لم تكن الذكري الثالثة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري مجرد مناسبة لنجله ووريثه السياسي سعد الحريري لكي يعود إلي بؤرة الضوء من جديد. ورغم نجاح 'الحريري الصغير' في حشد كل رموز المعارضة من سمير جعجع المسيحي الماروني إلي وليد جنبلاط الدرزي في نفس اليوم الذي شهد تشييع جثمان 'شهيد حزب الله' المعارض عماد مغنية فان الحقيقة باتت واضحة تماما وهي أن الأوضاع في لبنان كادت تصل إلي نقطة اللاعودة وأصبح الباب مفتوحا أمام 'حرب ساخنة' بين الأكثرية التي يقودها الحريري المولود في ابريل 1970 والمعارضة النيابية التي يقودها زعيم حزب الله حسن نصر الله. وإذا كان النائب سعد الحريري الذي يتزعم كتلة المستقبل يعرض نفسه باعتباره 'قائم مقام' الطائفة السنية في لبنان منذ رحيل والده في 14 فبراير 2005 فان كل ما شهده لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية تقول ان 'التركة الملغومة' التي ورثها الحريري عن والده تتجاوز كثيرا قدراته السياسية. فالرجل يمتلك ثروة مالية هائلة تجعله ضمن قائمة أغنياء العالم ودرس إدارة الأعمال في جامعة جورج تاون الأمريكية ولكنه في كل الأحوال جاء إلي المسرح السياسي مفتقدا للخبرات السياسية اللازمة للتعامل مع حقل ألغام سياسي بامتداد خريطة لبنان. وكانت لبنان قد شهدت الاسبوع الماضي سلسلة أحداث صغيرة لكنها تفتح الباب أمام الانفجار الكبير الأمر الذي يضع 'الحريري الصغير' أمام معضلة شديدة التعقيد خاصة في ظل اتهامات تطارده بتسليح جماعات سنية استعدادا لخطة المواجهة مع المعارضة التي يتقدمها حزب الله صاحب الآلة العسكرية الأكبر علي المسرح اللبناني. في الوقت نفسه يري كثيرون ان سعد الحريري يتحسس موضع قدمه وهو يسير في حقل الألغام السياسي من خلال السير علي خطا والده. فالرجل الذي حصد الأغلبية في الانتخابات النيابية التي جرت عقب اغتيال والده رفض تولي رئاسة الحكومة المحجوزة للساسة السنة ولكنه يظل رقما حاسما في أي معادلة سياسية بعيدا عن المناصب. غير ان البعض يتساءل عن السبب الذي جعل رفيق الحريري يبعد أبناءه جميعا بما فيهم سعد نفسه عن حلبة السياسة طوال فترة وجوده في السلطة أو حتي في العمل السياسي ككل. وهناك رأي يقول ان الحريري الأب خاف علي ابنائه من التركة السياسية الخطيرة التي يرثها الأبناء عن الاباء في لبنان كما حدث مع بيار الجميل الذي دخل العمل السياسي عبر بوابة والده الرئيس الأسبق أمين الجميل فدفع حياته ثمنا لذلك في عملية اغتيال غامضة منذ نحو عامين. وهناك رأي آخر يقول ان الحريري الكبير أثر الانفراد بالعمل السياسي ليتفرغ الأبناء لإدارة امبراطورية اقتصادية هي الأكبر علي مستوي لبنان وانه لم يكن يتصور ان هناك حاجة لاعداد خليفة له في ظل براعته الواضحة في التعامل مع ألغام السياسة اللبنانية. ورغم كل ذلك فان الحشد المليوني الذي نجح تيار المستقبل ومعه الأكثرية النيابية التي يقودها الحريري الصغير في ذكري الحريري الأب جاء بمثابة استفتاء شعبي علي مكانة هذا 'الفتي' في عالم السياسة اللبنانية. ليس هذا فحسب بل ان الرجل انتهز الفرصة لكي يؤكد وقوفه في معسكر 'الحمائم' بين الأكثرية النيابية تاركا مكان الصقور لحلفائه الثلاثة جعجع وجنبلاط والجميل. فقد تحدث سعد الحريري عن اليد الممدودة إلي المعارضة في الوقت الذي تحدث فيه خليفته الابرز وليد جنبلاط عن 'الطلاق البائن' مع المعارضة. ودعا الحريري إلي لقاء الساحات لا إلي الصدام.. غير ان دعوته تظل في مهب الريح.