انتهت الحرب رسمياً على غير رغبة بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتشدد، وذلك بفضل التدخل المباشر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والضغوط الفعالة من القوى الإقليمية، وفي مقدمتها مصر. عاد الأسرى الإسرائيليون الأحياء إلى ذويهم، بقيت جثث القتلى تسترد تدريجياً من تحت ألاف الأطنان من الركام الذي خلّفه القصف الإسرائيلي. اعتبر الإسرائيليون مشهد عودة الأسرى انجازاً وطنياً وتتويجاً لجهود عائلات الأسرى الذين ما انفكوا يتظاهرون ويمارسون ضغوطاً حتى أسدل ترامب الستار على هذه القضية. من يعرف بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يفوّت هذه اللحظة دون أن يحاول نسب هذا المنجز لنفسه. ففي وسط صخب احتفالات الإسرائيليين بانتهاء الحرب، إذ ببنيامين نتنياهو يطالب الإسرائيليين بشكره على جهوده في تحقيق الصفقة وإعادة الرهائن، كل الرهائن، دفعة واحدة. وكأنه يراهن على ضعف ذاكرة الجمهور الإسرائيلي مغفلاً حقيقة أنه من عاند رغبة المجتمع الإسرائيلي عن بكرة أبيه بعقد صفقة شاملة وألا يذهب إلى الصفقات الجزئية التي كان يفضلها حفاظاً على ائتلافه الحكومي وخوفاً من تهديدات المتطرفين بن غفير وسموتريتش. في لحظة واحدة انقلبت وسائل الإعلام المؤيدة لبنيامين نتنياهو من دعمه في الإصرار على تحقيق أهداف الحرب "المستحيلة"، إلى تصوير ما تم التوصل إليه على أنه "انجاز" ما لم يكن ليتحقق لولا رؤية نتنياهو وقوة بصيرته. كافة الأبواق الموالية مثل صحيفة "إسرائيل هيوم"، والقناة "14"، وجيش طويل من الإعلاميين والسياسيين المنتفعين من بقاء نتنياهو عاشوا جميعهم حالة إنكار عميقة تتعلق بمسؤولية نتنياهو عن إفشال صفقة التبادل خمس مرات. فهو من قام بتغيير الفريق التفاوضي الإسرائيلي بعد تنفيذ المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في يناير 2025 واستبدله بفريق يقوده رون ديرمر الذي لم يفرج عن أسير إسرائيلي واحد منذ تولى مهامه وأمعن في التسويف والمماطلة والتهرب من الاستحقاقات واللجوء للخيارات العسكرية وقصف قادة حماس في قطر للهروب من صفقة تبادل كان من شأنها تقويض حكومته. القفزة البهلوانية التي قفزها نتنياهو من حبل "الانتصار المطلق" إلى حبل "الإنجاز التاريخي" رددها بلا خجل جوقة المنتفعين الإسرائيليين من بقائه في السلطة. فبدلاً من تحميله مسؤولية تعطيل الصفقة لمرات عدة، سارعوا إلى مدحه وتبجيله وتحويله إلى بطل قاد إسرائيل إلى هذا "الانتصار". وكأن الوحل الذي يغرق فيه نتنياهو حتى أذنيه لا يكفيه، فدفعه دونالد ترامب في الوحل أعمق بالكشف للصحفيين المرافقين له في رحلة العودة إلى واشنطن أن نتنياهو هو من توسله ليطلب من الرئيس الإسرائيلي منحه العفو على ما اقترف من جرائم خيانة الأمانة وسوء استخدام الأموال العامة والرشوة خلال خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي. أراد نتنياهو العفو لأن صفقة الاعتراف بالذنب تعني خروجه غير مأسوف عليه من المشهد السياسي الإسرائيلي. يمتد تأثير فساد نتنياهو من قاع جمهور اليمين الإسرائيلي الذي يبرر له خطاياه، إلى رأس الهرم السياسي الإسرائيلي. لقد ضجت الصحافة الإسرائيلية بالاحتجاجات على انصياع رئيس الكنيست بعدم دعوة خصوم نتنياهو رئيس المحكمة العليا والمستشارة القضائية للحكومة رغم تصنيفهم من الفئة "أ" في مثل هذه المناسبات الكبيرة. الأمر الذي يعكس خضوع رئيس الكنيست "الليكودي" إلى رغبة نتنياهو وعدم التسبب في إزعاجه بمثل هذه الدعوة حتى يضمن مكاناً متقدماً في قائمة الليكود في الانتخابات المقبلة. طالب نتنياهو تغيير اسم الحرب إلى حرب النهضة ما رآه بعض المحللين هرباً من الاسم السابق الذي سيذكّر بفشل نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب. إن محاولة نتنياهو تزييف صورة النصر – إن وجدت- وبيعها مرة أخرى للجمهور الإسرائيلي تكشف عن رغبة مرضية في السيطرة على سردية جاذبة لجمهور الناخبين والتنصل من مسؤولية الإخفاقات. فكل نصر هو بسبب نتنياهو، وكل اخفاق سببه اليسار والمعارضة والممولين من الخارج وكل شخص ماعدا نتنياهو نفسه.