فتح كل من عمرو موسى وأحمد شفيق النار على الآخر، كل طرف عاير الثانى بأنه كان من فلول مبارك.. عمرو قال كيف لآخر رئيس وزراء عينه مبارك أن يترشح لرئاسة الجمهورية، وكان رد شفيق أن عمرو موسى كان قريبا من مبارك، وهو الذى مد له مرتين كأمين عام لجامعة الدول العربية، وكان فى طريقه للثالثة وأنه -أى عمرو- فى آخر حوار له قبل خلع مبارك سألوه عن ترشحه لفترة سادسة، أجاب أنه سوف ينتخبه على الفور.. ما قاله عمرو حقيقة يعرفها تماما كل الناس عن شفيق، وما قاله شفيق يعرفه الجميع عن موسى. شفيق مثلا -والتسجيلات من السهل الرجوع إليها- بمجرد تعيينه رئيسا لوزراء مصر كان حريصا على شىء واحد، وهو إنقاذ مبارك، وأن يبدد الزمن لإجهاض الثورة، جاء اختياره كطوق نجاة يحميه من غضبة الجماهير، ومن الواضح أن شفيق كان مخلصا لرئيسه وقائده ومعلمه.. أما عمرو، أقوى المرشحين للوثوب إلى كرسى الرئاسة فليس أمامه الآن سوى أن يتبرأ من كل من يضع مبارك وعمرو فى جملة مفيدة!!
لماذا اختلفا.. بديهى أن عمرو فوجئ بترشح شفيق، شعر بأنه سوف يسحب أصواتا كانت له، إنهم هؤلاء الأشد تطرفا فى ولائهم لمبارك، كما أن الأصوات التى ترى أن الرجل العسكرى هو الحل ستنحاز إلى شفيق، وإذا لم يتوافر شفيق فإن عمرو كان فى هذه الحالة سيصبح فقط هو الحل. دخول شفيق لسباق الرئاسة يخصم -ولا شك- من رصيد ونقاط عمرو.
عمرو يحتفظ بقدر لا ينكر من تأييد المجلس العسكرى، ولهذا يشعر بأن شفيق يسبح فى المياه الإقليمية التى كانت كلها له.
شفيق ليست لديه المرونة والمراوغة التى يمتلكها عمرو، ولهذا فإن جماعة «إحنا آسفين يا ريس» لو خُيِّرت بينه وبين عمرو فسوف تختار شفيق الذى يحرص فى كل أحاديثه على أن لا يقترب من تقديس قائده الأعلى عندما سألوه عن حكام مصر تحدث عن عبد الناصر والسادات، مشيدا بدوريهما، ولكن عند مبارك صمت تماما، وحجته أن مبارك على قيد الحياة وتجربته لم تنته بعد.. أتذكر فى أول مؤتمر صحفى له بعد تعيينه رئيسا للوزراء، قال إن الملك فاروق غادر مصر بعد وداعه ب21 طلقة مدفع، وطالب بوداع لائق لمبارك يضمن له طلقات مدفع مماثلة.
المهمة التى أوكلت لشفيق ستظل بالنسبة إليه دائما مقدسة، وهو يعلم بالطبع أن مبارك ودائرته رغم أنهم محاصرون الآن قضائيا فإنهم لم يفقدوا كل أسلحة القوة بعد!!
دائرة عمرو وشفيق تتلاقيان فى نقاط عديدة، وكل منهما يعرف الكثير عن الآخر، وهذا التماس الذى تحول إلى خناقة يذكرنى بواحدة أخرى نشبت بين قطبين، كل منهما كان قريبا من سوزان وهما إسماعيل سراج الدين أمين مكتبة الإسكندرية، وأحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب، عندما قال مجاهد إن سراج الدين من الفلول، ومنعه من اعتلاء المنصة فى أحد مؤتمرات المعرض الدولى للكتاب الأخير، رغم أن مجاهد مثل سراج الدين، كان على رأس فريق فلول الست.
فى الدراما، أشد أنواع الصراع هى تلك التى تنتمى إلى نفس الدماء، ومن هنا نسج شكسبير أروع تراجيدياته التى تصبح العائلة الواحدة هى أطرافها الرئيسية، وهكذا من الممكن أن تجد أيضا الصراع بين من شربوا من نفس الكأس ومن استظلوا تحت نفس سقف الحماية، كل منهما يعلم بالضبط ما الذى كان يفعله الآخر للبقاء فى دائرة مبارك.
شفيق رجل عسكرى رغم أنه عاش سنوات عديدة من عمرة خارج «الكاكى»، ولكنه يتحرك وفقا للرؤية العسكرية، وهذه الضربة التى وجهها لعمرو سوف يعتبرها مشروعة للدفاع عن النفس، بعد أن تلقى واحدة استباقية عشوائية من عمرو من الممكن بعد أن تهدأ النفوس أن يعتبرها كل منهما نيرانا صديقة.. شفيق سوف يحسبها وعمرو هو أيضا سيحسبها، ولن يواصل أى منهما الهجوم، لأن كلا منهما يخصم من الآخر ولا يضيف لنفسه إلا التشكيك، ولا أستبعد بعد أن أظهر كل طرف العين الحمراء للآخر أن نرى الود بينهما موصولا مرددين «مصارين البطن بتتخانق»!!