رسائل الرئيس السيسى فى «أسبوع القاهرة للمياه»    حصاد وزارة الدفاع فى أسبوع    مصر تقود العالم نحو مستقبل مائى آمن ومستدام    مسئول أمريكي للجزيرة: تنفيذ حماس إعدامات ميدانية بحق أفراد من عائلة دغمش انتهاك لخطة ترامب    مصر تنزع فتيل الحروب من الشرق الأوسط    خدمة في الجول - تذكرتي تطرح تذاكر مواجهة الزمالك أمام ديكيداها بالكونفدرالية    أجندة سيتي حتى توقف نوفمبر.. 7 مباريات في 22 يوما ل مرموش قبل العودة لمنتخب مصر    وزيرة التضامن: مصر قدمت نحو 600 ألف طن من المساعدات لقطاع غزة    ميسرة بكور: أوروبا تسعى لاستقلال أمني عن واشنطن في ظل التباعد عبر الأطلسي    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    قطر وتركيا تناقشان آفاق التعاون المالي على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي    دي يونج: الأرقام المتداولة عن راتبي مبالغ فيها    بعد تهشم سيارتها.. تصالح بين سائق هالة صدقي ومدير شركة في قسم الشيخ زايد    الذكاء الاصطناعي والبرمجة في صدارة مناقشات تعليم بورسعيد    وزراء دفاع الناتو يبحثون تعزيز القدرات العسكرية وتنفيذ الأهداف الجديدة للحلف    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    وزير الري يؤكد حرص مصر على دعم أواصر التعاون مع الصومال في مجال الموارد المائية وبناء القدرات    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    عاجل- رئيس الوزراء يتفقد المتحف المصري الكبير لمتابعة الاستعدادات النهائية    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن عن البوستر الجديد لدورته ال46    مكتبة مصر العامة بدمنهور تحصد المركز الثالث في مسابقة مكتبة العام المتنقلة 2025    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    «مدينة زويل» تفتتح موسمها الثقافي باستضافة وزير الأوقاف الخميس    السجن المؤبد والمشدد في جريمة قتل بطوخ.. جنايات بنها تُصدر أحكامها على 12 متهما    ضبط 160 باكو بسكويت مدرسى منتهى الصلاحية قبل بيعها بسوق بلبيس    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    هدى المفتى تقدم البطولة النسائية أمام محمد إمام في فيلم شمس الزناتى    بعد تعيينه شيخاً للمقارئ أحمد نعينع: أحمد الله على ما استعملنى فيه    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    وزير الصحة يبحث إنشاء مراكز تدريب للجراحة الروبوتية فى مصر    اليوم العالمى لغسل اليدين.. خطوات بسيطة لتحضير صابون سائل من مكونات طبيعية    "الإسكوا" تمنح "جهار" جائزة النجمات الذهبية الثلاث تقديراً لإنجازها العالمى    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    هيقولوا مخي اتلحس.. باسم يوسف: خايف من الحلقة الجاية من برنامج "كلمة أخيرة"    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    «النواب» يناقش غدًا اعتراض الرئيس على «الإجراءات الجنائية».. ومصادر: عرض استقالة 4 أعضاء    إنجاز طبي جديد بمستشفى أجا المركزي: نجاح جراحة دقيقة لإنقاذ مريض بنزيف حاد بالمخ    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    محافظ أسوان يدشن وحدة الكلى الجديدة بمستشفى كوم أمبو المركزي    التحقيق مع عنصرين جنائيين حاولا غسل 50 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    ضبط 105519 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    ميسي يساهم في اكتساح بورتوريكو وديا    مصر تتعاون مع شركة إماراتية لتنفيذ دراسات مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا    وزير التعليم العالي: مصر تسعى جاهدة للتحول إلى مركز إقليمي ودولي للبحث العلمي والابتكار    الكرملين: بوتين سيجري محادثات مع الرئيس السوري اليوم    حماس تطلق حملة مطاردة ل"الخونة" في غزة    وزير الخارجية يلتقي وفد نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. هشام عبد الصبور شاهين يكتب: رمضان .. وثقافة الميكروباص ..!

إذا لم تصدّقني عزيزي القارئ فيما سأذكره لك؛ فتعال إلى دار السلام بعد الإفطار جميع أيام رمضان، ولقد وصفته لحضرتك وصفا دقيقا لأنني عاينته وعانيت منه أكثر من اثنين وعشرين رمضانا ! ولكن.. وفي العَشر سنوات الأخيرة؛ تفاقم الوضع إلى درجة مفزعة مخيفة.

الشارع مزدحم إلى درجة لا تحتمل، والسيارات واقفة فى أماكنها لا تتحرك إلا ببطء شديد، والآن رفع أذان العشاء من عشرة مساجد فى المنطقة فى آن واحد، ميكروفوناتها انتشرت على الجدران والشرفات وفوق الأسطح، تباينت أصوات المؤذنين بين الأجش والناعم، والخشن والرقيق، كلها تشترك فى علوّ درجة الصوت إلى درجة لا تحتمل، تخترق الأعصاب وهى تدعو الناس للصلاة، بعد رفع الأذان بعشر دقائق.

تحول المشهد المسموع إلى ضوضاء رهيبة، لا يستطيع المرء تمييز أى من أصواتها على حدة، فأصوات أئمة المساجد يتلون قرآن صلاة التراويح اختلطت مع أصوات السيارات المزعجة، وأصوات التلفزيونات العالية تذيع المسلسلات والإعلانات، مع أصوات الباعة ينادون على بضاعتهم ، وأصوات سيارة إسعاف (فى الأغلب مات من بداخلها)، وسيارة مطافئ لا يستطيع سائقها تجاوز الزحام، وأصوات الناس فى الشارع؛ هؤلاء يصلون وآخرون يتشاجرون ويسبون بأعلى صوت، وأولئك ينادون على وجهة الميكروباص: السيدة .. جيزة .. بولاق، وقد يسمع دوي إطلاق رصاص أو خرطوش في مشاجرة أو في افتتاح دكان الحلواني المجدَّد، ويتصاعد اختلاط الأصوات ليصل إلى ذروة الهيستيريا، في غياب أي تواجد للأمن من الشرطة أو الجيش، ولا عجب.. فاليوم أول أيام رمضان !


هذا المشهد الضوضائي يحدث في وجود كل ما يميز عشوائيات مصر، فالرصيف محتل ببضائع المحلات وأقفاص وصناديق الباعة الجائلين، والرصيف الأوسط يرتفع عن الأرض نصف متر، لكي لا يسمح لكبار السن والعجزة بالعبور، والقمامة تعلو تلالا قام أولاد الحلال بإشعال النار فيها، وحارات ثلاث من حارات الشارع الأربع تحتلها السيارات المصفوفة والقمامة والباعة بعربات الكارو، وبالعافية تسير السيارات في الحارة الوحيدة المتاحة فوق القمامة المدكوكة، والمجاري طافحة والمطبات لا تحصى.


وفي الخلفية تستطيع حضرتك أن ترى أبراجا بنيت خلال العام الماضي، ترتفع اثني عشر طابقا، على مساحات من الأرض لا تزيد عن ثمانين مترا مربعا، ما يبادر إلى ذهنك فورا برج الإسكندرية الذي انهار منذ يومين، وكل لحظة في دار السلام لا ترى عيناك إلا تلوثا وترابا ودخانا وقذارة.


ومع تلوث السمع بالضوضاء الرهيبة، وتلوث البصر بكل مظاهر العشواء، تلوثت الأخلاق وانهارت القيم، وتشبع الهواء برائحة الانفلات والفوضى واحتراق الزبالة والكلاب الميتة، وما عادت مظاهر التدين التي يبديها كثير من الناس تجدي في إخفاء حالة الانهيار الأخلاقي في الشارع، وهنا أذكر ما تحدث عنه أستاذنا الدكتور جلال أمين في بعض كتبه؛ الدولة الرِّخوة، الدولة التى يستطيع كل إنسان فيها أن يفعل ما يشاء دون خوف من رادع أو من قانون، فالقانون لا يطبق إلا على الضعفاء، وأزيد وصفاً لفكرة أستاذنا ؛ فى الدولة الرخوة يعلو صوت كل شئ إلا صوت الحق، وفيها تختلط الأصوات محدثة ضوضاء ملوثة للأسماع والأنفس والحياة كلها، ومصر مبارك هي الدولة الرخوة بكل صفاتها، فهل أصبحت ثقافتنا فى مصر الرخوة ثقافة الضوضاء التي تهوي بنا نحو القاع ؟



من الذي أفهم مؤذن المسجد أن إيمان الناس يزيد كلما علا صوته في الأذان ؟ من الذي أوحى إلى القائمين على إدارات المساجد أن إذاعة الصلاة في ميكروفونات المسجد الخارجية يؤدي إلى دخول السامعين في حالة روحانية في صلاة التراويح ؟ لماذا لا يكتفي أئمة المساجد بإذاعة الصلاة في مكبرات الصوت الداخلية، حتى لا تختلط الأصوات، ولا يعي السامعون خارج المسجد شيئا مما يسمعون ؟ إن المسلم مأمور في حياته كلها بالامتناع عن فعل الحرام، فإذا جاء رمضان؛ امتنع عن الحلال طاعة لله وامتثالا لأوامره، فلماذا لا يكون رمضان شهر الهدوء والسكينة، والعبادة والتفكر، والنظام والالتزام ؟


منذ أن استسلم المصريون عبر ثلاثين الأعوام الماضية لطريقة إعلام الدولة الرخوة في إدارة الشهر الفضيل، ورمضان ما عاد رمضان، فبدلا من أن يكون شهر الزهد والعبادة؛ أصبح شهر الأكل والمسلسلات، وبدلا من أن يكون شهر الهدوء والسكينة؛ أصبح شهر الصخب والإعلانات، وبدلا من أن يكون شهر القرآن والذكر؛ أصبح شهر الفن والفوازير، وبدلا من أن يكون شهر الطمأنينة في العبادة؛ أصبح شهر السهر والسحور على أنغام التخت الشرقي.


إن ترك المصريين نهبا لمروجى ثقافة الضوضاء كارثة حقيقية، يجب أن نتصدى لها لمحو آثارها، ولتمكين ثقافة الهدوء والصوت المنخفض من نفوس المصريين، فاستعمال آلات التنبيه فى السيارات بلا داع ، واستعمال مكبرات الصوت فى كل مناسبة وفى كل مكان، وعلو أصوات المتحاورين، وتلويث البيئة بالأصوات المنكرة المنبعثة من الكاسيت والسى دى والدى جى، كل هذا جعل الحياة فى العاصمة لا تحتمل، وجعل الإصابة بالعديد من الأمراض العصبية لا مفر منه، وكلها أدواء ينبغى أن تتصدى لها وزارة الثقافة في إدارة الدكتور مرسي لتجد لها الدواء.


فإذا لم تتول وزارة الثقافة هذه المهمة التى تعتبر من صميم أولوياتها؛ فإننا نطالب أولى الأمر بضمها إلى وزارة الإعلام لتتولى هي إدارة أمور الفن والرقص والمسلسلات، ولْتُستحدَث وزارة جديدة؛ وزارة الثقافة الشعبية، على غرار وزارة السد العالى فى منتصف القرن الماضى، تكون مهمتها الرئيسية إعادة المصريين إلى ثقافة الهدوء والصوت المنخفض، بدلا من تركنا نهبا للضوضاء؛ رأس الحربة فى ثقافة الميكروباص. إسلمي يا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.