأي حال أن يضمن مستقبل هذه الشركات التي تحاول ان تخدع نفسها وتخدع العالم بأن حجم أعمالها المستقبلي يمكن ان يغطي ويتوازن مع توسعاتها المبالغ فيها. أن كل ما يسعون إليه هو الايحاء بأنهم موجودون علي الساحة بقوة ليس لها أي أساس. نفس هذا الذي يحدث في مجال الطيران يحدث ايضا في كل المجالات و الأنشطة الأخري التي تمارسها الدول التي تتبعها هذه الشركات وهو ما يتجسد في الاعتماد الكامل علي العمالة الآسيوية التي يزيد عددها عن عدد السكان الاصليين من ابنائها. لايمكن لعامل الاغراء المالي أن يحقق نجاحا مستمرا أو استقرارا لهذه الشركات علي المدي الطويل. نفس الشئ يواجه ايضا التوسعات في الخطوط الجوية والتي لايمكن أن تضمن لها الصمود أمام المنافسة علي المدي الطويل. من ناحية أخري فإن محاولة التواجد في السوق من خلال تدني الاسعار الممول من الدعم الحكومي أمر مستحيل تواصله مع استمرار نزيف الخسائر الناجمة عن تكاليف التشغيل.
وفيما يتعلق بموقع مصر في مجال النقل الجوي فإن الاعتماد علي الدراسة السوقية الصحيحة بالتنسيق مع أكبر تكتل للطيران المدني في العالم وهو »تحالف ستار« يعد ركيزة اساسية لتحقيق النجاح المستقر بعيدا عن هزات المستقبل. ان التدقيق في تحديد الاحتياجات من النوعيات المختلفة من الطائرات وفقا لخطة مرسومة تستند إلي القواعد الاقتصادية السليمة هو عامل أساسي في تحقيق الانطلاقة الثابتة.. لا جدال ان امكانات مصر البشرية والفنية والعلمية والاستعداد الاستيعابي يتيح لمصر للطيران تجديد شباب كوادرها من الطيارين والفنيين باستمرار والذين لديهم ملكة اكتساب الخبرة التي تعوض عمليات خطف بعض عناصرهم العاملة. في هذا المجال لا يجب بأي حال من الاحوال ان تخيفنا عمليات السطو علي بعض هذه الكوادر باعتبار أن مصر ولاّدة دائما وقادرة علي تعويض احتياجاتها من ابنائها وليس من ابناء أي دولة أخري كما يفعل غيرها من الذين يحاولون منافستها علي غير اساس . وهنا أقول ان المال زائل ولن يبقي بعد ذلك سوي الامكانات البشرية المؤهلة والمسلحة بالانتماء الوطني والمتطلعة إلي الاستقرار وليس الساعية للفائدة المادية الوقتية التي يدفعون ثمنها غربة وتنازلا عن كرامتهم.
هنا لابد أن نشيد باستراتيجية الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني والذي يدخل ضمن مسئوليات منصبه الحفاظ علي كيان مصر للطيران وتفوقها واستقرار أوضاعها. ولعل أهم ما استندت إليه هذه الاستراتيجية هو الاعتماد علي جهود التمويل الذاتية سواء في التخطيط لعملية دعم اسطول مصر باحتياجاته من الطرازات المناسبة لنشاطها وخطوطها أو فيما يتعلق بمشروعات تحديث وتطوير المطارات المصرية باعتبارها عنصرا أساسيا في عملية زيادة الحركة الجوية والسياحية إلي مصر. ولعل مشروع المبني الثالث لمطار القاهرة وما حققه من إعجاب وافتخار وإشادة من جانب الغريب قبل القريب هو أحد انجازات هذه السياسة .. انطلاقا من كل هذه الحقائق فانه يمكن القول بأن استراتيجية الطيران المدني في مصر بكل أنشطتها ماضية بنجاح في مسيرتها رافعة شعار الحفاظ علي حقوق مصر دون أن تؤثر فيها بعض الانواء المفتعلة التي تفتقد التقدير الصحيح. »للحديث بقية«