زمان وقبل أن يسد الأستاذ النظام ثغرة الإشراف القضائي المنقوص علي الانتخابات ويغلقها تمامًا ب «حزمة الفجل» التعديلي الدستوري الأخيرة، كانت الحكومة تدعو إخوتنا المواطنين الناخبين للمشاركة فيها بأي حاجة تعدمهم العافية أو تقتلهم علي أبواب لجان الاقتراع إذا تهوروا واستهبلوا وحاولوا الاقتراب منها. وبعد أن تغيرت الدنيا للأسوأ وصارت الانتخابات مزورة من المنبع ولا يؤثر فيها علي أي نحو وجود الناخبين (وربما المرشحين أيضًا) من عدمه، فإن السذج أمثال العبد لله توقعوا وظنوا أن السادة الذين يحكموننا بالعافية من أيام أن كانت الشياطين الزرق لونها أحمر قانٍ لن يحفلوا أو يشغلوا بالهم لحظة واحدة بهؤلاء الناخبين سواء حضروا أو ناموا في بيوتهم وجحورهم أو حتي ماتوا كلهم، لأن النتائج مقررة ومعروفة ومخلوقة سلفًا من العدم. غير أن واقع الأيام البمبي التي نعيشها الآن (بعد عودة «عيد الفن» علي يد الأستاذ طلعت زكريا) أثبت بالدليل «الفني» القاطع أن ظنوننا وتوقعاتنا بشأن مصير إخوانا الناخبين المدعوين للانتخابات المزورة المقبلة ظنون خائبة وتوقعات غير صحيحة بالمرة ولا تستند إلي قراءة واعية وعميقة لطبيعة نظام يكره صنف الشعب عمومًا، وخصوصًا عندما يتحور بعض أفراده ويظهر الواحد منهم لسيادته علي هيئة «مواطن ناخب» والعياذ بالله.. وإلا فما تفسير كل هذا السيل من تصريحات التهديد والوعيد التي بدأ كبار المسئولين وأصاغرهم يطلقونها يوميًا بينما هم يحذرون كل من يصدق دعوة المشاركة في «مهرجان التزوير» المنتظر بأن الحكومة ومباحثها لن يترددوا في وضع السيخ المحمي في «سرسور ودن» أي تخين من المصريين لو حاول هذا التخين «استغلال الانتخابات» واستعمالها «كطفاشة» في «الخروج عن الشرعية» أو دخولها. ورغم أنني شخصيًا حاولت كثيرًا وفشلت في معرفة مكان الست «شرعية» هذه، ولم أعثر علي ابن حلال واحد يدلني علي عنوان سكن حضرتها أو رقم موبايلها أو حتي بريدها الإلكتروني، فإنني وباقي الزملاء المصريين كنا تعودنا وتعايشنا مع حقيقة أن الأخت «شرعية» عبارة عن «شبح» يشبه اللهو الخفي الذي يداهمك بالكوارث دون أن تراه، لكن صحيفة «الأهرام» الحكومية الغراء فاجأتنا يوم الثلاثاء الماضي بتصريحات تحذيرية انتخابية قوية جدًا نسبتها للرئيس حسني مبارك وفهمت منها أن مدام «شرعية» لن تكون وحدها التي تتمتع بالصيانة والحماية في «مهرجان التزوير» المقبل، وإنما سيشاركها لهو خفي جديد يدعي «القيم»، إذ قالت الصحيفة حرفيًا: «إن الرئيس حسني مبارك دعا إلي اتخاذ إجراءات رادعة مع أي شخص يخرج علي القانون والقيم خلال انتخابات مجلس الشعب المقبلة»!! أما وزير الداخلية، فكان قد سبق الرئيس في التهديد والوعيد وتحدث في حوار نشرته صحيفة «الأخبار» يوم الاثنين عما سماه «استغلال مناخ حرية التعبير في تنظيم مظاهرات ومسيرات غير مصرح بها»، وأضاف سيادته: «أقول لمنظمي تلك المسيرات والمظاهرات إن أهدافكم واضحة، ودليل ذلك عدم تجاوب جموع الشعب معها أو الانضمام إليها، رغم جهود مكثفة ومضنية لمحاولة دعوة المواطنين أو تجميع كوادر سياسية شرعية، وضعًا في الاعتبار أن تحرك عناصر تنتمي إلي كيانات غير شرعية ولها نشاطها المجرم يضع هذه التحركات في مجال المساءلة القانونية بصدد النشاط»!!! تسأل، يعني إيه «بصدد النشاط»؟!.. الحقيقة ما أعرفش، لكن بإمكاني توضيح الآتي لجنابك: أولاً: النظام يحتفظ بترسانة «شرعية» و«قيم» فيها سم قاتل. ثانيًا: سيادته مشكورًا يوفر لنا «حرية تعبير» غير قابلة للاستخدام في أي «تعبير». وثالثًا: هو يوفر لنا «انتخابات» لا يمكن استغلالها من قبل الناخبين ولا المرشحين، ومن يحاول فسوف يقع حتمًا تحت طائلة «الصدد» أو «النشاط».. أيهما أشد. أما رابعًا، فكل عام وأنتم بخير..!!