أنا مش قصير قزعة أنا طويل وأهبل.. تلك العبارة كانت هى النصيحة السحرية التى أسداها عبد المنعم مدبولى الطبيب النفسى فى أحد الأفلام إلى مريض جاءه يشكو من عقدته فطلب منه أن لا يكف عن إعلان ذلك للناس بصوت جهورى، وخرج بالفعل المريض من العيادة وهو يشعر بأنه قد أصبح طويل القامة مش قصير قزعة. شىء من هذا -أو لعله كل هذا- رأيته وأنا أقرأ التصريحات الأخيرة التى أعلنها شفيق بعد واقعة طرده الشهيرة من أحد المؤتمرات التى يعقدها لدعمه مرشحا لرئاسة الجمهورية، منذ تلك الطردة وشفيق لا يكف عن ترديد ماذا أفعل إذا كانت الناس تحبنى ماذا أفعل إذا كان لدىّ كاريزما؟ أعمل إيه إذا كانت هذه هى خِلقة ربنا؟ لم يكتف شفيق بهذا القدر، بل إنه ينتقل إلى الخطة رقم 2، وكان قد سبقه إليها عمرو موسى، وهى أن يعلنا على الملأ أن مبارك وسوزان «كُخة» وجمال وعلاء «دحة» وينسى كل منهما كيف كانا يعملان رهن أمرهم وطوع بنانهم.. كان شفيق هو طوق النجاة الأخير لمبارك، ولهذا استعان به فى آخر وزارة شكلها، وكل ممارسات شفيق فى الوزارة كانت تؤكد أنه يحاول حماية مبارك بإطالة فرصة بقائه رئيسا بادعاء أنه يريد أن يكرمه فى آخر أيامه، بينما الواقع أنه أراد أن يغتال الثورة باستهلاك الزمن ليعود مبارك بعدها ممسكا بزمام الأمور، وتعلن الأجهزة فى وقت لاحق أن الثورة ما هى إلا أجندة أجنبية.. ظل شفيق حتى اللحظة الأخيرة، مخلصا لهذا السيناريو، لولا أن الثوار فى ميدان التحرير وكل الميادين المصرية كشفوا تلك اللعبة. شفيق مثل موسى، يعلنها دون خجل أنه هو الذى قال «لا للتوريث» ولا لفساد مبارك فى عز قوة مبارك، ولم ينس أن يؤكد أيضا أن المشير حسين طنطاوى كان ممن وقفوا فى مواجهة فساد مبارك والتوريث.. دائما ما يؤكد أن الناس كلها تعرف مواقفه قبل الثورة، رغم أن العقدة هى أن الناس كلها تعرف، وأن الزمن صار يحمل ثوثيقا مرئيا لا يمكن لأحد أن يمحوه. شفيق مثل موسى، كل منهما كان قريبا من مبارك ويعرف أن مبارك لا يطيق أن تقف بجواره أىُّ قامة أخرى ولهذا كانوا يكتفون بالتصوير معه فى صورة تُظهر خضوعهم.. الكل كان يعرف أن الولاء الشخصى لمبارك هو الفيصل فهم ينفذون أوامره وشفيق بخلفيته العسكرية لديه قاعدة الولاء للقائد الأعلى، وهكذا انتقل من الولاء لمبارك إلى الولاء للمشير. هل يقف المجلس العسكرى على نفس المسافة من كل المرشحين؟ الحقيقة هى أنه ينتظر ما الذى تسفر عنه الانتخابات الأولية لرئيس الجمهورية؟ والفيصل هو فى اختيار القادر على أن ينهى التشابك بين المجلس العسكرى والسلطة بالخروج الآمن من الحكم، رغم أن هذا التوصيف «آمن» لم يعد يرضى المجلس العسكرى. إنهم يريدونه خروجا مشرفا وسوف يدعمون -للوصول إلى كرسى الرئاسة- مَن يستطيع أن يحقق لهم الخروج المشرف!! وأكبر شخصيتين حاليا يتمتعان برضا المجلس هما عمرو موسى وأحمد شفيق، والمجلس لا يستطيع إعلان الانحياز إلى أى منهما إلا بعد أن يوقن بقوة موقف كل منهما الانتخابى فى الجولة الأولى لاختيار رئيس جمهورية. هذه النتيجة هى التى تحدد من الأكثر جذبا للناس، وبالتأكيد من المستحيل مع تعدد أسماء المرشحين أن يحصل أىٌّ منهم على نسبة 50% من الجولة الأولى. المرشح الأقوى هو الذى سيصبح على المجلس واجب دعمه فى الجولة الثانية للوصول إلى كرسى الحكم، ومَن يراعِهم قيراطا فسوف يراعوه قيراطين!! شفيق يسعى بكل قوة لإثبات أنه الأجدر ويراعيهم 24 قيراطا إلا أنه يتلقى بين الحين والآخر ضربات قاتلة فى المؤتمرات الانتخابية التى يعقدها، وأتصور أن القادم بالنسبة إليه هو الأسوأ، لأن الناس تتبادل تصريحاته التى كان يقولها قبل وفى أثناء وبعد ارتدائه البلوفر الكحلى، وصار اسمه الحركى الرجل ذو الرداء الكحلى.. الآن هو يريد أن يصبح الرجل ذا الكاريزما، فصار ينظر إلى المرآة مرددا: أعمل إيه فى حلاوتى وجمالى وكتاكيتى البُنِّى.. «أنا ما انطردش خالص أنا عندى كاريزما". نقلا عن جريدة التحرير