رئيس وزراء مصر فى آخر حكومة شكلها مبارك لإجهاض الثورة يتطلع لرئاسة مصر.. نائب مبارك الذى اختاره لتشييع جثة الثورة يتقدم الصفوف ليصبح هو رئيس مصر. مبارك لا يزال يحكم مصر بالريموت كنترول.. لماذا قامت الثورة؟ هل لتعيين مجموعة من المباركيين ليحكمونا، ولا أستبعد أن يتحول مبارك إلى بطل قومى قدم مصر على مصالحه، ضحى بالجنين «الكرسى» من أجل إنقاذ الأم «مصر»!!
لا أتصور أن كل ما رأيناه كان مجرد توافق غير مقصود أو نغمات نشاز أطلقها البعض، إنها خطة محددة المعالم والأهداف.. تنويعة على نظرية «خليهم يتسلوا» التى أطلقها المخلوع.. نعم، على مدى عام وثلاثة أشهر كان المطلوب هو أن نتسلى بما نراه محاكمات تنقل على الهواء فى البداية، ثم يوقف بث الهواء، مبارك يلوح من على السرير، وعلاء وجمال واثقان بأن البراءة قادمة، والبلد لا تزال تدار من طرة، كل شىء تحت سيطرة النظام البائد.. عمرو موسى حاول فى لحظة أن يلعب دور المتوافق، فهو مع مبارك ولكنه مع الثورة، هو مع المجلس العسكرى ويرفض حتى تعبير الخروج الآمن، يريده مشرفا، إلا أنه فى نفس الوقت يعلن بين الحين والآخر أنه مع الثوار، ورغم ذلك فإن التركيبة العسكرية تفضل درجة انحياز أشد، وهكذا توجهوا إلى منصور حسن، ثم عادوا وتراجعوا وتراجع أيضا منصور، ولكنهم لم يعودوا إلى عمرو موسى، ولا إلى الرجل العسكرى أحمد شفيق، الذى يدين بالولاء لمبارك، ولكنهم يطمعون فى أن يتم الانحياز إلى عمر سليمان، ولا أتصور أنه فى ظل وجود سليمان من الممكن أن يكمل شفيق المعركة حتى النهاية، فى لحظة فارقة من الممكن أن يتنازل لرجل المخابرات الذى لديه تقاريره وملفاته التى أكدت له أن فرصته لا تزال كبيرة.. ولا ينبغى أن نغض الطرف عن جزء هامّ وحيوى فى الصورة وهو أن سليمان لم يعترف أبدا بالثورة، بل كان نداؤه المتكرر هو أن على الشباب أن يعودوا إلى بيوتهم، وكانت الملفات بالتأكيد جاهزة، فهو يعرف بالضبط كيف يجهض الثورة ويضرب الثوار، إلا أن الظرف الزمنى لم يتح له ذلك فى أثناء الثورة، الآن بات ذلك ممكنا.
رجل المخابرات لا يمكن أن يصدق أحد أنه لم يكن يعرف كل ملفات الفساد التى عاشتها مصر، وكان من الممكن أن يثور، ولكنه اكتفى بالصمت.. كيف يرى كل هذا العبث والتسيب والصفقات التى تورطت فيها عائلة مبارك وكل الدائرة القريبة منه ثم يواصل العمل وظل هو الأقرب إلى مبارك وجاء تعيينه نائبا له فى لحظة فارقة من تاريخ الأمة، حيث فوضه كل صلاحياته.. سليمان كان يقف بين رجلين، رأينا الرجل الذى كان يقف وراءه فى أثناء إذاعة خطاب تخلى مبارك عن الحكم، بينما سليمان كان يقف وراء رجل لا نراه وهو مبارك.. الحزن الذى كان يطل من عينه فى أثناء إذاعة البيان يؤكد أنه ينعى نفسه.. وشهادته السرية فى المحكمة فى أثناء المحاكمة لن تحتاج إلى كثير من الفطنة لتدرك أنها كانت تصب لصالح مبارك.
سليمان يحتفظ بعلاقات طيبة مع الإخوان، فهو قد اعترف بهم ومنحهم الشرعية فور قيام الثورة، وبينما تحفظ العديد من الفصائل الثورية فى إجراء حوار ومبارك لا يزال رئيسا، فإن الإخوان كعادتهم وجدوها فرصة لكى يصلوا إلى الاعتراف الرسمى بهم، وهكذا وافقوا على التفاوض، وهذه هى استراتيجيتهم فى انتزاع أى مكسب مرحلى.. حتى فى أثناء نعتهم ب«المحظورة» لم يخل الأمر من تبادل منافع، وكان من الممكن فى ظل احتياج مبارك إلى مباركة مشروع التوريث أن يحصلوا على مقابل، ثم يورثوا الحكم إلى من يريده مبارك.. هذه هى عادتهم ولن يشتروها، وليس بعيدا أن يتم التوافق مع سليمان، يضمنون وصول كرسى الحكم إليه مقابل عدد من الحقائب الوزارية، وهكذا تنجح خطة مبارك، ونرى عمر رئيسا.. ولا أستبعد أن يقبل فى هذه الحالة شفيق أن يصبح هو رئيس الوزراء، ونعود مرة أخرى إلى المربع رقم واحد قبل 11 فبراير والفارق أن مبارك سوف يتم تكريمه على ما قدمه لمصر ليصبح هو مفجر ثورة 25 يناير!!