عندما بدأ شهر أكتوبر، عام 1973 م، كان كل شيء هادئاً في مصر، ولا يوحي إطلاقاً بأي تغييرات سياسية أو عسكرية... فالاسترخاء كان سمة الجبهة، والقوات المسلحة تفتح باب عمرة، رمضان لضباط صف الجيش، والصحف تنشر خبر زيارة الأميرة مارجريت البريطانية لمصر، والتحقيقات الصحفية مازالت تتواصل، حول الإهمال الطبي الجسيم، الذي أدي إلي انتشار ميكروب التيتانوس في معظم المستشفيات الكبري، وتربطه بفضيحة صوامع القمح، عندما تسبب في إعدام أطنان من القمح الفاسد، بسبب الإهمال والتقصير في عمليات التخزين، وكان العام الدراسي في بداياته، والناس منشغلة به، وبمقدم شهر رمضان، وما يستلزمه من تحضير وزيارات وسهرات... ووسط كل هذا، بدأت البيانات العسكرية تتوالي في هدوء، مذكرة الناس ببيانات حرب الاستنزاف، التي استمرت سنوات، قبل أن يقبل عبد الناصر مبادرة روجرز، وتهدأ الامور علي الجبهة... بدأت البيانات بمحاولة إسرائيلية للهجوم، ومطاردة قواتنا لها، بعد أن أجبرتها علي الانسحاب، ثم تطوًَّرت الأمور في سرعة، ليصدر ذلك البيان الحاسم، في عصر السادس من أكتوبر، والعاشر من رمضان، معلناً أن قواتنا قد عبرت قناة السويس، واقتحمت خط بارليف المنيع، في قطاعات عديدة، وأن العلم المصري قد ارتفع علي الضفة الشرقية لقناة السويس... كنت أيامها طالباً في الثانوية العامة، ومازلت أذكر صيحة النصر، التي تفجًَّرت من كل الحلوق، مع إعلان ارتفاع العلم المصري، وانطلقت في آن واحد تقريباً، حتي خيًَّل إليَّ أن منزلنا في طنطا قد ارتج، من قوة الصيحة.... فرحة عارمة، لم أشهد لها مثيلا، قبلها أو بعدها.... فرحة شعب ذاق مرارة الهزيمة لسنوات ست، يأس خلالها من الثأر، ثم فوجئ بانتصار، فاق كل توقعاته، ونصر هزًَّ كل كيانه.... وعلي عكس ما حدث في نكسة يونيو، بلغت ثقة الناس في البيانات العسكرية ما يفوق المائة في المائة، خصوصاً عندما حل المساء، وبدأنا نشاهد انتصارنا علي شاشة التليفزيون.... وللحديث بقية...